شعار قسم مدونات

غزو وسبي وغنائم.. كيف نقرأ تاريخنا ونسقطه؟!

blogs - غزوات
يطالعنا الكُتّاب الملحدون والذين لا دين لهم صباح مساء أن الإسلام انتشر بالسيف، وأن الإسلام الحقيقي هو القتل والسبي والغنائم وسفك الدماء وأن الفتوحات الإسلامية كانت للنهب والسلب.. إلخ. وقد نجحت الدعاية الغربية وأبواقها العرب في تصوير الإسلام على أنه حالة فردية من سفك الدماء، وحجتهم البالغة أنه لا أدل على ذلك من نهج السلفية الجهادية التي تمثل روح الإسلام الحقيقي، والتي يتم تقديمها كمصدر مرعب للقتل والوحشية في العصر الحاضر على حد زعمهم.

وهكذا فهم يستحضرون التاريخ الإسلامي مُنتزعين إياه من سياقه ثم يجعلون من سردية قطع رأس آدمي بالسيف مثال الوحشية المطلقة التي تعبر عن الإسلام المجرد، ولذلك فهو دين وحشي فتاك دموي، ثم يستشهدون بآيات القتال في القرآن، ليضعوا في وجهة الحجة البالغة حسب زعمهم. بدايةً لا بد أن نُوضح لهؤلاء أن الحرب ليس شيئاً لطيفاً وناعماً، ولا توجد طريقة لطيفة للحرب، فالحرب منذ الأزل هي عملية فتك طاحنة بين فريقين، بغض النظر عن موضوع صراع الحق والباطل. طبعاً نحن هنا لا ندري كيف يفهم هؤلاء أدبيات الحرب وفنونها وصيرورتها؟ فهل توجد حرب "كيوت" أو هل توجد حرب مرهفة الحس؟ وهل يعلم هؤلاء مدى بشاعة الأسلحة الحديثة وكيفية فتكها؟

ما هي الأساليب التي اتبعها الاسكندر المقدوني في غزاوته وحروبه؟ ما هي الطريق المرهفة التي استخدمها نبوخذ نصر؟ ما هي أساليب الحرب التي انتهجها الجرمان والرومان والقرطاجيون والإسبان والإنكليز والفرنسيون؟ هل كانت حروبهم مُرهفة؟ هل كانت حروبهم كيوت؟ هل استخدموا أعواد القش في حروبها لضرب الأعداء؟ هل تجنبوا قطع الرؤوس وبتر الأطراف في حروبهم؟ هل حازوا البلاد وسيطروا على باقي الأمم بالكلام المُرهف والحس اللطيف؟ وهل خرجت الأمة الإسلامية عن سياق استخدام تلك الأسلحة؟

والنسبة العظمى من آيات القرآن تذكر مفردة "قتال" و"قاتلوا" وهو فعل يدل على المشاركة، أي أن الطرف الثاني مُقاتل في ساحة معركة وليس مدنياً أو أعزلاً

واليوم، هل تعلمون حجم الفتك الذي تُحدثه طلقة عيار 7.62 مم عندما تضرب جسداً حياً بطاقتها الحركية وموجة الصدمة التي تحُدثها؟ إن فتكها لا يُجاريه لا سيف ولا رمح، وهي أبسط وسائل القتل، فهي تُهشّم الرأس وتُفجره فهل هي طريقة لطيفة للقتل؟ ولو انتقلنا إلى عيار 12.5 وعيار 23 مم وصولاً لقذائف عيار 57 وعيار 80 وعيار 120 و180 مم وصواريخ الطائرات وقذائفها، هل تدركون حقاً حجم الفتك في الجسد البشري الذي تحدثه؟ هل سبق وعاينتم ذلك بأنفسكم؟ فهل تفوقت طرق القتل التي تقترفها أعتى تنظيمات السلفية الجهادية متمثلة بتنظيم الدولة الإسلامية، تلك التي تقترفها الجيوش النظامية للدول التي تَدّعي شرعة حقوق الإنسان والحضارة؟ الجواب ببساطة لا والفارق كبير جداً.

والواقع أن تجربة الثورة السورية في زمن الإعلام المفتوح والصورة الحية ووسائل التواصل لم تُفد هؤلاء بشيء لقراءة موضوعية للتاريخ بعقل منفتح وتفكير سليم، ولا أظن أن واحداً منهم شاهد برميلاً متفجراً يسقط فوق رأسه أو صار ينبش تحت الركام ليُخرج جسداً حياً، فهم منذ البداية هربوا خارج سوريا خوفاً على أرواحهم، ولم يعيشوا تجربة عشناها أبداً، وليس عندهم سوى الكلام من أبراج عاجية في أوروبا وأمريكا. لكني أقول أنا كاتب هذه الكلمات لقد فعلت، كان صوت البرميل الساقط والذي يكتسب تسارع الجاذبية مهولاً مُجمداً للدماء في العروق، وأنت تقف في مكانك، التسارع مضروباً بكتلة المتفجرات والبرميل والخردة الفولاذية اللئيمة..

أنت الآن تسمع هدير تلك الكُتلة التي تنهش تسارعاً قدره 9.8 متراً في الثانية مربع، الطاقة الحركية تزداد، يرتفع الأدرنالين حد الجنون. إنه فوق رؤوسنا، يا إله السماوات، ثم.. موجة الصدمة، وصوت مريع، كل هذا يجري في ثوان فقط، وصريخ النساء، وصوت أنثوي يمخر عباب الغبار: يا أهل النخوة! ساعدونا، تقودني قدماي نحو الصوت، أصرخ بين الجدران هلموا أيها الناس! نركض نحو المأساة، أبحث في الركام، طفلة مُلطخة بدمائها، عجوز يبدو أنه فارق الحياة، ومروحية فوق رأسك آذنت ببرميل آخر، صوت ينادي: احتموا البرميل الثاني سقط، يتراكض القوم، وصوت آخر مُريع، وبرميل ثالث ورابع ويوم تالي وأيام متتالية.

هل واحد منهم جرب سماع صفير صاروخ الفيل؟! لكني فعلت، إنه تسارع جديد وطاقة حركية جديدة وموجة صدمة جديدة، ثم.. غبار وصريخ، نهرول نحو المكان، غبار وأشلاء، طفل صغير مُلطخ هنا، امرأة عجوز اخترقت عينها شظية قتلتها وهي ما زالت جالسة، وشاب فتكت به تلك القطع الفولاذية اللئيمة. هل عاين واحد منهم هذه المناظر عن قرب؟ هل رأى حجم الفتك بالجسد الذي تُحدثه هذه الأسلحة؟ لا فهم يجلسون هناك في المقاهي "الكيوت". على الأقل فلقد كان سيف الإسلام يضرب رقاب وأجساد مقاتلين في ساحة معركة، وهو على أي حال ألطف تشويهاً للجسد بكثير من قوة فتك الفولاذ المتشظي من حشوة TNT.

ثم أن كان القرآن يحوي آيات القتال فَلِأَن القتال ضرورة حتمية وتاريخية ووجودية لأي أمة، وإلا فلماذا تقوم كل بلاد الدنيا بِصُنع الجيوش ووزارات الدفاع والأسلحة الفتاكة؟  والنسبة العظمى من آيات القرآن تذكر مفردة "قتال" و"قاتلوا" وهو فعل يدل على المشاركة، أي أن الطرف الثاني مُقاتل في ساحة معركة وليس مدنياً أو أعزلاً، وحتى عندما وردت كلمة اقتلوا وهي نادرة فهي أيضاً جاءت في سياق ساحة معركة. إن الإرهاب الذي يمارسه برميل متفجر أو هدير طائرة سوخوي أو انقضاض طائرة ميغ أو قاذفة بي 52 أو مقاتلة إف 16 لا يمكن مقارنته بأي فعل ينسب لأي فصيل إسلامي مهما بلغ من التطرف. 

هل الحق من يبدأ الحرب على الباطل أم الباطل هو من يُبادر للعدوان؟ الجواب واضح، ولذلك
هل الحق من يبدأ الحرب على الباطل أم الباطل هو من يُبادر للعدوان؟ الجواب واضح، ولذلك "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ"
 
أرباب الإرهاب العالمي الذي يزرع الخوف والدموع والأشلاء والدماء هم أصحاب بزات أنيقة، ويضعون أفخر العطور ويجتمعون بأفخم القصور. وبمقارنة بسيطة نحن نقول، إن كان فصيل إسلامي متطرف قد قطع رأس آدمي، أو أحرق آخر حياً، فالقذائف التي ألقتها طائرات أصحاب البزات ليس فقط قطعت ملايين الرؤوس، بل جعلتها أشلاءً ومزعاً، وأحرقت ملايين الأجساد حية، فإن كان من إنصاف فهذا هو الإرهاب.

يتم تصوير الإسلام على أنه دين الغزوات والحروب، وأن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام أمضى حياته في الغزو، والسبي وفرض الجزية، وطبعاً ناهيك عن أن الغزو والسبي والجزية كان عُرفاً عالمياً بين جميع الأمم. إلا أنهم يحاسبون الإسلام وحده دوناً عن كل الأمم، متناسين أن الإسلام بنى حضارة ودولة عالمية في زمن قياسي، وأن كل غزوات الرسول كان الخصوم هم من بادروا إلى العدوان فيها. فقريش هم من أخرجوا المسلمين من مكة بعد تعذيب وتنكيل، وكذلك اليهود كان العدوان منهم أولاً في المدينة، وقبائل فزارة وجميع قبائل العرب الأخرى هم من اعتدوا وحاصروا المدينة يوم الخندق، وحتى حربه مع الروم كانت شرارتها عدوان شرحبيل بن عمر الغساني وقتله مبعوث الرسول، والغساسنة كانوا عملاء الروم في الشام وولاتهم.

ومحاسبة الرسول على معاركه واستكثار عددها هو أشبه بمن يحاسب الثوار في الثورة السورية على معاركهم مع النظام الذي فتك بهم وقتلهم واعتقلهم. فإن كان الرسول قد قام خلال 20 سنة بسبعين معركة، فإن ثوار الثورة السورية قاموا خلال 8 سنوات بأضعاف هذا الرقم من المعارك مع النظام، لكن سيأتي متحذلق ويقول رسولكم دموي ويبدأ يعرض لك أسماء معارك "بدر" و"أحد" و"الخندق".. إالخ متناسياً أنها معارك متعددة ضمن حرب واحدة هي حرب بين الحق والباطل والظلم والعدالة.

وكذلك الثورة السورية يمكنك أن تعد فيها معارك "الله غالب" و"البنيان المرصوص" و"ملحمة حلب".. إلخ لكنها معارك متعددة ضمن حرب واحدة، لكن هل الحق من يبدأ الحرب على الباطل أم الباطل هو من يُبادر للعدوان؟ الجواب واضح، ولذلك "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" ذات هؤلاء الأشخاص سيقول لك أن السلاح هو المشكلة، ثم يتحدثون معك بمصطلح مُرهف الحس هو "العنف" وكأنهم يعيشون في الأحلام ولا يدرون أن العدو عبر كل تاريخ الأمم لا يمكن أن يمنحك حقاً بالاستجداء، بل سيعمد لقهرك بقوته وسيفه المسلول، ولا مناص لك من أن تحصل على حقك بقوة سلاحك، وهكذا نشأت الأمة الإسلامية أمة قوية بذراعها وسيفها وليس باستجدائها من الآخرين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.