شعار قسم مدونات

كيف حولناه من "الشيطان" إلى "شوشو"؟

مدونات -رجل نار

إن ما يؤسس الشرائع ويكون العقائد هي تلك المصطلحات التي تحمل مضمونها وتبلغ مقصودها من التشريع والتربية، فلا يكاد يخلو دين من الأديان سواء كان سماويا أو وضعيا من ذلك الرصيد الاصطلاحي الخاص الذي يبرز معانيه ويظهر معتقداته. والإسلام يعد من أكثر الأديان نبوغا ووضوحا في هذا الباب، لاسيما وان جل أفكاره ومفاهيمه سماوية أنزلت على النبي الخاتم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام في كتاب تكفل الله بحفظه عندما قال "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".

 
غير أن ما يطرأ اليوم على هذه الألفاظ والكلمات من تحريف حال دون سلامة مفهومها من التشويه، حتى أطلقت أسماء أخرى على مسميات تحدث القرآن بشأنها طويلا وأوضح معناها. فلم يعد الربا ربا وإنما أصبح فائدة، ولم يعد التبرج تبرجا وإنما أصبح تحضرا، ولم يعد الخمر خمرا وإنما أصبح تحررا. لذلك أرى أنه من المهم فتح هذا الملف الذي يتهدد الأسس والمفاهيم المحورية التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية، ولعل من أبرزها مفهوم كلمة الشيطان والذي أصبحنا نسمع من يسميه بهذا الاسم "شوشو".

 

يحكي الطبري في تفسيره، أن ابليس هذا كان ذو منزلة عالية على مقربة من الملائكة، إلا أنه عصى أمر ربه، ولم يسجد لأبينا آدم في الوقت الذي سجدت فيه الملائكة الكرام

من المألوف عندنا أن نسمع صيغ التودد والتحبب هذه أمثال شوشو وبوبو بين الأحبة والأصدقاء، والتي تجدها غالبا ما تدور حول الحرف الأول من اسم الصديق إما تكرارا وإما مدا، كأن يكون اسم صديقك زياد فتناديه زازا أو زوو. غير أنه من الغريب ان نسمع ونرى من يردد اسم شوشو ويقصد بذلك الشيطان، ولا أدري هل كان ذلك على سبيل التودد والتحبب أم على سبيل المزاح والتندر أم ماذا؟ والحال أن الله قد أمرنا أن نستعيذ به من هذا الشيطان ونزغه، فقد قال تعالى "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".

   
هكذا نجد أنفسنا أمام إشكالية عويصة تدفعنا دفعا إلى استنطاق كتاب الله، واستقراء الآيات القرآنية وبخاصة التي ذكر فيها الشيطان، عسى أن نتبين ما يضمره الشيطان للإنسان هذا الذي يسميه البعض بـ شوشو. ولكن دعونا أولا نلقي نظرة على قصة أبينا آدم مع ابليس لنتعرف على حقيقة وهوية الشيطان -إن صح التعبير- قبل الخوض في بيان أوجه علاقته بالإنسان. فما الشيطان؟
   

قد لا يفيدنا كثيرا تتبع المعنى اللغوي لهذا اللفظ، ولكن من الأهمية بمكان أن نعرف الفرق فيه بين الشيطان كوصف عام وبين الشيطان نفسه. ويعرف الإمام محمد متولي الشعراوي الشيطان كوصف عام فيقول بأنه كل من يبعد الناس عن طاعة الله، وعن منطق الحق وكل من يغري بالمعصية، ويحاول أن يدفع الإنسان إلى الشر. لينسحب هذا الوصف على كلا الجنسين الجني والإنسي اللذان جمعهما الوصف الواحد كما جمعهما الاتحاد في ذات المهمة، فكل من دعا إلى الكفر والشرك والعصيان فهو شيطان سواء كان من الجن أو الإنس.

 
أما الشيطان الذي نحن بصدده في هذه الأسطر، فيدعى إبليس من أصحاب الأجسام الخفيفة التي تستتر عنا، ولا يمكن رؤيتها وكذلك هم الجن. ويحكي الطبري في تفسيره، أن ابليس هذا كان ذو منزلة عالية على مقربة من الملائكة، إلا أنه عصى أمر ربه، ولم يسجد لأبينا آدم في الوقت الذي سجدت فيه الملائكة الكرام، ويروي لنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم معصية ابليس وكفره، فيقول "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ".

 
إذن بهذه المعصية استحق إبليس وصف الشيطان ولعنة ربه، خاصة وأنه لم يعترف بذنبه فيتوب إلى الله، وإنما أصر على فسقه فتوغل الكبر في نفسه فتراه يرد على ربه مستكبرا كما ورد في سورة الأعراف "أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ". وقد غاب عليه أنه لا فضل لعنصر على آخر إلا بالتقوى، فلا داعي للمقارنة التي تولد الكبر والحسد. وهذا الذي تهمنا الإشارة إليه من أحداث قصة أبينا آدم مع ابليس والتي لا يتسع المجال لبسطها بالكامل.

  

يجب أن ندرك أن الشيطان هو سبب الأمراض والذل والفقر الذي يعيشه الإنسان، فهو في حقيقة الأمر له تأثير ضخم على الإنسان لأنه عدوه الأساسي

يكفي أن نعلم أن إبليس فرط في مكانته وعبوديته لله بغضا وحسد لآدم، لنعرف حجم العداوة البغضاء التي يحملها لبني آدم، فقد تغافل عما دخل نفسه من الكبر والحسد وظن أن وجود آدم هو سبب طرده من رحمة ربه وسوء مصيره. والحال أنه لم يتفطن إلى ما أصاب نفسه، وحمل آدم النتيجة التي آل إليها. وللأسف هذا شأن كل المتكبرين ولندرك مدى خطورة الكبر وتضخم النفس على إبصار الحق والعمل به.

  
هكذا عزم إبليس على الانتقام من آدم وذريته، ولم يهنئ له بال حتى أوقعه في معصية ربه عندما وسوس له ولزوجه حواء بالأكل من الشجرة التي نهاهما ربهما عنها. يقول الله حاكيا خبره "وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا". فكانت هذه مبادرة الشيطان-ابليس- في غواية آدم ولكنها لم تقف عند هذا الحد، حيث نجده مصمما على إغواء كل ذرية آدم، حتى أنه دعا خالقه فقال كما في سورة الحجر "قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (78) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (79) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (80) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ".

 

نعم إن إبليس مصمم على القعود بالإنسان عن طريق ربه "َأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ"، فهذا هدفه من الوجود وهو غواية جميع البشر وسحبهم من نقاط ضعفهم والانحراف بهم عن طريق ربهم، واستنزاف طاقاتهم بين الماضي والحاضر والمستقبل، ليبقى الجميع في قيد الحاجة والشكوى كما ورد في سورة الأعراف "ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ".
   

لذلك يجب أن ندرك أن الشيطان هو سبب الأمراض والذل والفقر الذي يعيشه الإنسان، فهو في حقيقة الأمر له تأثير ضخم على الإنسان لأنه عدوه الأساسي واقرؤوا إن شئتم أمر الله سبحانه وتعالى حيث يقول "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً"، ثم لتحصوا عدد أفعال الشيطان تجاه الإنسان التي وردت في القرآن الكريم ستجدونها تزيد على الثلاثين فعل، فالشيطان يفتن، يخوف، يستحوذ، يغوي، يضل، يستزل، يستفزز، يوسوس.. لتعرفوا حقيقة شوشو. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.