منذ نشأتها الأولى ظل السؤال عن مفهوم خاص للفلسفة يراود جميع الفلاسفة بصفة خاصة وكل المفكرين باختلاف توجهاتهم بصفة عامة، لذلك هناك اختلاف وتضارب حول مفهوم الفلسفة فكارل يسبرس يقول: "ليس هناك اتفاق على ماهية الفلسفة". كما انقسمت المواقف بين من هو معتبرا أنها ليست بالشيء الذي يعبر عن هموم الإنسان ومشاكله واعتبار الفلسفة مجازفة ومخاطرة نظرا لصعوبة فهمها، حيث يقول كارل يسبرس في هذا الأمر: "يعتقد أنها بالغة الصعوبة حتى أن دراستها تبدو مجازفة."

   

بالرغم من هذه الآراء والمفاهيم السلبية تجاه الفلسفة، نجد من يساندها ويؤيدها لعدة أسباب من أهمها تجليل الجهد الذي بذله الفلاسفة القدامى وتشابك الفلسفة مع مصلحة الإنسان لذلك لابد أن تكون سهلة التناول. منذ نشأتها الأولى عرفت الفلسفة تضارب كبير في مقصدها لذلك كان لزاما على دارس الفلسفة أن يطرح الأسئلة التالية. ماهي الفلسفة؟ ما قيمة الفلسفة؟ وما وظيفتها؟

في طرحنا للفلسفة ضروري جدا تقييم علاقتها بالعلم والبحث عن الروابط بين المجالين فعلاقة الفلسفة بالعلم تتميز بالنقيض والتضاد. العلم مجموعة من المعارف اليقينية والحقائق التي تعرف تغير وتطور يوما بعد يوم، فالعلم يقوم على مبدأ: "أنا أمتلك الحقيقة وأود أن أكون في الحقيقة". يعود حصول العلم على تأشيرة تطوره وتقدمه إلى ما قدمه إلى البشرية من معارف يقينية وحقائق ساهمت بنهضة الإنسانية وبلوغ الإنسان إلى أعلى المراتب وأسماها.

على عكس العلم لا تقوم الفلسفة على امتلاك الحقيقة بل تقوم على مبدأ البحث عن الحقيقة، فامتلاكها هو نقيض للفلسفة لأنها تقوم على الشك والنقد، حيث يؤكد جون لاكروا على أن الفلسفة ترجمة فكرية لتجربة روحية. ما يمكن استنتاجه أن العلم تغلب على الفلسفة فالعلم تقدم وقدم الكثير للإنسان فيما أن الفلسفة لم تقدم الإضافة رغم عصارة ألاف السنين.

رغم يقيننا بأن الفلسفة معرفة ثابتة لا تتقدم ولا تتطور، إلا أن للفلسفة دور هام في حياتنا الخاصة، إذ تبقى رمز من رموز التفكير الشخصي فبإمكان الإنسان يتقدم علميا على أبقراط وأن يتفوق على أفلاطون في بضاعته العلمية إلا أنه لا يمكن أن نبلغ ما حققه من بحث فلسفي. في هذه النقطة يقول يسبرس: "إننا نعرف حقا أكثر من أبقراط لكن ليس بوسعنا أن نزعم أننا تجاوزنا أفلاطون فبضاعته العلمية هي وحدها أقل من بضاعتنا أما ما لديه من بحث فلسفي بكل ما في الكلمة من معنى ولعنا كدنا نلحق به."

استنادا لهذه الرؤية تعتبر إذن الفلسفة معبر للإنسان للخروج من الظلمة إلى النور. أهمية الفلسفة يحيلنا بالتأكيد عن البحث عن منشأها الأول الذي يعتبر حدث هاما في تاريخها إذ أنه يسبق منشأ العلم فهي إذن غير مرتبطة بالتقدم العلمي. إن ظهور الأشياء في حياتنا لا يكون اعتباطيا أو بمحض الصدفة وهو ما ينطبق على الفلسفة إذ يرى ليغيناس أن منطلقها يعود إلى درجات تزعزع كياننا مثل الصدمات القوية، مشاهدة العنف أو لوعة الفراق، كما أن بداهة الحياة ورتابتها تجعل من الإنسان في موضع التفلسف خاصة عندما يطرح سؤال لماذا؟

التفلسف بصفة عامة هو البحث عن المستحيل والحقيقة المتجددة وبالتالي بقدر تعلمه ومعرفته بالأشياء فإن الإنسان ينطلق بدوامة الشك وطرح الأسئلة، وفي هذا الإطار للمطالعة دور أيضا في نشأة الفلسفة فبالمطالعة يمكن للإنسان أن يخرج من حالة الركود وحالة البداهة. للفلسفة دور كبير في حياة الإنسان وخاصة تفكيرها الفلسفي الذي يعلم الإنسان: الإبداع، التحرر، تحمل المسؤولية والخروج عن المألوف والمعتقدات. لقد عرفت الفلسفة تضارب وتعدد الآراء في ماهيتها، كما شهدت تواتر في علاقتها في العلم إلا أن الفلسفة تبقى رمزا كبيرا في تاريخ البشرية.