شعار قسم مدونات

الانتخابات البلدية في تونس.. انتصار جديد للديمقراطية

blogs انتخابات تونس

الديمقراطية مفهوم سياسي وألية من أليات الحكم وتنظيم للحياة السياسية، ظلت بعيدة كل البعد عن الواقع العربي إلا من بعض التجارب التي قبرت منذ البداية، ظل الغرب مصدر إلهام للنخب السياسية والفكرية العربية، فالمجتمعات العربية بقيت حبيسة غطرسة الأنظمة الاستبدادية القادمة إلى السلطة عن طريق التوريث أو الانقلابات العسكرية. بحلول الربيع العربي كان الاعتقاد أن رائحة الديمقراطية وعطرها سيغزو سماء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج إلا أن قطار التغيير والثورة على الأنظمة الكلاسيكية توقف بجمهورية مصر العربية بعد أن عادت إلى حكم العسكر.

ظل الاستثناء الوحيد تونس، البلد العربي الصغير جغرافيا واقتصاديا إلا أنها برهنت على وعي شعبي وامتياز في نحت صورة ثائرة على السائد السياسي العربي. صحيح أن تونس لم تبلغ بعد أقصى درجات الديمقراطية إلا أنها تتحسس الطريق السليم رغم مطباته الكثيرة ورغم أنف جيوش الردة من بعض الحالمين بعودة منظومة الاستبداد السابقة أو رغم المؤامرات التي تحاك من طرف المحور السعودي الإماراتي الساعي لطمس وقبر النموذج التونسي الاستثنائي داخل وطن عربي غارق في وحل الديكتاتوريات الملكية والعسكرية.

بعد 7 سنوات من رحيل المخلوع زين العابدين بن علي، تمكنت تونس من اجتياز عقبة عدة محطات انتخابية متنوعة رغم الصعوبات والأزمات الاقتصادية التي تهددها حتى بخطر الإفلاس وذلك بفضل وعي شعبها من جهة وبفضل المؤسسات الدستورية المستقلة من جهة أخرى التي بعثت منذ الثورة، نخص بالذكر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، الساهرة الأولى والوحيدة على الانتخابات في تونس بعد أن كانت مزورة وأشبه منها إلى مسرحيات تقرر نتائجها مسبقا في مكاتب وزارة الداخلية بعيدا على أعين المراقبين الوطنيين والدوليين.

تونس بلغت أشواطا كبيرة في نزاهة وشفافية الانتخابات وقد تكون الاستثناء الوحيد صحبة لبنان في إنجاز انتخابات تعطي للمواطن حرية اختيار مرشحيه بدون تزوير لإرادته

أخر المحطات الانتخابية التي أنجزت في تونس كانت الانتخابات البلدية الأولى من نوعها في تونس ما بعد 14 يناير 2011، وأولى تجارب الحكم المحلي بعيدا على السلطة المركزية واستحواذها على جميع دوائر القرار. بعيدا عن نتائج الانتخابات التي أفرزت تقريبا نفس المشهد السياسي بتواصل الاستقطاب الثنائي المكرر بين حزب النهضة الإسلامي وحزب نداء تونس الوريث الشرعي لحزب التجمع المنحل، في هذا الإطار كان لي شرف المشاركة في هذه الانتخابات بصفة ملاحظ ومراقب لسير العملية الانتخابية بانتمائي للجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات والمعروفة باسم منظمة عتيد. هذه المنظمة التي تسهر على مراقبة العملية الانتخابية ورصد جميع التجاوزات التي قد تحصل من قبل الأحزاب والقائمات المستقلة المترشحة وأيضا من طرف الأعوان المكلفين بالسهر على العملية الانتخابية.

كانت تجربة أولى أخوضها بصفة ملاحظ، تعرفت فيها على العملية الانتخابية عن قرب بالرغم من كمية التعب الذي تعرضت له إلا أن التجربة كانت مفيدة وممتعة في آن واحد كإثراء لمخزون التجارب الحياتية والأهم من ذلك التأكد عن قرب من نزاهة وشفافية العملية الانتخابية في تونس بعد الثورة.

ما يمكن استخلاصه من هذه التجربة أن تونس بلغت أشواطا كبيرة في نزاهة وشفافية الانتخابات وقد تكون الاستثناء الوحيد صحبة لبنان في إنجاز انتخابات تعطي للمواطن حرية اختيار مرشحيه بدون تزوير لإرادته واختياره بالرغم من بعض الشوائب والأخطاء اللوجستية التي وقعت فيها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المطالبة بمراجعة عملها والحرص على إصلاح هذه الأخطاء في المواعيد الانتخابية القادمة المرتقبة من أجل تكريس وترسيخ الانتقال الديمقراطي في تونس وطي صفحة الماضي الاستبدادي.

أصبح للتونسي ثقافة انتخابية ودرجة عالية من الوعي تمكنه من اختيار المرشح الأفضل في نظره من جهة وممارسة حقه في عقاب كل طرف سياسي مخل بدوره
أصبح للتونسي ثقافة انتخابية ودرجة عالية من الوعي تمكنه من اختيار المرشح الأفضل في نظره من جهة وممارسة حقه في عقاب كل طرف سياسي مخل بدوره
 

من ناحية أخرى عرفت الانتخابات البلدية عزوف نسبي للتونسيين أين بلغت نسبة المشاركة 35٪ تقريبا عكس المحطات الانتخابية السابقة حيث تجاوزت حدود نصف عدد الناخبين المسجلين بدفاتر الانتخاب، ويرجع هذا العزوف بالأساس إلى فشل المنظومة الحاكمة حاليا في تحقيق الوعود والبرامج المعلن عليها خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة، وهو ما اعتبره التونسيون وخاصة الشباب فشل لطبقة سياسية همها الوحيد البحث عن صوت المواطن كتذكرة عبور لتقلد المناصب بدون تحقيق المطلوب والمراد منه.

أصبح للتونسي ثقافة انتخابية ودرجة عالية من الوعي تمكنه من اختيار المرشح الأفضل في نظره من جهة وممارسة حقه في عقاب كل طرف سياسي مخل بدوره وناقض لوعوده تجاه ناخبيه، وهي ألية من أليات العمل الديمقراطي وإنذار مهم كل طرف يفكر لنفسه بإخلال بواجباته تجاه الشعب. لطالما كانت تونس القاطرة نحو التحرر عربيا والدولة العربية المبادرة بالتغيير والاقتداء بالغرب المتحضر والديمقراطي رغم حداثة التجربة الديمقراطية في تونس ورغم وجود بعض الممارسات السياسية القذرة من طرف بعض الأطراف المتعلقة بالإرث الاستبدادي القديم والذي حطمه التونسيون ذات يوم من أجل دولة حرة وديمقراطية تكون فيها السلطة للشعب عن طريق صناديق الاقتراع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.