شعار قسم مدونات

ماذا يفعل القذافي في إحتجاجات الأردن؟

blogs الأردن

قامت الحكومات الأردنية المتعاقبة باتخاذ قرارات اقتصادية زادت الأمور صعوبةً وتعقيداً، ليس فقط على المواطن من الطبقتين الفقيرة والوسطى، بل أيضاً على المناخ الاقتصادي الذي خرج نهائياً من إطار المنافسة على حصة معقوله في الأسواق الدولية، ناهيك عن خروجه من الأسواق التقليدية في العراق وسوريا نتيجة الظروف التي تعانيها تلك الدول، كل ذلك بسبب عدم وجود برنامج حقيقي يضع حلول متوسطة وطولية الأجل تنقذ ما تبقى من أمل. وقد بدا واضحاً للجميع خلال أزمة زيادة الضرائب الأخيرة غياب التأثير الفعلي للمعارضة الأردنية عن الساحة سواءاً كانت تلك المعارضة يمينية إسلامية أو يسارية، ما منح الحكومة الفرصة للتغول وفرض ما ترتئيه على المواطن من سياسات دون الالتفات إلى أي اعتبارات تعيقها.

سلمية الربيع الأردني

النموذج الأردني "للربيع العربي" يشكل حالة فريدة بالنظر لما يجري في بلداننا، إذ أنه يعيش ربيعه بسلمية مطلقة ومن أسباب هذه السلمية:

* النظام الملكي: وهو عصا سحرية في يد الملك يقلبها كيف شاء، فإن خرجت المعارضة للشارع جعلها في الحكومة والعكس صحيح عندما تفشل المعارضة في إدارة البلاد وتحقيق تطلعات المواطن.

* ضعف المعارضة: ضعف المعارضة وضعف تأثيرها على الشارع جاء نتيجة حتمية لعدم قناعة المواطن بجدية تلك المعارضة، إما لضعف شخوص قياداتها أو لعدم عمق الأفكار والمبادئ المطروحة، وبذات الوقت لعدم استناد المعارضة أو تقديمها برامج واضحة المعالم تؤطر العمل بعيداً عن الأيدولوجيات التي لا تقدم الحل، خصوصاً مع تغير الظروف المحيطة والعصر والتجارب المحيطة.

في كل مرة تحاول فيها الحكومة أن تمرر قانونا "لإفراغ جيب المواطن" وتسديد العجز الذي تواجهه، تقوم الاحتجاجات وهي ظاهرة إيجابية تعكس روح المسؤولية

* النموذج السوري: وفقا لمجريات الربيع العربي وحالات التشظي ومآلاته الكارثية أصبح الأمن مطلب يسمو عن بقية المطالب، لذلك تجد الارتباك والتردد داخل كل ياردني في موقف تجاه المشاركة في الفعاليات الاحتجاجية من عدمه، لا سيما أنه يشاهد نكبة أخيه السوري أمام عينه.

جذور وقشور

في كل مرة تحاول فيها الحكومة أن تمرر قانونا "لإفراغ جيب المواطن" وتسديد العجز الذي تواجهه، تقوم الاحتجاجات وهي ظاهرة إيجابية تعكس روح المسؤولية، النقابات في الأردن أدركت دورها الاساسي في الدفاع عن مصالح الفئات التي تمثلها وهذا مؤشر على نمو صحي لمؤسسات المجتمع المدني في المملكة وهذه تُحسب للأردن، ففي الدول العربية سحقت النقابات بين مطرقة الحكومة وسندان القضاء على حد سواء والعمل الأهلي لا يتعدى دوره المساهمة في أنشطة شبابية اجتماعية.

في خضم الإضراب القائم والاحتجاجات يهتف الأردنيون للملك ويطالبونه بالتدخل لحل الأزمة وكأن الملك لا يدري ما يجري في البلاد وكأن الحكومة هبطت فجأة من السماء! هذا المشهد ينطبق فعليا على سلوك القذافي عندما خرج في بداية الاحتجاجات لمحاربة الفساد وأعلن أنه ضد الحكومة وضد الفساد والمفسدين علما أنه رئيسا للحكومة والبلاد، فما الفساد الذي كان سيحاربه القذافي يا دام عزُكَ؟

كل ذلك باستثناء ما قدمه الحراك الأردني، الذي ساهم إلى حد كبير في كبح جماح الحكومات. إذ كان أهم ما قدمه مساهمته الأساسية في الضغط لإجراء التعديلات الدستورية، التي سارعت الحكومة بالتراجع عنها لاحقاً، الحراك اعتمد بشكل رئيسي على اليسار واليمين إلى أن أصابه الخمول ما أدى إلى اطمئنان أصحاب النفوذ إلى تباطؤ زخمه، وهذا أعاد الأمور إلى المربع الأول، وأطلق يد الحكومة من جديد معطياً إياها الفرصة للتغول على المواطن في رزقه. اللأولى الحديث عن الجذور لا القشور فالحكومات تتعاقب في الأردن والنتائج عكسية أيها النشامى!

المعارضة الوسطية الحقيقية التي لا تنكسر في الدهاليز والغرف المغلقة، هي من ستفتح الباب لتقديم مشروع اقتصادي اجتماعي يعبر عن نبض الشارع ويقدم حلول للمشاكل المتزايدة
المعارضة الوسطية الحقيقية التي لا تنكسر في الدهاليز والغرف المغلقة، هي من ستفتح الباب لتقديم مشروع اقتصادي اجتماعي يعبر عن نبض الشارع ويقدم حلول للمشاكل المتزايدة
 
السؤال المطروح للأردنيين؟

هل كان هذا القرار المتعلق بـِ "القانون الضريبي" هو سبب تنغيص عيش المواطن الأردني؟ وهل كان فعلا هذا القرار الذي أثقل كاهل الأسرة وحد من القدرة الشرائية؟ ما جرى هو أن هذا القرار كان القطرة التي أفاضت الكأس ناهيك عن عشرات القرارات الضريبية أو التي تتعلق برفع أسعار السلع والخدمات.

ما الذي يريده الأردنيون؟

المعارضة الوسطية الحقيقية التي لا تنكسر في الدهاليز والغرف المغلقة، هي من ستفتح الباب لتقديم مشروع اقتصادي اجتماعي يعبر عن نبض الشارع ويقدم حلول للمشاكل المتزايدة. معارضة يقودها التكنوقراط الأردنيون الذي يستندون في معارضتهم إلى مشروع واع متكامل من حيث البنى الاقتصادية والاجتماعية. وإذا لم يتم تقديم الحل من خلال تلك المعارضة فإن الأردن بالتأكيد يتجه إلى مزيد من الضرائب والقرارات التعسفية مستندين إلى ذريعة تحقيق الأمن والأمان وتطبيق قرارات صندوق النقد الدولي، الأمر الذي سيأزم الأمور أكثر ويضعها على طريق اللاعودة، إذ أن الأمن لا يمكن تحقيقه بعيداً عن الأمن الاقتصادي الذي أصبح أكثر من أي وقت مضى على شفى الانهيار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.