شعار قسم مدونات

المقاهي المغربية بين الأمس واليوم

blogs مقهى

من السهل أن تجد مدنا بلا ملاعب ولا مسارح… لكن من الصعب أن تجد مدنا بلا مقاهي، لدرجة أن بعض المدن والأحياء أصبحت تعرف بأسماء مقاهيها بدل أروقتها ومعلماتها التاريخية أو أسماء شوارعها وأزقتها، وأصبح رواد المقاهي يتكاثر يوما بعد يوم رغم كثرة عددها وارتفاع أثمنتها المتزايدة سنة بعد أخرى، حيث إن الواحد منا أصبح يقضي ساعات طوال وهو جالس على كرسيه يشاهد مباراة أو يدردش مع صديقه إن كان من الجيل الذهبي.

  

أما إن كان من "أبناء الجيل الفيسبوكي" فإنه سيختلي بهاتفه لساعات دون وعي بما يحيط به، في مقابل ذلك تجد قلة قليلة ممن يمسكون جريدة ليطلعوا على أخر الأخبار أو رواية يمرون عليها مرور الكرام، مما يجعلنا نطرح هذا التساؤل: هل وجدت المقاهي لارتشاف فناجين القهوة فقط والتي منها جاءت تسميتها بـ"المقهى" أم أن دور المقهى كان غير ما نلحظه اليوم؟

 

بالرجوع إلى عصر الأنوار وإلقاء نظرة خفيفة على تاريخه الثقافي نجد أن المقاهي لعبت دورا مهما في تثقيف المجتمع والرقي به، لدرجة أن المقاهي لم تكن لشرب القهوة والجلسات الترفيهية بل كانت ملاذا لكبار المثقفين وهواة القراءة، ومستراح النفوس خاصة وأن المكان كان يعمه هدوء مطبق، وحتى الأصوات المتعالية فيه كانت بسبب مناقشات فكرية ساخنة بين المثقفين الجالسين فيه من مختلف مشارب العلم.

 

إلى حد قريب في أواخر الستينات وبداية السبعينات كانت المقاهي المغربية خاصة التقليدية منها بمثابة مركز إخباري أو قناة إذاعية لسماع أخبار السياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة

وقد جرت العادة في مقاهي عصر الأنوار أن يتناول أحد الجالسين جريدة ما ويقرأها بصوت مرتفع أمام صمت وإصغاء الحاضرين ريثما ينتهي القارئ ليبدأ رواد المقهى "المثقفين" من مناقشة فحوى الجريدة كل يدلي برأيه أمام احترام تام لأراء الآخرين، سلوك ونقاش أشبه بكثير بما يقع في كبريات الجامعات الدولية حديثا.

  

وإلى حد قريب في أواخر الستينات وبداية السبعينات كانت المقاهي المغربية خاصة التقليدية منها بمثابة مركز إخباري أو قناة إذاعية لسماع أخبار السياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة، ومقرا لاجتماع الشعراء والفنانين يتبادلون انتاجاتهم ويسردون حكاياتهم الشعبية في قالب يمزج بين الضحك والحزن والهزل المطرزة بقيم الجمال والأخلاق النبيلة المفقودة اليوم.

  

ويبقى السؤال المطروح ما سبب تراجع هذه العادة الإيجابية بل واندثارها في معظم المقاهي اليوم، عدا بعض "المقاهي الأدبية" في بعض المدن المغربية مثل الدار البيضاء وطنجة ومراكش، وإن كانت دون مستوى ما كانت عليه قديما عندما كانت محجا للأدباء والفنانين والشعراء والمغاربة والأجانب، ويكفي أن نذكر "مقهى الحافة" في طنجة لينطق لسان من عاشوا اللحظة أسماء نقش الأدب أسمائهم مثل محمد شكري صاحب رواية" الخبز الحافي" الذي نسج فصولا منها من أعلى المقهى المطل على ماء البحر العاكس لغيوم السماء الزرقاء، هذا إلى جانب شخصيات سياسية تاريخية مثل تشرشل وغيرهم من الشخصيات الأخرى في شتى المجالات.

 

غير أن هذا الإشعاع بدأ يندثر رويدا بعد أن استحدث دور المقهى وأصبح مشروعا للربح السريع فقط بدل المثاقفة والمناقشات الفكرية، وأصبح رواده يتكاثرون يوما بعد يوم ليقضون ساعات أمام مشاهدة مباراة كرة القدم أو لعب "الورق" و"الشطرنج" خاصة من طرف الشباب والمتقاعدين الذين لا يجدون بديلا يرتدونه خاصة بعد توالي إغلاق دور الشباب والثقافة وتراجع المكتبات بعد عزوف الشباب عن القراءة، عزوف يتجلى عند مرتادي بعض المقاهي الفارهة التي توفر لزبنائها إمكانية تصفح الجرائد اليومية والتي يكتفي بعض القراء فيها بملء "شبكة التقاطعات" أو "استكشاف الأبراج اليومية" فيما يبقى أغلب الزبائن يترقبون مواعيد مباراة كرة القدم.

 

غير أن العادة الجديدة التي لم نشر إليها في هذه الأسطر وهو أن المقاهي لم تعد حكرا على الذكور فقط، بل أصبحت محجا للنساء أيضا بعدما كان ولوجهن إليها قديما "عيبا" او ما يطلق عليه عندا في القلد المغربي ب"حشومة" ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستعود المقاهي الأدبية الى الساحة وملأ هذا الفراغ الثقافي ؟ أليس من حق المقاهي الأدبية أن تحضي بدعم مادي من طرف الوزارة الوصية لنشر الثقافة والمعرفة في صفوف الشباب عوض الأرصدة المالية المغرية المقدمة لإنتاج أفلام ومسلسلات تفسد المجتمع أكثر مما تصلحه؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.