شعار قسم مدونات

كيف نسمو بالحب ويسمو بنا؟

blogs الحب
إن الزمان الذي نحيا فيه لزمان عجيب غريب، فقد ظهرت لي فيه أمور أحسبها بالعبثية الخارقة لمبادئ قام عليها الأولون، فقد كانوا يعيشون وفق نسق يقوم على خصوصيات ما أراها في بني قومي الآن، فلربما قد يحسبني البعض آثما فيما سأقوله، أو حبا للكتابة فيما سأكتبه، أو استجابة لمشاعري وخواطري فقط، وإنما هذه إشراقة رابعة يمليها الواقع حسرة وبكاء، وأنقل مشاهدها إلى عالم الحروف والكلمات المنظومة المسبوكة، ومؤاتها أن كثيرا من شبابنا يقتلون قلوب بعض الفتيات باسم الحب، فيأتيها بعد عِشرَةٍ طويلة فيها ما فيها من أيام الحب التي تكاد لها نفس الحبيب تذوب، بخبر الافتراق أخذا بعلة كاذبة، أو حجة لا تغني ولا تسمن من جوع، هي بمثابة سيف موجع لتلك الفتاة، وجمر نسيت أنها سيحرقها يوما ما، ولا ظليل يغنيها من اللهب، وبذلك الكلام يقتلها ويبكي عليها.

  
وإن الحب الذي يدعيه الشخص لفتاة ما، غالبا ما يكون وهما لا أسس له، فهو هش القواعد غير مرفوف، تتوهم منه العاشقة أن لها من ذلك الحب ما يؤنسها، ويسعدها، ويفرحها، ويجعلها أسعد فتاة كسبت وملكت قلبا فملكها، وتظن أن لها قبرا في قلب عاشقها، لا يستطيع أن يؤديه خوفا من موت حبيبته، لست من وراء هذا إلا باكيا متحسرا، من أوهام وتوهمات أمثال هذه الفتيات اللواتي يجعلن من كل شخص عاشقا ومحبوبا، فلا أرى من ذلك إلا جعجعة بدون طحين، فمسرات الحب ليست كما نراه اليوم ليست تسر، ولا تسر الحب نفسه، فالحب إله مقدس نافر مما صار عليه الحب اليوم، فقد كان لباسه لباس خفاء، وحشمة ووقار، ولا أحسبك تفهم من الحب بمعنى الإله، فكن تأمليا وإشاريا تفهم مقصودي منه، ولما فرطنا في الحرية الفردية والنوازع الذاتية فقد كل شيء طعمه، وتعجبني عبارة غوستاف لانسون: "لا يمكن أن ندرك حريتنا على المستويين الأخلاقي والفكري إلا بمواجهة ذواتنا"، ولذلك فإن الإفراط في الذاتية أدى إلى احداث خلل في الجانب الفكري والأخلاقي.

  

حتى لا تقتلها وتبكي عليها، أو تقتلينه وتبكين عليه، فليكن بينكما فكر وقلب، فالفكر لتتخيلا وتعرفا بعضكما، والقلب لتحسا وتشعرا ببعضكما

فالحب ليس أن تسرد في توصيف الفتاة غزلا، وأن تجاملها بأبدع الكلمات المنظومة، وجواهر المعاني الطافحة، وتأخذ من الدنيا ما يدل على البداعة والجلال والجمال فتجعل منها تشبيهات كي تنال حبها، ألا إني أرى الحب في صورة القلب والفكر، لا في صورة المظاهر، فإنها تفنى وتنقضي مع مرور الزمن، ولكن تأمل معي فالحب أن تجد صورتك في فكر معشوقتك، وأن تجد صورتك ومقامك في قلبها، والأمر مرآوي بالنسبة إليك أيتها المتوهمة المسكينة، إذ ذاك تكونين صاحبة تاج يقدرك كإنسانة لها فكر، ولها قلب، فلك من الأولى المنفعة، ومن الثانية المحبة، إنك في ذلك تملكين النور المضيء ينجيك من العثرات والعقبات.

 
وحينما يكون التوافق من حيث الأفكار، فيجد الشخص ميولا إيجابيا نحو محبوبه، وحينما تحب قلبا، فاعلم بأنك على منبر العاشقين، وما سوى ذلك فليس حبا، ولا يمث للحب بصلة، وإن من لا يستطيع أن يجد في الحب فكرا وقلبا، ويتخيل أنه يعيش حبا، فلا أراك أيها الظان إلا تعيسا شقيا، يُكِب على نفسه شرا من شرور هذه الدنيا، ولتكونا في الحب شمسا وقمرا تملأن هذه الحياة ضياء وسراجا ينير صراطكما.

 
وحينما قلت إن الحب هو حب الفكر والقلب، فلكون أنهما السبيلان الكفيلان للحد من لهفة وشدة الحب، وهكذا حكت لي الطبيعة التي هي مصدر هذا الإحساس، ولي من شقاء ما صار عليه الحب، نظر يجعلني أقف وقفة عاشق يبحث عن فكر يتناسب وفكري، وعن قلب محب أسكن فيه، فما كان غير ذلك، فهو ناقص نقصان فعل صار وكان، واسمهما وخبرهما حب معدوم عدمية صورة الفكر والقلب في هذا الزمان البئيس المؤلم.

  
وحتى لا تقتلها أيها الصديق وتبكي عليها، أو تقتلينه أيتها الصديقة وتبكين عليه، فليكن بينكما فكر وقلب، فالفكر لتتخيلا وتعرفا بعضكما، والقلب لتحسا وتشعرا ببعضكما، والذي أراه في معاشر قومي أنهم يحبون حب المكائد، وليس خاف على القارئ الكريم ما أقوله، فإنك تجد مباهج المحبين مجرد قصة بدأت بنكد وانتهت بنكد، مِلْؤها نكسة موجعة للحب إجمالا، والإنسانية تخصيصا، وليتأمل الشخص حاله ويأخذ لنفسه وقتا ليس باليسير ليدرك أننا في مضيقة إنسانية تحتاج نبض جديد، إننا لا نريد في الحب بدايات لا أساس لها، ونهايات مأسوية شبيهة بما تخلقه أفلام الدراما، فذلك واقع متخيل، لا معادل له في الواقع، ولتعلم أيها القارئ أن الحب كلمة إلهية لا تدرك معانيها بما فيها من الجلال والجمال، وأنها كلمة يستحي ألوف الناس النطق بها، لما فيها من الإعجاز والمعاني الطافحة، إنها كلمة أعيت الشعراء والكتاب في بسط تعريف وتوصيف لها، وما أظنك بهذه الكلمات إلا إنسانا سيحب فكرا وقلبا، وستحبين فكرا وقلبا، هو الأليق بكما، لكي تعرفا وتحسا وتتخيلا ببعضكما البعض.

  
وليسمو طبع الإنسان سمو كلمة الحب، وكل ما خطر ببالك أيها القارئ وأنت تقرأ هذه الإشراقة، أمرر مسلم معلوم، وأحسبك أنك ستنظر في نفسك نظر العالم المتأمل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.