شعار قسم مدونات

الجولان أرض سورية ولكن!

blogs الجولان

لا أتخيل أن تلك المرتفعات والمساحات الخضراء الخصبة على امتداد نظري، والتي رويت بدماء العشرات من الفلسطينيين والسوريين خلال مواجهات مع جنود الاحتلال الإسرائيلي في مسيرات العودة التي جاءت إحياء ليوم الأرض الفلسطيني في 15-5-2011، أن تصبح أرضا إسرائيلية بقرار أمريكي.

 

هذا التوقيع الغريب للرئيس الأمريكي ترمب، عاد بي إلى تلك الحرب الغير متكافئة التي زج بها شبابنا الفلسطيني من مختلف المخيمات الفلسطينية في سورية في ذكرى النكسة 5-6-2011، أقحموا بصدورهم العارية في مواجهة الجنود الإسرائيليين المدججين بالسلاح والذين كانوا على أتم الاستعداد للمواجهة مع الشباب الفلسطيني الثائر الذي عرف طريقه إلى فلسطين من بوابة الجولان المحتل.

 

ما كان من هذا الجندي الإسرائيلي إلا أن صوب نيرانه تجاه الشباب الفلسطيني الأعزل ليقتلهم الواحد تلو الأخر ويرتقي أكثر من عشرين شهيدا في تلك المؤامرة الخبيثة التي سعت فيها أطراف عدة للمتاجرة بالدم الفلسطيني في مزاد المقاومة والممانعة. "عبيدة زغموت" و"قيس أبو الهيجاء" و"بشار الشهابي" وغيرهم من الشباب والفتيات شهداء مسيرات العودة من أبناء المخيمات الفلسطينية ارتقوا برصاص الاحتلال الاسرائيلي على عتبات الجولان السوري المحتل، ليمتزج الدم الفلسطيني فوق الأرض السورية المحتلة.

 

المتابع لهذه المواقف الصادرة عن أنظمة وحكومات وحتى منظمات محلية أو إقليمية في غالبيتها قطعت علاقاتها مع النظام السوري منذ اندلاع الأزمة احتجاجا على سياسة دمشق في التعامل مع الشعب

المفارقة عندما تمكن بعض الشبان من قطع الأسلاك الشائكة والحدود الكاذبة التي رسمها الاحتلال الإسرائيلي، ليلتحموا مع أهالي الجولان الذين دافعوا عنهم واحتضنوهم في مشهد أخوي يعكس حقيقة العلاقة بين الشعبين الفلسطيني والسوري. شبان أخرون ذهبوا أبعد من ذلك واصلوا السير إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، دخلوا أرضهم المحتلة مشيا على الأقدام في تجسيد حقيقي لإرادة الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه والعودة إليها. في حين تتواصل المعركة على أرض الجولان بين الشبان المقتحمين للأسلاك الشائكة، يواجهون الاحتلال بالحجارة في مشهد يحاكي الانتفاضة الفلسطينية، وسكان الجولان يرمون إليهم بالطعام والماء ويساعدون في اسعاف الجرحى.

 

في عام 2011 مضى على احتلال الجولان السوري 44 عاما، الرواية التي كان يروج لها في دمشق، أن الاحتلال الإسرائيلي يملئ الأراضي في محيط الأسلاك الشائكة بالألغام، لكن أحداث مسيرات العودة أثبتت كذب هذه الروايات التي لم تكن إلا لمنع إي عمل مقاوم لتحرير الجولان أو إسناد الشعب الفلسطيني. إلى ما قبل الأزمة السورية وجبهة الجولان لم تطلق فيها رصاصة واحدة، جبهة مع الاحتلال الإسرائيلي تشهد هدوء قل نظيره برعاية من الأمم المتحدة، في حين يتفرغ الاحتلال للحرب على قطاع غزة والشعب الفلسطيني، مريحا نفسه من الجبهة الشمالية مع سورية حيث يحبذ الجندي الإسرائيلي الخدمة فيها.

 

قرارات الأمم المتحدة واضحة بأن الجولان أرض سورية محتلة، وقرار مجلس الأمن رقم "497" عام 1981 الرافض لضم الجولان للاحتلال الإسرائيلي يأتي في ذات السياق، وحتى الإجماع الدولي والعربي والإسلامي المندد بقرار الرئيس ترمب منح السيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل. قرارات أمريكية لم تبدأ من الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وصولا إلى القرار الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري والتي تندرج في إطار ما بات يعرف بصفقة القرن التي تنفذ بنودها ومن ثم تضاف إلى الخطة التأمرية.

 

المتابع لهذه المواقف الصادرة عن أنظمة وحكومات وحتى منظمات محلية أو إقليمية في غالبيتها قطعت علاقاتها مع النظام السوري منذ اندلاع الأزمة احتجاجا على سياسة دمشق في التعامل مع الشعب السوري. بالتالي اليوم هذه المواقف السياسية الرافضة للقرار الأمريكي حول الجولان السوري المحتل، تدعم بشكل أو بأخر النظام في سورية وتقوي من موقفه السياسي في المحافل الدولية وخاصة أن سورية طلبت عقد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة ملف الجولان والتصدي للهيمنة الأمريكية، حيث ستجد سورية من يقف إلى جانبها في مجلس الأمن بعد 8 سنوات من القطيعة السياسية والعزلة داخل أروقة مجلس الأمن.

   

هذا الأمر يقودنا إلى التفكير مليا في توقيت الإعلان الأمريكي بشأن الجولان المحتل، خاصة وأن الأحداث في سورية تتراجع بعد إعادة النظام السوري السيطرة على معظم ما خسره خلال سنوات الأزمة. لماذا اليوم والجولان سوري محتل منذ 52 سنة، هل هي محاولة أمريكية لإعادة انتاج نظام دمشق وبناء تحالفاته السياسية في المنطقة والإقليم من جديد عبر بوابة الجولان المحتل، الأمر الذي يقود ربما إلى إعادة سورية إلى مقعد الدبلوماسية الدولية وحتى العربية والإسلامية، وهنا تستثمر دمشق في الجولان للمرة الثانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.