شعار قسم مدونات

أطفال اليمن.. يموتون بعمر الحرب!

blogs أطفال اليمن

الأطفال يشيبون عند الفجر، عنوان قصّة للروائي اليمني محمد عبد الولي، كتبها قبل سنين. عن أطفال مقاتلين، يَقتلون ويُقتلون عند الفجر، يُحزنون بابا نويل، ويطوف في ليلة رأس السنّة يوزّع الهدايا بأسى على أطفال العالم، وعلى أطفال اليمن المقاتلين، وينفطر قلبه حينما يتمنى طفلٌ يمني رشّاشًا ليقاوم به "الأعداء"! فيعطيه بندق زميله القتيل منذ قليل.

كانت شمس فجر موت أطفال قصّة عبدالولي كما يبدو من قصّته أكثر نورًا من حلكة ليل أطفال اليمن اليوم، أو كانوا أطفالًا مقاتلين على الأقل.. نبحث عذرًا لمقتلهم! أما أطفال اليوم، فما بحثنا يجدي نفعًا، ولا بحث قوى العالم أجمع على مقتل أطفال اليمن يُخِرج لنا عذرًا واحدًا كان سيكون مقنعًا لإنسانيتنا مهما كانت باهتة في هذه الحرب التي أخفت معالم الإنسانية، وذوّبت ملامح الوجوه البشريّة.

الحرب تجارة رائجة.. وهذا متفق عليه، أما السلعة والخسارة ورأس المال هذا ما يختلف من حرب لأخرى، كما يبدو فإنّ سلعة حرب اليمن هي الأطفال والعزّل، والجوع والحرمان هما آثار عجلات قافلة التاجر الجَشِع، ورأس ماله من مصارف "الشعب" المخفيّة في جيوب المسؤولين منذ سنين، ظهرت الآن ويا ليتها لم تظهر، ظهرت في أيدي القتلة والمجرمين، صرفوها في لعب قمار الحرب.

أطفال اليمن اليوم، تنحرهم أوراق اللعب الحادّة، طافت على أيدي الكبار.. وانتهت بمرورها على أعناق الصغار. توزعت أشلاؤهم على طاولة اللعب، فكانوا أرقامًا، يتبادل بها أطراف اللعب تُهَم الغشّ باللعبة المُرّة. حياتهم قصيرة، بداياتهم كانت قريبة، ونهايتهم دائمة، ستتكرر صدى. حبل حياتهم الفارغ امتلأ بموتهم، وسيبقى سوطًا زمنيًا يجلد ظهر القَتلة على مرّ التاريخ. أي عار.. أي عار أن تقتل أطفالًا لم يعرفوا من الحياة سوى صوت طائرة، وانفجار صاروخ، وصوت صرخات الضعف والألم والضجر؟

يسقط صاروخ السماء على تجمعات الأطفال الصغيرة، على أجسادهم، فتطير أرواحهم ترافق السحاب.. تلاحق طائرة قاتلهم
يسقط صاروخ السماء على تجمعات الأطفال الصغيرة، على أجسادهم، فتطير أرواحهم ترافق السحاب.. تلاحق طائرة قاتلهم
 

ضجيج الحرب معزولة عن الضاربين على طبولها المزعجين، المختبئين وراء العوازل، فلا يسمعون شيء من إزعاجها، وكل ضجيجها يصيب من لا يجد العازل. أطفال هم أقصر من هذا العازل، صغار، يخترقون مسامات هذا العازل بأجسادهم الضئيلة، وتخترقهم بشكل جماعي رصاصات الحرب بكلّ وحشيّة. هم أطفال اليمن فقط.. من لا يستطيعون الخيال، ولا يعرفون من الحقيقة شيء، ولا يدركون بأنّ مستقبل هذا العالم هم، لأنّهم لا يثقون بأن صباحًا سيشرق وهم على هذي الحياة.

أطفال ولدوا مع الحرب وماتوا بها، آلاف هم لم يستطيعوا التغلّب عليها، وسحقتهم بكل أنيابها وأنبيائها. أنبياء الحرب، من يغيّرون العاديّة والحياة إلى الاضطراب والموت، نبوءتهم هي الهلاك، ومعجزتهم في تحوّل إنسانيتهم إلى وحشيّة، يضحّون برؤوس صغارنا نصيرًا لعقيدتهم، عقيدة الموت. يشربون دماء النقاء، ويعصرون أجسادنا بلا رحمة وبلا حياء، هم على أشكال هذه الحرب الفوضويّة الحادّة، لا يعرفون ولا يرون غير حدود رغبة سيطرتهم، يطرقون على أجسادنا، ويسوّرون حدود أراضيهم الكبيرة بشواهد قبورنا.

يسقط صاروخ السماء على تجمعات الأطفال الصغيرة، على أجسادهم، فتطير أرواحهم ترافق السحاب.. تلاحق طائرة قاتلهم. طائرة لا تستحق علوّ السماء، وتراب يستعجل الاختلاط بالدماء، وأجساد صغيرة ضاقت بها الأشلاء. لم يكن هروب أطفال اليمن، أطفال صعدة أو تعز، من آثار الحرب من جوع ومرض ناجحًا، فقد هربوا إلى فم الشظايا والصواريخ، إلى أهداف قصف عنيف. تبلّدت مشاعر على الوحش العملاق الدموي وهو يلتهم صراخ وأجساد الأطفال دون رحمة.

وقائع مخيفة، وانسلاخات عن قيّم وأعراف الإنسانيّة كلّها بشكل متكرر مرعب، لِمَ كل هذا؟ ولمن؟ ولأيّ زمان أو مكان تنتمي كل هذه الجرائم؟ يكفي أن يعيش الأطفال الحرب بكلّ معاناتها وذكرياتها، فهل هذا قليل حتّى يكونوا هم الهدف؟ قنابل وبارود وصواريخ تخرق كل أحلام الأطفال من رؤوسهم التي لطالما حلموا بها بمستقبل ورحلة طويلة، يموتون على إيقاع طبول الحرب وكأنهم كانوا سببًا ومسببًا لها. كيف ستنتهي هذه الحرب التي تصارع أجسادًا ليّنة ضعيفة؟ كيف ستشبع هذه الصواريخ ما دامها تلتهم الصغار؟ إلى وداع أطفال اليمن.. إلى جوع وصبر وموت كل أطفال العالم المقهور، والمصهور في العبثيّة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.