شعار قسم مدونات

العفوية لا تصنع التغير.. البصرة نموذجا

BLOGS البصرة

شهدت الأيام القليلة الماضية حركة جماهيرية مطالبة بحقوق تعتبر أساسا للوجود البشري والتطور الحضاري. كانت نواة هذه الحركة في البصرة الفيحاء التي كانت تتجه إليها أنظار العالم منذ مئات السنين، ومن ثم لحقتها عدد من مدن جنوب العراق التي تعاني من نفس المشاكل نقص أو انعدام وجود التيار الكهربائي مع تسجيل هذه المدن على لائحة المدن التي شهدت أعلى درجات الحرارة في العالم. لم تكن هذه المشكلة وحدها التي حركت الجمهور العراقي بل هناك مشاكل تفوق مشكلة التيار الكهربائي. فالبطالة المنتشرة تقف بوجه أحلام الآف الشباب وغيرها من المشاكل الاجتماعية.

تفتقر هذه الحركة إلى عدة مقومات تجعلها حركة ناجحة وقادرة على تحقق المأرب التي حرجت من أجلها. تتكون الحركة الجماهيرية الناجحة من ثلاث محاور أو تتكون من ثلاثة عوامل. فالأولى هي في من سيقوم أو يحرك هذه الجماهير وصفاته. في جميع الحركات السابقة الناجحة والفاشلة منها، كانت تعتمد على أشخاص نستطيع أن نطلق عليهم بالمتطرفين. نعم المتطرفين. لن تقف الحكومة أو من يسيرونها مكتوفي الأيدي. فهم مستعدين للقتل من أجل الحفاظ على مكانتهم في الدولة والمحافظة على سلطتهم. على الرغم من سقوط عدد من القتلى من المحتجين على أيدي الأجهزة الأمنية أو من يساندونها إلا أن الأمر ما زال تحت سيطرة الدولة. وأن عدد المستعدين للتضحية بأنفسهم من أجل هذه الحركة ليس بالعدد الذي يجبر الحكومة والعالم من الوقوف معهم. إذ تعود العالم مع الأسف على سماع الأعداد الكبيرة من القتلى العراقيين دون التحقيق فيما يجري. ومع تردد الكثير من الدخول في هذه المظاهرات وخوفهم من تكرار سيناريو المحافظات الشمالية والغربية من تهجير وتخريب. وهنا تحتاج الجماهير إلى عدد من القادة الذين يرمون بأنفسهم أمام الجمهور ليحركه.

على الرغم من فشل عدد من الاحتجاجات والمظاهرات المطالبه بالحقوق المشروعة إلا أنه سيأتي يوماً ما وتحقق هذه الجماهير غاياتها. الشعوب لا تموت

أما العامل الثاني فهو في وجود قائد ينصاع له الجميع ويؤمنون بأنه قادر على تحقيق مطالبهم. بالإضافة إلى وجود المثقفين الذين لهم مكانتهم لدى هذه الجماهير. لم تشهد هذه الحركة قائد قد يستطيع من احتواء هذه الجماهير بالإضافة إلى ضعف تأثير المثقفين على الجماهير. الإعلام العراقي المحلي يعتاش على الأزمات وعلى من يدفع له ليقف معه والنتيجة هنا واضحة. إن سيكولوجية الجمهور العراقي وتركيبته تختلف عن أي جمهور وشعب آخر. شعب متمرد لا ينصاع بسهولة مع وجود أعداد هائلة من القادة المحليين الذين ينظرون إلى مصالحهم الشخصية قبل مصالح الجمهور. العامل الثاني لن يتشكل إذا ما نجح العامل الأول. 

أما الثالث فهو بوجود قائد يستطيع مسك زمام الأمور والحكمة في إدارتها واختيار الوقت المناسب للضرب بيد من حديد أو التراجع من أجل تهدأت موقف ما. لم يشاهد العراقيون منذ عام 2003 قائد بهذه الصفات كصدام حسين. كانت هناك مقولة في عهده، إذا قال صدام قال العراق. أما اليوم فالقادة لم يقسموا على المذاهب أو القوميات بل أصبح قائداً لكل عشيرة. إن التفتت الحاصل لا ينذر في فشل هذه الاحتجاجات بل ينذر في حصول كارثة تودي إلى تفكك دولة كانت تسمى في إحدى الأيام العراق.

إن ما يدفع إلى التردد في المشاركة هي الانتخابات البرلمانية السابقة. فالتزوير الذي حصل يدفع بالجمهور إلى اليأس من وجود حلول لمشاكل العراق. على الرغم من أن حالة التزوير كانت يجب أن تكون دافع لخروج الجمهور عن صمتها، ولكن حصل العكس. بالإضافة إلى مشاركة عدد من الجماعات المسلحة والتي حصلت على عدد من مقاعد البرلمان للوقوف بوجه المتظاهرين وإطلاق الرصاص الحي عليهم. هذه العوامل أدت إلى ضعف الاحتجاجات مع التاييد الخجول لمرجعية النجف لهذه الاحتجاجات والتي يعول عليها الكثير.

لو نظرنا إلى الثورة المصريه التي أطاحت بمبارك. كان هناك عدد من القادة الذين تولوا الأمر وكان هناك التفاف من الجمهور المصري حولها. كان لها مطلب واحد، وهدف واحد ونجحت بذلك وهو تنحي الرئيس السابق مبارك وهذا ما يمثل العامل الأول. أما العامل الثاني وهو التنظيم المحكم والتنسيق العالي للإخوان المسلمين الذين حصلوا على كرسي الرئاسة في الانتخابات الأولى بعد مبارك ووصول محمد مرسي للرئاسة. ولكن في المرحلة الثالثة فشل الإخوان في توطيد الحكم والسيطرة عليه.

على الرغم من فشل عدد من الاحتجاجات والمظاهرات المطالبه بالحقوق المشروعة إلا أنه سيأتي يوماً ما وتحقق هذه الجماهير غاياتها. الشعوب لا تموت، قد تمرض أو يمارس ضدها أبشع الأفعال التعسفية مما يؤخرها عن تحقيق مبتغاها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.