شعار قسم مدونات

سياسة الاندماج في ألمانيا.. الطريق نحو الهاوية

مدونات - ميركل والمفوض السامي لشؤون اللاجئين

في ربيع عام ٢٠١٨ استطاعت وأخيرا الأحزاب الألمانية المنتمية إلى يمين الوسط واليمين بتشكيل الحكومة الألمانية الجديدة برئاسة المستشارة أنجيلا ميركل. من أهم ما تمخضت عنه الحكومة الجديدة هو تسليم وزارة الداخلية، والتي تم تسميتها لاحقا بوزارة الداخلية والوطن إلى الحزب المسيحي الاشتراكي في ولاية بافاريا بزعامة "سيهوفر" الرافض تماما لسياسة الهجرة واللجوء التي قامت بها الحكومة السابقة والتي كان نفس الحزب مشاركا بها. قام "هورست سيهوفر" وزير الداخلية والوطن الجديد في الحكومة الألمانية بطلب تغييرات عديدة على سياسة الاندماج واللجوء في ألمانيا ظنا منه أن هذا هو الحل لأي مشاكل ستواجهها ألمانيا بالنسبة للهجرة واللجوء.

  
الخطوات الأساسية التي قامت بها الحكومة الجديدة كانت:
1- منع لم الشمل للاجئين حتى نهاية شهر آب/أغسطس ومن ثم السماح بلم شم أعداد لا تتجاوز المئات بشكل مقيت، كموت بطيء لهؤلاء المهاجرين الجدد.
2- تحويل معسكرات استقبال اللاجئين إلى معسكرا لترحيلهم يتم حبسهم بهم حتى يصار إلى ترحيلهم بعد ذلك إلى بلادهم الأم أو أي بلد آخر تقوم باستقبالهم.
3- التضييق على اللاجئين من ناحية التعليم والعمل والحصول على فرص التعليم المهني.
 
علينا أن نكون واضحين تماما ومحقين عندما نتحدث عن ألمانيا! فألمانيا قامت باستقبال أكثر من مليون لاجئ خلال عام واحد وأكثر من مليون ونصف المليون خلال الأعوام الخمسة الماضية. ثلاث دول فقط استقبلت أعدادا أكبر من اللاجئين من ألمانيا وهي تركيا، الأردن ولبنان. هذه الدول وهي دول الطوق لسوريا والعراق وممر أساسي -وخصوصا تركيا- للعابرين القادمين من باكستان وأفغانستان إلى طريق اللجوء وأوروبا. إضافة إلى ذلك قامت الحكومة الألمانية بتوفير الإعانات الأساسية من مسكن وملبس والاحتياجات الأساسية لهؤلاء المليون ونصف المليون وهذا لم يحدث في الدول الثلاثة الأخرى التي تم ذكرها. في خضم هذه الأمور حاولت ألمانيا جاهدة أن تضع سياسات للاندماج تستطيع بها أن تدخل القادمين الجدد ضمن المجتمع الألماني بالشكل الأفضل والأسرع، محاولة تجنب ما حدث خلال ستينيات وتسعينيات القرن الماضي مع المهاجرين الأتراك، الروس والمهاجرين من دول البلقان من خلال التجمعات المنعزلة، عدم الرغبة بتعلم اللغة الألمانية وغيرها من المشاكل.
 
خلال عامي ٢٠١٥ و٢٠١٦ قامت الحكومة الألمانية بسن العديد من القواعد والقوانين التي تنظم أمور اللجوء والهجرة للحد، حسب زعم الحكومة، من المشاكل التي عانت منها ألمانيا في السابق مع مهاجري الستينيات والتسعينيات. من هذه القوانين:

لا يمكن الضغط على المهاجرين للاندماج حسب المفهوم الحالي للاندماج فهو يحمل الكثير من المشاكل والمعوقات، وعلى الحكومة الألمانية بدء حوار جاد مع المهاجرين لفهم احتياجاتهم

1- من يحصل على الحماية المؤقتة لا يمكنه الانتقال من مكان سكنه إلا تحت سبب قهري كالعمل أو التدريب المهني. لم تعتبر الدراسة حتى الآن سببا للانتقال إلا في حال خروج اللاجئ من الرعاية المالية لمركز العمل (Jobcenter) تماما والاعتماد على نفسه أو على الدعم المالي المقدم من الجامعات (القرض الطلابي) والذي يحصل عليه فقط الطلبة تحت عمل ٣٠ عاما.

 
2- الدفع باللاجئين نحن الأعمال المهنية كالتدريب المهني والفني. تم تجاهل تماما رغبة هؤلاء الشباب في التعليم أو التدريس أو أي أمور أخرى.
3- منع لم الشمل بداية من عام ٢٠١٧ وتصعيب الإجراءات بشكل كبير إن كان في ألمانيا في دوائر الأجانب أو عبر السفارات الألمانية المنتشرة في دول الشرق الأوسط المختلفة.
 
بالطبع لا يخفى على الكثيرين المشاكل الجمة التي صاحبت تسجيل اللاجئين من ناحية التزوير بالاعتراف بالجنسية الحقيقية ومشاكل ضياع الأوراق الرسمية المزعومة. رغم كل هذا ورغم التواصل الدائم مع إدارة اللجوء والهجرة الألمانية لتقديم يد العون عبر المهاجرين القدماء من سوريين أو عراقيين أو أفغان، ارتأت تلك الإدارة ومن خلفها وزارة الداخلية آنذاك الاعتماد الكامل على مترجمين من حملة جنسيات أخرى، مما أدى في النهاية لتضخيم أعداد اللاجئين السوريين بشكل خاص لأرقام فلكية.
  
مازالت الحكومة الألمانية السابقة والحالية تقوم بالعديد من الممارسات الخاطئة تجاه المهاجرين خصوصا بموضوع الاندماج وهي:
1- عدم الاعتماد الكامل على مترجمين وموظفين من أصول مهاجرة كالمهاجرين الحاليين لكشف التلاعب، التزوير وتقديم المعونة الأفضل للمهاجرين.
2- اعتماد سياسة الاندماج من طرف واحد دون النظر على الإطلاق إلى الخلفيات الثقافية والدينية للمهاجرين وهذا بحد ذاته أدى ويؤدي وسيؤدي مستقبلا إلى العديد من المشاكل التي ستطفو مع الوقت إلى سطح هذه المجتمعات المهاجرة.

  
3- التضييق على المهاجرين من ناحية التعليم اللغوي، عبر تحديد معاهد محددة لتعليم اللغة، الانتظار حتى عام كامل للبدء بتعليم اللغة الألمانية وهذا بحد ذاته يضعف العزيمة ويؤدي إلى الدخول في دوامة من الاكتئاب والملل والغضب لدى المهاجرين.
4- العمل لشكل بطيء مع الأوراق والملفات حيث مازال يقبع أكثر من ٤٠٠ ألف ملف ضمن دوائر إدارة الهجرة واللجوء لم يتم العمل عليها وذلك رغبة في الحكومة الألمانية بتوفير المال.
     undefined

 

أما من الناحية الثانية، لم يتعامل المهاجرون الجدد أيضا بالطريقة المثلى. فمن التهرب من دورس اللغة الألمانية المجانية، إلى التهرب من التدريب المهني، إلى تزوير الأوراق والشهادات والمستندات الرسمية، كانت هذه الأمور بداية تغيير كبير لسياسة الترحيب التي اتخذتها الحكومة الألمانية والمستشارة أنجيلا ميركل آنذاك. لم يستوعب الكثير من المهاجرين أن ما يتم تقديمه إليهم هو منحة من الحكومة والشعب الألماني وليس واجبا أو حقا مكتوب لهم، حيث بدأت بعض العبارات تظهر كـ "كم هو الراتب المخصص للاجئ" أو "كيف يمكننا أن نحصل على مال أكثر عبر طلاق صوري للعائلة والحصول على الحق بالحصول على منزلين وراتبين كاملين بدلا عن راتب واحد مخصص للعائلة". تفشت المشاكل بشكل أكبر للوصول إلى درجة بدء النقاش عن طريقة جعل الفتيات الألمانيات تغيرن ملابسهن خلال شهر رمضان احتراما للصائمين وكأن البلد هي المملكة العربية السعودية والمواطنين الألمان زوار فيها.
 
هذه الأمور بالإضافة طبعا -وعلينا أن تعترف هنا- أن التجييش الإعلامي الألماني ساهم بشكل كبير بإظهار السيئات وتعميمها والتعتيم على الحسنات (وهي كثيرة) وتفريدها وكأن الجيد استثناء والسيء هو القاعدة.  ما زاد الطين بلة هو استخدام الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" هذه الأمور بشكل سياسي ممتاز واستغلالها لتغيير توجهات الكثير من الألمان لتشكيل جبهة سياسية، هي الأقوى حاليا كمعارضة ضمن البرلمان الألماني، تدعو لنبذ المهاجرين الجدد، إعادتهم إلى بلاد وقطع المساعدات عنهم. 
 
حاليا ومع تشديد سياسات اللجوء، ورغم معارضة المستشارة مؤخرا على خطة وزير الداخلية والوطن "سيهوفر" لتشديد الإجراءات بشكل أكثر عنفية وعنصرية سيدخل المهاجرون ضمن دوامات ضخمة من المشاكل التي ستبدأ بالظهور خلال العامين المقبلين كالتسرب من تعلم اللغة الألمانية وتشكيل التجمعات المنعزلة ضمن المدن والبلدات لبناء مجتمعات منغلقة ستؤدي لنشوء جيل جديد لا يعرف إلا العنف والتشدد الديني ورفص الآخر.

على الحكومة الألمانية أن تبدأ حوارا مع المهاجرين جددا كانوا وقدامى لإيجاد الحلول وهي موجودة واذكر بعضها:
– الاندماج ليس عملية من جهة واحدة، بل هي عملية ثنائية على المهاجرين أولا والحكومة الألمانية ثانيا التوجه نحو بعضهما لإيجاد نقاط مشتركة يمكن عبرها بناء برامج اندماج جديدة. لا يمكن على الإطلاق الضغط على المهاجرين للاندماج حسب المفهوم الحالي للاندماج فهو يحمل الكثير من المشاكل والمعوقات. على الحكومة الألمانية بدء حوار جاد مع المهاجرين لفهم احتياجاتهم بشكل أكبر فهم -واتحدث هنا عن الغالبية منهم- يرغبون بدخول سوق العمل أو التعلم بشكل أكبر.

   undefined

 

– يجب فتح المجالات للشباب لدخول الجامعات الألمانية. إن غالبية الشباب المهاجر اليوم في ألمانيا ممن قام بدراسة جامعية أو مهنية ويرغب بإكمالها أو تطويرها ومن المستغرب جدا ان تقوم الحكومة بمنع هذا الأمر ودفع الجميع دون استثناء نحو التعليم المهني والفني حصرا دون الأخذ بعين الاعتبار رغباتهم وتعليمهم السابق.

  
– تسهيل بدء الأعمال الخاصة للمهاجرين. العديد من المهاجرين يحملون العديد من الأفكار والمشاريع الناجحة وهي بحاجة للدعم والبدء بتأسيس حواضن لدعم الاعمال والشركات الناشئة أمر مهم.
   
في المقابل على المهاجرين أيضا التفكير عن كيفية تحسين صورتهم أما المجتمع الألماني. هنالك العديد من المبادرات الفردية الرائعة والتي تعبر بشكل كبير عن المهاجرين الجدد ويجب دعمها بشكل أفضل. لكن هذا لا يكفي، على المهاجرين البدء بتنظيم صفوفهم عبر تجمعات مدنية يمكنها أن تعبر عنهم، أن تقوم بالتحدث نيابة عنهم والقيام بنشاطات مدنية أكبر لتظهر الوجه الآخر للمهاجرين، وتدعم بشكل أفضل اندماجهم ضمن مجتمعاتهم المحيطة بالشكل الأفضل والطبيعي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.