شعار قسم مدونات

هل انتهى زمن العبودية؟

blogs - رجل مقيدة

عندما انتقد الإسلام فكرة الأصنام، ونزل القرآن بالتهديد والوعيد نهيا عن عبادة الأوثان، وشدد على تحريم كل ما يمت لها بصلة من قريب أو بعيد، كان يعلم من شرع الإسلام ومن أنزل القرآن أن الأصنام لم تكن مجرد حجارة ولم تكن عبارة عن تجسيم فقط بقدر ما هي فكرة، نعم لقد ولى زمن الأصنام التجسيدية وحل محلها الأصنام التجريدية، بمعنى تحول الصنم من الشخص إلى الفكرة. ولا دليل على هذا الكلام سوى ما نشهده وما نعيشه في واقعنا الحالي:
 
الشيخ الذي ما يزال في دائرة الإفتاء ينافح عن شيخه ومفتيه، يدافع عنه دفاع المستميت الأعمى، يبرر له كل خطأ، ويضفي عليه صفات المنعم المتفضل، ومع كل عملية خطأ فادح، يجد له التبريرات، ويؤول له الأخطاء، خوفا من غضبه، وقطع المعاش عنه ما يزال عبدا بالمعنى الحرفي. والفتاة التي ما تفتأ في حديثها عن زوجها أو حبيبها، وبإمكانها أن ترتكب أعظم المآثم، وتقطع أدنى صلات الرحم، وتلغي أقرب الصداقات، في سبيل أن لا يغضب المحبوب ما تزال جارية بالمعنى التام للكلمة.

 
والموظف الذي ما زال يحني رأسه لرب عمله، يسكت خوفا من بطشه، ويعمي عينه عن كل الفساد الذي يجري في المؤسسات، خوفا من بطشه وفصل المعاش عنه أو خصمه، ويستمر في تلك الدوامة من الاستيقاظ حتى نهاية العمل، ويبقى على تلك الحالة من التوظيف حتى الممات، دون التفكير للحظة في البديل ما يزال عبدا بكل ما تحمله تلك الكلمة من معنى، وإن لم تكن تلك عبودة فخبروني بربكم ما هي العبودية.

 

من ظن أن زمن الأصنام قد ولى فهو واهم، ومن اعتقد أن زمن العبودية قد اندثر فهو مخطئ، ومن ظن أن الاحتلال والاستعمار قد اختفى واندرس فهو ساذج

والشعب الذي ما يزال يرفع الأعلام كلما أتى سياسي لمنطقته، ويطبل له ويزمر، ويضفي عليه أعظم الألقاب، ومستعد أن يموت فداء لزعيم لم يقدم لشعبه سوى الكلام بحكم أننا شعوب تعشق الخطابات وتفضلها على الأفعال، ويقاتل في معارك انتخابية يخسر بها كرامته وشرفه قبل أن يخسر أي شيئ آخر، وما أشبه عبوديتنا اليوم بعبودية بني إسرائيل في الأمس كما قال تعالى "فاستخف قومه فأطاعوه"استخف قومه، لعب عليهم دوره في تغييب العقل وأتقن لعبة قلة الوعي فكانت النتيجة: فأطاعوه. أراهم ما يملك من نعيم ظاهر، فانبهرو بما يملك كنوز ظاهرة وتناسو الأسى والظلم والاضطهاد كما تفعل بنا الأنظمة العربية اليوم فكانت النتيجة : فأطاعوه

 
لعب إعلامه دوره المأجور فغيب الشعب، لعب دوره في نشر الاباحية وانتشار الرذيلة وإغراق المجتمع في الفساد للدرجة التي تغرقهم في شهواتهم، وتعميهم عن الحقائق وعما يحصل للبلاد والعباد فكانت النتيجة: فأطاعوه. وهذا بالضبط ما قامت به أنظمتنا العربية استخدموا الأبواق المأجورة، من مشايخ وإعلاميين ومفكرين فاعتلوا المنابر الإعلامية والدينية، وقاموا بتقديس الحكام وإسباغ صفات القداسة والملائكية عليهم حتى أوجبوا لهم الطاعة كما عتوا والانصياع اذا طغوا. كما قال بالضبط جوزيف جوبنز "أعطني إعلاما بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعي".

 

وهذا ما حصل بالضبط فماذا كانت النتيجة؟ شعوب بأكملها غارقة في ظلمات الجهل، والتبعية والتخلف راكضة خلف زعمائها، غائبة عن الوعي وكيف تستعيد وعيها أصلا وهي غارقة في شهواتها وملاذتها عاجزة أن ترى أبعد من أصبع يدها، ولا شيئ يخدم الطغاة والبغاة كقلة الوعي عند الجماهير. وكانت نتيجة كل ذلك، أن الشعب ما يزال ينزح تحت وطأة العبودية.

 

والشاب الذي يصرخ كالمسعور كلما انتقدت شيخه أو هاجمت فكره، ومن الممكن أن يقدم لك أي عملية نقد، لكن حينما يتعلق الأمر بما يعتقد يصبح النقد جريمة لا تغتفر بحكم أننا نضفي لأنفسنا هالة من القداسة، هذا الشاب ما زال يعبد صنما آخر، إنها الأصنام المعرفية.

  undefined

 

من ظن أن زمن الأصنام قد ولى فهو واهم، ومن اعتقد أن زمن العبودية قد اندثر فهو مخطئ، ومن ظن أن الاحتلال والاستعمار قد اختفى واندرس فهو ساذج، ولعل هذا ما عناه مالك بن نبي حين تحدث عن نظرية "القابلية للاستعمار" أن الاستعمار قد يولي لكن ما يزال عند الشعب قابلية للاستعمار لو أتى من جديد دون أن محاولة دفع تذكر، ولا أدل على كلام مالك بن نبي أكثر مما نعيشه اليوم.

 

وإذا كانت مهمة المشايخ والمفكرين، هي أن يحرروا الشعوب فكريا وينتزعوا من عقولهم العبودية لغير الله ويردوهم إلى الله، إذا كان كل ذلك هي مهمة المفكرين والعلماء، فلو كان المطبل والمزمر والمسبح بحمد السلطة ليل نهار هم أنفسهم من ذكرت، فمن الذي سيوقظ الشعوب، ومن سيحررها ويوقظها من سباتها.

  
فكرة العبودية لم تنته إذا.. التبريرات التأويلات الإسقاطات، التطبيل والتزمير ما زال ساريا حتى اليوم، المهمة شاقة والطريق طويل. 

فإلام تنظر يا آخر الموتى
في أمة ثكلى
في أمة تنزف، على جراحها تعزف
علماؤها ساكتون أو هاربون، مفكروها في أقبية السجون، عباقرتها وباحثوها إما عملاء أو نائمون، جيوشها خائنون، سلاحها طعامها شرابها لباسها مستورد، أقلامها مأجورة، أصواتها مكتومة، أفواهها مكممة، منابرها مسيسة، إعلامها كاذب، تعليمها فاشل
عقولها مهاجرة فإما أن تبدع في الغرب أو تموت في الشرق، وأما شعبها فهو مخدر أو غافل
فبأي أمة تتغنون وتمجدون ولها تطبلون وتزمرون.

  

لم أكتب هذا الكلام لأزيد على النائحين نواحا، لكنها دعوى لأن نستفيق من غفلتنا، ولعلنا بحاجة لأن نفهم فقه الثورة أكثر وأكثر، فعلى ما يبدو سبع سنوات عجاف لم تكفينا بعد، هيأ الله لهذه الأمة ولهذه الشعوب من يخلعها من عبوديتها لتؤدي دورها كما أدته سابقا إنه نعم المولى ونعم النصير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.