شعار قسم مدونات

مسلسل "عُمر".. استثمار السينما في صناعة الوعي

blogs مسلسل عمر

لا يكاد أحد من العرب والمسلمين لم يُشاهد مسلسل عمر الذي عرض في شهر رمضان قبل أعوام، هذا المسلسل الذي وقف ضده الكثير واستنكر له المئات دون أن يفهموا ويحللوا الرسالة المقصودة ومضمون هذا العمل. لا يخفى علينا واقع الإعلام والتلفاز العربي والذي يزيد كل يوم في انحطاطه الأخلاقي على كل الأصعدة سواءً الاجتماعي أو الديني أو الثقافي بل أصبحت تمارس الحرية أو لنقول تجاوزتها بشكل خطر وكبير فلا تكاد ترى قناة عربية أو مسلسل وخاصّة الرمضاني منها لا يخلو من العري والمشاهد الممنوعة والإيحاءات بكل أنواعها لتنشر الظواهر الهدّامة بكل أنواعها بين المشاهدين والمشاهدات لا سيما الشباب منهم!

نعلم جميعاً أن الإعلام بشكل عام والسينما والتلفاز بشكل خاص سلاح ذو حدّين إما أن يتم استخدامه في صناعة الوعي الفكري والثقافي أو لهدمه وجعله في الحضيض تحت شعار الانفتاح والحريّة لذلك كان يجب على الإعلاميين الشباب وصناع المحتوى والسينما المرئية ومسؤولي الإعلام العربي بأن يكونوا مفاتيحا للخير مغاليقاً للشر وأن يبثوا من خلال هذه المنصّات الرسائل البناءة وأن تستثمر هذه الأداة للبناء الثقافي والديني لا لهدمه وتشتيته في ظل الغزو الثقافي والفكري الذي يجتاحنا من كل حدبِ وصوب.

لذلك جاء مسلسل "عمر" هذا الإنتاج العربي الضخم والعمل العظيم ليصبح في وقته حديث الساعة والوقت بين مؤيد وآخر مثبط ومحبط، لتصنع مادّة وثائقية قوية في الساحة ولتحتل مرتبة كبيرة وقوية بين المسلسلات التاريخيّة والوثائقية، رغم انكار البعض على تمثيل أفضل الرجال عبر التاريخ على هيئة ممثلين ولكن الموضع هنا لا يسع لي بأن أتحدث عن هذه النقطة بذاتها وأحتاج تخصيص لها موضوعاً بمفرده.

يتمحور المسلسل عن قصّة صَدر الإسلام مسلّط الضوء فيها على شخصية الفاروق بشكل خاصّ لتكون سلسلة حلقات مختصّرة تجمع أهم الجوانب التاريخية والحياتية من سيرته – رضي الله عنه

مسلسل عمر شاهدته بنفسي حلقة تلو الأخرى فالمسلسل تميّز بالحقائق التاريخيّة الصحيحة الموثوقة مبتعدة عن الروايات الخاطئة والتزوير في التاريخ من قبل أعداء الأمة والدين، وما ميّزه أيضاً أنه قامت عليه لجنة مرجعيّة دقيقة من علماء المسلمين ومفكريهم والمهتمين بالتاريخ الإسلامي وتوثيقه من المعاصرين كأمثال الشيخ: علي الصلابي وسلمان العودة وعبد الوهاب الطريري وأكرم ضياء العمري ويوسف القرضاوي الذين استندوا على مجلداتهم وكتبهم المختصّة بسيرة الفاروق وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه.

 

ليتمحور المسلسل عن قصّة صَدر الإسلام مسلّط الضوء فيها على شخصية الفاروق بشكل خاصّ لتكون سلسلة حلقات مختصّرة تجمع أهم الجوانب التاريخية والحياتية من سيرته – رضي الله عنه، فنقلت لنا عمر راعي أبل الخطاب في الجاهليّة ثم عمر الذي يتصدى للإسلام بكل غلظة وقوة من ثم يهمّ بقتل النبي – صلّ الله عليه وسلّم – لينتهي هذا المخاض بولادة عمريّة جديدة غيّرت كل المعطيّات ونقلت عمر والإسلام إلى محطّة جديدة بإلحاحه على النبي بالجهر بالإسلام والإعلان عنه في وسط مكّة! ثم سوف يرى المُشاهد عمر الصحابي والجندي العسكري خلف لواء رسول الله وما تخللته هذه الفترة من مواقف وآراء ليكون جاهزاً أن يستلم إمارة المؤمنين وقيادة المسلمين بعد وفاة النبي صلّ الله عليه وسلم وخليفته أبي بكرِ الصديق رضي الله عنهم.

لقد أبدع المخرج حاتم علي ورفيقه الكاتب وليد سيف وكل ممثلين وأعضاء هذا العمل وشركاء النجاح والرعاة بأن يخرجوا لنا عمل ضخم وكبير يحتذى به فكان نموذج فريد من نوعه في عصرنا وثّق التاريخ كما يجب واستطاعوا بحكنتهم الإخراجيّة والسينمائيّة واحترافهم لهذه الأداة الإعلامية ليضعوا على الساحة هذا الإنجاز الكبير وإيصالهم رسالة مهمة عن كيفية استثمار السينما في صناعة الوعي الثقافي وخدمة دينهم بالوسائل والأدوات الجديدة والاستفادة منها فيما ينفع الأمة ويرفعها لا ما يضرّها ويساهم في تدني أخلاقها ومبادئها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.