شعار قسم مدونات

عنف الملاعب.. هل هو حالة شاذة أم مرآة لمجتمعنا؟

A photo made available on 03 March shows shows PAOK supporters during riots that broke during the soccer match PAOK vs Olympiacos in Thessaloniki, north Greece, on 02 March 2016. Deputy Minister for Sports, Stavros Kontonis, called off on 03 March 2016 the Greek Cup for the 2016 period, citing numerous violent incidents that have plagued recent matches between football clubs.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"، الله سبحانه وتعالى عليم بشؤون عباده خالقا فيهم رغبة الاختلاط في ما بينهم لعجز الإنسان على العيش بعيدا المجموعة وحاجته للتعرف على مجموعات أخرى مختلفة على محيطه اليومي. الرياضة بصفة عامة وكرة القدم بصفة خاصة هي عالم رحب تنطبق عليها ما تعنيه كلمات الله، فالرياضة مجال واسع للتقارب والتعارف وبالأخص لنبذ العنف. لكن للأسف أصبحت ملاعبنا مسارح لتبادل العنف اللفظي والمادي، وأصبحت المدارج فضاءات كر وفر بين الجماهير ورجال الأمن.

 

قد نكون مخطئين إذا ما اعتبرنا أن ما يحصل داخل الملاعب هي حالات شاذة، العنف الموجود داخل هذه الفضاءات المفتوحة والمغلقة إنما هي صورة ومرآة عاكسة لواقعنا المجتمعي. مجتمع يعيش أزمة أخلاقية حيث غابت القيم النبيلة داخله وانتشرت مكانها فيروسات الشر عوض الخير، العنف بدل السلام وجميع أنواع الجريمة المنظمة والغير المنظمة. أصبح الفرد ميال للنزعة العدوانية التي نقلها معه للفضاءات الرياضية. أسبوعيا تنقل لنا وسائل الإعلام مقابلات مصارعة أو ملاكمة عوضا عن مباريات تقدم كرة جميلة تدار في كنف الروح الرياضية وتمزج بين الرغبة في الفوز واحترام المنافس.

 

لمعالجة الأمنية لعنف المدرجات أشعلت غضب الجماهير وزادت من لهيب عنفهم في تونس، حالات گر وفر تشهدها ملاعبنا أسبوعيا كأننا نتابع إحدى الروائع السينمائية من أفلام الحركة

المصيبة أن هذه الظاهرة تجاوزت حدود المستطيل الأخضر حيث تنطلق بتراشق التهم بين الأطراف المعنية باللعبة، تجييش كبير للاعبين من جهة وللجماهير من جهة أخرى كأن الرهان ليس بلعبة قائمة على المبادئ الأولمبية. هذا التسيب والانفلات مرده غياب الحكمة والرصانة وبالتدقيق غياب الرجل الحكيم الذي يعطي المثال في المسؤولية ورفعة الأخلاق، وإذا كان رب البيت على الدف ضاربا لا تلومن الصغار على الرقص.

 

أصبحت منابرنا الإعلامية يؤثثها مسؤولين رياضيين برتبة قطاع طرق، تغافلت على مهمتها الأساسية من تسيير وتطوير للنادي وتأطير للاعبين والجماهير، واتخذت من التحريض على العنف مطية للتغطية على فشلها ومسؤوليتها الجسيمة في تدهور المنظومة الرياضية في تونس. لطالما كانت ملاعبنا مسرحا لعروض كروية متميزة أثثاها نخبة رائعة من اللاعبين من طينة طارق ذياب، حمادي العقربي وغيرهم من الموهوبين لكن للأسف في عصر الاحتراف والملايين، غابت اللوحات الفنية والمهارات واستبدلها اللاعبين باللكمات المتبادلة والاحتجاجات المتكررة تجاه قضاة الملاعب، أفسدت الذوق العام وقدمت لنا صورة سيئة الإخراج.
 

ثالث أضلاع المشهد الرياضي في تونس وفي العالم هو بالتأكيد الجمهور. الجمهور الذي طالما أتحفنا بأجمل اللوحات الفنية والدخلات، وجد في المدارج الملاذ الوحيد ليعبر عن نفسه ما دمنا نعيش في مجتمع منغلق عاجز على استقطاب وتفهم هذه الفئة الشابة من الهرم المجتمعي. إلا أن الحب الجارف للنادي يصبح تعصب وتطرف وعدم القبول بالهزيمة، مما أدى لانتشار الهتافات الجهوية والعنصرية أحيانا. الأدهى والأمر أن يتحول الصراع والعنف إلى البيت الداخلي وتصبح المدارج حلبة صراع وتبادل للعنف بين مجموعات جمهور الفريق الواحد ليؤدي الأمر بتدخل قوات الأمن وهو ما يولد حالة احتقان وتشنج لدى الجماهير التونسية اعتبارا لكون الأمن طالما ما مثلت عصاه سياسة القمع والحد من الحريات.
    

أحد ضحايا العنف الكروي  (الجزيرة)
أحد ضحايا العنف الكروي  (الجزيرة)

 

هذه المعالجة الأمنية لعنف المدرجات أشعلت غضب الجماهير وزادت من لهيب عنفهم وغضبهم تجاه المؤسسة الأمنية في تونس، حالات گر وفر تشهدها ملاعبنا أسبوعيا كأننا نتابع إحدى الروائع السينمائية من أفلام الحركة. تحولت أزمة العنف في تونس إلى ظاهرة أسبوعية إلى أن سقطنا في المحظور وسقط شاب قتيلا بعمر الزهور تاركا خلفه أم ثكلى ومكان فارغ على مدرجات الملعب بين رفاق درب سيواصلون رسالتهم بتشجيع فريق الشعب النادي الإفريقي. هذا الفتى الصغير لم يكن ضحية العنف المسلط يوم المباراة إنما كان ضحية السكوت المطبق على تفشي وسريان هذه الظاهرة داخل الملاعب بدون معالجة واضحة وعميقة.
 
العنف ظاهرة اجتماعية لها عدة أسباب تربوية وأخلاقية لكن في امتدادها لفضاءات من المفروض هي مكان لتهيئة الشاب وإبعاده على مخاطر الجريمة والمخدرات يتطلب أثناءها وقفة حازمة من الدولة المسؤولة على سلامة مواطنيها أولا والاستماع إلى شبابها ثانيا اعتبارا لكونه عماد المستقبل وركيزة من ركائز بناء دولة قوامها احترام القانون وإعلاء سلطته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.