شعار قسم مدونات

لماذا يجب علينا أن نقرأ؟

blogs قراءة

من السنن الكونية المطردة أن البناء الحضاري والإرتقاء الإنساني لا يكون إلا على قنطرة القراءة، لذلك فإن أول مانزل من الكتاب الحكيم هو الأمر بالقراءة في سورة العلق حين قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، والأعجب منه أن ثاني مانزل هي سورة نون والقلم ومايسطرون فلم يكتف الوحي الرباني بالقراءة فقط، بل أشاد بالقلم الذي يعتبر أداة للقراءة، فلاكتابة بلا قراءة ولاقراءة بدون قلم، فمن هنا نتسأل عن وضع أمة إقرأ بين الأمم اليوم؟

 

تشير العديد من الإحصائيات وقبلها الواقع، أن أمة إقرأ والقلم تعتبر اليوم من أضعف أمم الأرض قراءة واطلاعا، فمتوسط قراءة الفرد الأمريكي في السنة تزيد على 200 ساعة، ومتوسط قراءة الإنسان الأوروبي لا تقل عن 150ساعة، بينما أفضل الدول العربية قراءة متوسطها لا يتعدى 15 دقيقة في السنة، فكما يقال إذا علم السبب بطل العجب، فلاشك أن هذا الضعف في الإقبال على الكتب يعد من أهم أسباب الإنحطاط الحضاري الذي نعيشه اليوم، وذلك أن أمة الحديد لا تصنع الحديد وأمة إقرأ لا تقرأ .

 

القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة عمقًا، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب

بإعتبار أننا اليوم في حاجة إلى العقول الإبداعية أكثر من العقول الوصفية التي تشخص الواقع دون الإتيان بحلول عملية قابلة للتطبيق، أرى من وجهة نظري القاصرة أن الحل الأمثل هو القيام بغرس عادة القراءة في الناشئة بإعتبارها سلوكا كإحترام إشارات المرور في الشارع، وهذا راجع إلى أن الناس تهتم بالأفعال أكثر من اهتمامها بالأقوال، فمن نشأ في عائلة قارئة وشاهد أبويه يحملان كتبا، فغالبا الطفل تتكون لديه هذه العادة مع مرور الوقت عن طريق تقليد والديه، لأن الحياة كلها تدور على مبدأ التأثير والتأثر.

  

ومن الطرق الفعالة جدا في هذا الباب أيضا هي أن يعكف الأب أو الأم على قراءة قصة قصيرة لطفله قبل نومه يوميا، فهذا سيكسب الطفل ملكة حب المعرفة والإطلاع. إن البيت المسلم اليوم في عمومه بيت أمي لا يقرأ حتى لو كان أهله ذوو مستوى تعليمي رفيع فقد تجد شخصا حاملا للدكتوراه لكنه صاحب مستوى ثقافي ضحل جدا، إذ أن عادات القراءة والتعود عليها هي من الأساسيات التي يحتاجها الإنسان كحاجته للطعام والشراب، فبعضهم يملك مكتبات ضخمة تضم مؤلفات في شتى العلوم والفنون إلا أنها لا تعدو أن تكون جزءا من ديكور منزله.

 

يقول د.عبد القادر طاش: ( إن المتعلمين عندنا قليلو القراءة، فإنه ينذر أن ترى أطفال المدارس الإبتدائية وتلامذة المتوسطات وحتى طلبة الجامعة يقرأون شيئا غير ما يطالبون به من كتب مقررة في مناهج دروسهم، فحتى قراءة التسلية والفراغ التي يعمد إليها بعض الهواة لا يصطفونها إلا بعد أن يستنفدوا كل وسائل اللهو والمتع.)

 

إليك الآن أخي القارئ أختي القارئة بعد الأقوال من أعلام متقدمين ومحدثين حول أهمية القراءة ودورها البارز في بناء الإنسان أولا والأمة ثانيا.

• يقول ماركوس توليوس شيشرون: "البيت دون كتب كالجسد بلا روح."

• يقول العقاد: "القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة عمقًا، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب."

• يقول توماس كارليل: "أكبر الجامعات على الإطلاق هي عبارة عن مجموعة من الكتب."

• يقول ويل روجرز: "يتعلم الإنسان بطريقتين؛ ‫القراءة ومصاحبة من هم أذكى منه."

• قال ابن الجوزي:  وإني أخبر عن حالي ما أشبع من مطالعة الكتب وإذا رأيت كتاباً لم أره فكأني وقعت على كنز “

 

والآن سأجيبك عن سؤال المقال وهو الدافع الذي جعلني أسك هذه الكلمات، لأبين لك أن القراءة شيء رائع وليست كما أخبروك:

– يجب عليك أن تقرأ لأن القراءة عبادة ومن الأوامر الإلهية التي أمرنا الله بها في كتابه في قوله تعالى:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ) والقراءة هنا تشمل جميع العلوم المفيدة سواء كانت شرعية أم كونية.

 

جب عليك أن تقرأ، لكي تمتلك عقلا نقديا لا يقبل بالجاهز، ويتسائل دائما حول القضايا ويحلل الوقائع بعمق وحكمة

– يجب عليك أن تقرأ لأن القراءة تختصر الأزمان والأوقات، فعندما نقرأ تاريخ البشرية مثلا فلن نقع في الأخطاء التي وقع فيها من سبقونا.

-يجب عليك أن تقرأ لتعويض النقص العلمي الذي جناه علينا التعليم الفاشل في عالمنا العربي، بإعتبار أن بلدننا تحتل مراكز جد متدنية عالميا في جودة التعليم، ومع انعدام القراءة تصبح المعاناة الفكرية مضاعفة مرات.

 

-يجب عليك أن تقرأ لتغذي عقلك، وتطور شخصيتك بالوعي والتجارب وكذا تغير من طريقة تفكيرك، وتحصل نضجا كبيرا على مستوى التعامل مع الناس، لكن غذاء العقل قد يكون صالح وطالح لذا أحسن إختيار ما تقرأه، لأن من يعطي عقله التفاهة يصبح تافها.

 

-يجب عليك أن تقرأ، لتغير سلوكك وتتحكم في حياتك بشكل ذكي وتكون فاعلا في مجتمعك، فإذا لم يحصل معك هذا فأنت لا تقرأ بشكل صحيح كمن يصور الكتب والمكتبات لأجل المفاخرة أو للظهور بمظهر المثقف فقط.

 

-يجب عليك أن تقرأ، لكي تمتلك عقلا نقديا لا يقبل بالجاهز، ويتسائل دائما حول القضايا ويحلل الوقائع بعمق وحكمة.

– أخيرا يجب عليك أن تقرأ من المهد إلى اللحد، وذالك أن المسلم لا يليق به أن يكون متخلفا وجاهلا أميا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.