شعار قسم مدونات

الاتحاد العام التونسي للشغل.. القوة الناعمة (2)

مدونات - الاتحاد العام التونسي للشغل

مع انتصاف عقد الثمانيات شهد حكم الحبيب بورقيبة نهايته بانقلاب وزيره الأول آنذاك الزين العابدين بن علي عليه ليلة 7 نوفمبر 1987 معلنا على نهاية حقبة تونس البورقيبية ودخولها مرحلة جديدة أطلق عليها مرحلة التغيير ولقب فارسها الجديد بصانع التغيير. حمل بن علي معه العديد من الرسائل الإيجابية في أولى كلماته للشعب التونسي الذي عانى ويلات الفقر والاستبداد السياسي والاجتماعي. الاتحاد العام التونسي للشغل كغيره من الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية استبشر خيرا بهذا التغيير السياسي وبالقائد الجديد معتقدا أن تونس سترتقي إلى مصاف الدول الديمقراطية على يد العسكري السابق. إلا أن للأسف نشوة التغيير والحرية المستجدة لم تدم طويلا ولم يتردد بن علي ونظامه في إعادة دورة الديكتاتورية والاستبداد من الدوران من جديد.

 

بن علي على غرار سلفه بورقيبة لم يتوان لحظة واحدة من إحكام سيطرته على المنظمة الشغيلة لعلمه المسبق أن في ترويضها هناء وراحة له لتمرير سياساته الاقتصادية من جهة وإخماد الشارع التونسي وقبوله للأمر الواقع اعتبارا للدور الكبير للاتحاد العام التونسي في تسخين الشارع وتحريكه ضد القرارات الظالمة تجاه الشعب التونسي. أصحبت القيادات خلال الحقبة النوفمبرية معينة من طرف النظام، شخصيات موالية للنظام ورافعة لواء وشعار المهادنة رغم بعض التحركات من قبل النقابات الأساسية وقواعدها وبالأخص نقابات التعليم بشقيه الأساسي والثانوي التي طالما كانت شوكة في حلق النظام، ما عدى ذلك لم نشهد الاتحاد في ثوب البطل بقدر ما كان الحاضر الغائب داخل المشهد السياسي والاجتماعي متنازلا عن مبادئه التي قامت عليها هذه المنظمة التاريخية.

 

حاليا يخوض الاتحاد العام التونسي معركة تأميم المؤسسات التونسية، معركة لي الذراع مع حكومة الشاهد ومن خلفه صندوق النقد الدولي المهيمن الحالي على السياسة المالية والاقتصادية لتونس

نهاية سنة 2010 وبداية 2011 كانت لحظات فارقة في تاريخ تونس وتاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل أيضا حيث لعب دور مفصلي وهام في تأطير الجماهير الثائرة والداعية لرحيل الدكتاتور. اعتبر الاتحاد أن الثورة هي أهم فرصة لإعادة بريقه وإعادة الهيبة والقوة له، فبرحيل بن علي سقط نظام التجمع وظل الاتحاد صامدا بقوة هياكله وتعداد قواعده. بعد الثورة التونسية نزع الاتحاد جبة المنظمة النقابية الاجتماعية وارتدى جبة المنظمة السياسية وكان له تداخل كبير ومباشر في تشكيل الخارطة السياسية في تونس ما بعد جانفي 2011. تعدد الحكومات في تونس بعد الثورة كانت أغلبيتها إن لم نقل جميعها تمر بأروقة الاتحاد ويقع قبولها وطرحها للتصويت تحت قبة مجلس النواب إلا بتأشيرة أولية من الاتحاد العام التونسي للشغل. دائما ما بحث الاتحاد على الزعامة والبطولة، فقد وجد الطريق مفروش هذه المرة ليبرهن على قوته، فأصبحت الأحزاب تخشاه وترفض المصادمة معه والبحث على مباركته.

 

بعد اغتيال كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي الذي أدى لإغلاق مجلس النواب وإعلان اعتصام الرحيل الذي قامت به الأحزاب المعارضة للترويكا والباحثة عن إسقاطها زعما بأنها حكومة فاشلة سياسيا وقاتلة لخصومها، سعى الاتحاد لإخماد هذا الوضع الحارق وإقامة صحبة منظمات أخرى ما سمي بالحوار الوطني الذي أفرز إسقاط الترويكا الحاكمة بقيادة حركة النهضة وتكوين حكومة جديدة بقيادة وزير الصناعة آنذاك مهدي جمعة في حركة اعتبرتها الأحزاب الثورية ضرب لمبادئ الديمقراطية وخيانة لأهداف الثورة التي أتت لترسيخ قيم العمل السياسي والمشهد المنبثق من صناديق الاقتراع.

  undefined

 

حقق الاتحاد العام التونسي للشغل بهذه الضربة انتصارا مزعوما تلاه حصوله على جائزة نوبل للسلام في سابقة أولى من نوعها في تاريخ العالم وتاريخ تونس بحصول منظمة على جائزة من جوائز نوبل طالما كانت حكرا على الأفراد وليس الجماعات. أصبح الاتحاد محرار السياسة في تونس والحكم في صعود حكومات وسقوط أخرى واضعا ومحددا لمقاييس نجاح وفشل لكل من يعتلي سدة الحكم بعد الثورة محققا نجاحات عديدة في أغلب معاركه السياسية والاجتماعية مستغلا ضعف الأطراف المشكلة للمشهد السياسي في تونس.

 

حاليا يخوض الاتحاد العام التونسي معركة تأميم المؤسسات التونسية، معركة لي الذراع مع حكومة الشاهد ومن خلفه صندوق النقد الدولي المهيمن الحالي على السياسة المالية والاقتصادية لتونس ما بعد انتخابات 2014 واعتلاء حزب نداء تونس لسدة الحكم، الحزب الوفي للأنظمة الليبرالية وسياسة اقتصادية تدعم القطاع الخاص وساحقة للطبقة المتوسطة. الكثيرون يعتبرون الاتحاد القوة الوحيدة المدافعة على قيم العدالة الاجتماعية، الحرية والكرامة في ظل تشتت العديد من الأحزاب والشخصيات المحسوبة على التيار الثوري. الاتحاد أقوى في البلاد مشكلا لصورة دولة داخل دولة راسما لذاته هوية معلومة وواضحة الأركان رغم الاختلافات أحيانا والاتهامات له بعرقلة اقتصاد من جهة أو العمل لصالح أطراف سياسية محسوبة على التيار اليساري من جهة أخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.