شعار قسم مدونات

كيف تكون متعة الحياة في الانتظار؟

blogs انتظار

كثيرٌ ما نعمل ونبذل جهدا كبيرا، ومن ثم ننتظر عواقبه والنتائج المترتبة عليه، وربما يطول الانتظار قليلا، لكن في نهاية الطريق نجد متعة حقيقية بأننا نحصد الشيء الذي تعبنا به ومن داخلنا نكون مقتنعين تماما أننا نستحقه وبجدارة، نظير ما تعبنا وما قدمنا؛ في المقابل لنا أن نتخيل أن كل شيء جميل نريده متحقق لنا على موائد الجهوزية دون أدنى تعب! حتما ستكون حياتنا رتيبة ويحيطها غلاف الملل، وستكون خالية من المتعة الحقيقية، المتجسدة بعد طول عمل.

ومن هنا جاءت حكمٌ أنّ "لكل مجتهد نصيب"، وأنه "مَنْ جَدَّ وَجَدْ ومَنْ تعِب حَصدْ"، وأن من "طلب العلا سهر الليالي"؛ فمراحلنا في الحياة تتطلب منا الانتظار والصبر في كثير من المحطات، حتى نُجني بعد ذلك نجاحات وطموحات؛ بل لقاءات حميمية مع أهل وأحباب طال انتظارهم، فتكون محطاتنا هذه مدرسة للتمسك بهذه الأشياء بعد الحصول عليها، وبهؤلاء الأشخاص بعد مرافقتهم، ولا نجعلهم عرضة للتفريط؛ وبالتالي لا تكون مساواة بين عاملٍ وجاد وآخر نائم وغير مبالٍ؛ فتتمثل هنا أرقى وأجمل صور العدل الكوني في هذه الحياة.

وصدق حُكماءنا حينما قالوا "من تعب في شيء شعرَ بقيمته"؛ ومن منا لم يتعب في دراسته لينال الدرجات العالية والكبيرة، ومن الطبيعي أن ينتابنا شيء من الضيق في منتصف طريق الانتظار، لكننا في لحظة الحصاد ننسى كل التعب والإرهاق وتطغى علينا نسمات الفرح والمحبة، لنكون مصدر سعادة لذاتنا ولمن حولنا، فطوبى لباعثي السرور وماسحي الهموم.

الموازنة مطلب حياتي

ومن منا لم يتعب في الوصول لأهدافه وطموحاته الراقية في عالم مليء بالصعاب، وأحاطت به الأزمات والمشاكل المختلقة وغير المختلقة من كل حدب وصوب، لكننا في نهاية مسيرتنا سنصل مثلما وصل من قبلنا، بمزيد من الجهد والإصرار على تحقيق ما نريد، وهنيئا لمن جعل شعاره دوما "سأكون يوما ما أريد".

لنجعل لأنفسنا رفقاء درب وراشدي سبيل، نكون عونا لهم ويكونوا عونا لنا، في حياة عنوانها الفرح والسعادة بصناعتنا الخاصة وأيدينا العاملة والكادحة، لا نغفل فيها حاضرا ولا مستقبلا

وفي حضرة هذا الجهد والتعب والعمل، لا ينبغي علينا أن نغفل أمرٌ أساسي، ربما متعته تساوي ما تحدثنا عنه في سطور المقال السابقة؛ وهو أن نعيش حاضرنا بمتعة حقيقية، فكم من أناس انشغلوا بمستقبلهم على حساب حاضرهم، فحينما وصلوا إلى ما يريدون، فطنوا أنفسهم إلى ما ذهب منهم أثناء السير في طريق الانتظار.

فالموازنة مطلب حياتي مهم؛ حتى نحقق متعة الحياة رغم انتظارنا وصبرنا على تحقيق أهداف بعيدة، ثم إن الأمران ليس متعارضان، إنما هي دائرة متكاملة، نستفيد من تجارب الماضي، لنعيش بشكل أفضل في الحاضر، وبالماضي والحاضر نصنع مستقبلنا الذين نستحقه على قدر الجهد والتعب الذي نقدمه، وهي محصلة حياتية تجسد حكمتنا من الوجود، فلا إفراط ولا تفريط.

معالم واضحة حول الطريق

وإن البساطة في العيش لا تعني تقزيم الأحلام والطموحات، بل على العكس من ذلك تماما، تجعلنا نستثمر كل صغيرة وكبيرة في إعطاء حاضرنا حياة سعيدة مليئة بالمتعة والتحفيز لما هو قادم، وإن أجمل ما يحدث معنا ليس مرسوما بحذافيره في دفاتر جهدنا، إنما هي معالم واضحة نخطها حول الطريق الذي سلكناه، وسنرى في تفاصيله أشياء جميلة لم تكن في خاطرنا، لكنها حصيلة الجهد العام الذي نبذله.

ولنجعل لأنفسنا رفقاء درب وراشدي سبيل، نكون عونا لهم ويكونوا عونا لنا، في حياة عنوانها الفرح والسعادة بصناعتنا الخاصة وأيدينا العاملة والكادحة، لا نغفل فيها حاضرا ولا مستقبلا، بعيدا عن خفقات الماضي التي تبقى أنيسة تجربة وخبرة وتعلم، دون أن تلقي بتأثيرها السلبي على طريق يحتاج منا كل جهد صغير وكبير ومكلل بأعلى درجات التركيز.

فهكذا يصبح الانتظار سعادة ومتعة، وكذلك ما بعد الوصول يكون أكثر سعادة وأكثر متعة، فلا ندع أنظارنا بالمطلق إلى ما بعد الوصول، ونخسر متعة الفرح في أشد أوقات ذروته، فالمتعة وأكثرها كليهما فرحة وسعادة، تتزين مع الإنسان الراضي بما يصنع، المتفتح ببصيرة العمل لأجل الآخرين دون أن ينكر ذاته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.