شعار قسم مدونات

أعيدوا لهم الوطن.. وسترجع لهم طفولتهم!

مدونات - أطفال فلسطين
في يوم الطفل الفلسطيني..
الطفل لا ينكسر كالكبار، بل يتمزّق! وحين تغادرُ الطفولةُ الأكفَّ الصغيرةَ نفقدُ ملامحَ إنسانيتنا، لنتجوّل عراةً مِن ضمائرنا، نسكنُ العتمةَ وتسكُنُنا! فدمع الصِّغار حارق.. وأنفاسُهم الحرّى جحيمٌ يحيط بنا، ويصهرُ ما تبقّى مِن كلماتنا! طفولتنا على التراب المحتلِّ تُغتال كلّ يوم! تُغتال في وضح النهار وعلى مرآى مِن الكون.. تُسحق ابتساماتُ الصغار، وتُمزَّق دفاترهم الصغيرة قبل تَفتُّحِ الحروف على صفحاتها، وقبل أنْ تعانقها الألوان.. في الأرضِ الثائرةِ على جلّاديها، وسجّانيها، وسماسرة بيعها، وعملاء عدوّها، والصامتين على نزفها، والذين تقطَّرُ خناجرهم المسمومة بدمها.. في الأرض المبارك بتربها، وبالدّم الطهور في عروق أهلها يُعاند العمرُ مساحاتِ الجسد، فتصير الروح حرّةً في مدارات الصمود، ويلاحقها دون ضوءٍ ظلُّها!
 

في فلسطين الجرح المفتوح للشمس لا يتوقّف نزيفُ عروقها، ويسكنُ العفنُ والخرابُ بُلدانا جعلت لنفسها جحوراً كي تُوقف حواسَّها، فلا سمع ولا بصر، ولا فؤاد يستشعر الخطر! ميِّتة وإنْ كانت تتنفّس، يُظلِّل روحَها الخواء، لا أمل في صحوها ولا رجاء!

 

في فلسطينَ طفولةٌ تنادي الكون مِن عمق وجعها، صغارٌ يواجهون جنوداً مدجّجين بالسلاح والكراهية، ينكرون إنسانية مَن يواجههم، ليفعلوا ما يحلوا لهم، دون ارتعاش عروقهم لبكاء طفل أعزل! يسكنه الخوف.. بينما تشدُّه أيديهم الغليظة وهم ينهالون عليه ضرباً، ونشوةٌ بتعذيب الجسد الصغير تسكُنهم.. هو يدافعُ بعجز كفّيه الصغيرتين عن حقّه في الحياة حين خذله العالم، واكتفى بمشاهدة عروض القمع اليوميَّة التي تُمارس ضدَّ أطفالنا في الأرض المحتلة، وفي بلدان الشتات التي لا يزال يُخيفها الهمس، ولا تزال تزرع أعينها الوضيعة بين حجارة الدور وتحت النوافذ.. متجاهلةً وجع طفل يقف خلف الأسلاك الشائكة يراقب الوطن، ويتعذَّب بذاكرةٍ يلتقطُ حبّاتها كعصفورٍ جائع!

 

مئات الأطفال قتلتهم عدوانيَّة المحتلَّ وإرهابه، عبر سنوات الاحتلال التي أثمرت في صدور الفلسطينيين ثورةً وانتفاضاً، هُدِّمَت بيوتُهم، فوجد الصغار أنفسهم في العراء، ينتزعون مِن بين الركام أشياءَهم وبقايا ألعابِهم

في الأرض التي تُنبتُ الطفولةَ والسنابل تتهدَّمُ مدارس الصغار، تتكسّر مقاعدهم ويُطردون مِن جنتهم! يُحرمون مِن حقِّهم بالتعلُّم، وبالتقاط خيوط النور.. يتصيَّدُهم رصاصُ المحتل بقنّاصته، ويتصيّدهم بالمخدّرات وبكلّ أشكال الانحراف.. بينما يتحرّك كثيرٌ مِن الأطفال في شوارع الألم يبحثون لأُسرهم عن اللقمة، فالمعيل قد يغادرهم شهيداً، أو أسيراً، أو جريحاً ينسلُّ من بين أصابعه الوطن، فتلتقطه كفٌّ صغيرة، ترفع الشعلة بيد، وفي الأخرى شيء مِن خبز.. وحلم!

 

أطفال فلسطين لا يُسعفهم الزمن ليكبروا كغيرهم على مهل، فقلوبهم الطريّة تشيخ في صدورٍ غضّة، يتجاوزون أعمارهم، وتُغادرُهُم مرغمّةً طفولتُهم رغم تشبُّثِهم بها! ورغم ارتعاش حروفها في أفواههم وأفئدتهم.. أطفال فلسطين تُطْلقُ عليهم كلابُ الجنود لتروِّعَهُم! يتعرَّضون للاعتقال الوحشي، ولصنوفٍ مِن العذاب لا يحتملها الكبار مِن البشر! بينما يمُارِس الجنود وبضوءٍ أخضر مِن جيش الاحتلال الإعدام الميداني بحقِّ هؤلاء الأطفال! ينتقيهم بمنتهى الوحشية، يُلصقُ بهم تُهمة محاولة الطعن، وبحجة الدفاع عن النفس تُنتزع حقوق الطفل الفلسطيني في لحظة، وعلى رأسها حقُّه في الحياة! بل ورأينا إجرام المستوطنين وهم يمارسون وحشيّتهم بما فعلوه بالطفل محمد أبو خضير بدم بارد، وبقلوب ميِّتة!

 

مشهد الأسير الطفل أحمد مناصرة سيظلُّ شاهدا على تواطؤ العالَم الظالم مع عدوّ يتحرّك في الشوارع المغتصَبة بلا رادع أخلاقي أو إنساني.. تعرَّضَ ذلك الطفل (ولم يُطفئ أكثر مِن ثلاث عشرة شمعة) للدهس، والضرب المبرح مِن المستوطنين، والشتم، والسبّ، والإرهاب، والمطالبة بموته، ثم ويلات التحقيق رغم إصاباته البليغة، منكرةً طفولته، وارتعاشةَ قلبه الذي لم يتجاوز كفَّه الصغيرة! ليستقر به الظلم لسنواتٍ خلف قضبان العدو، وهو زمنٌ كافٍ لتنبتَ لذلك الطائر الصبور أجنحة!

 
مئات الأطفال قتلتهم عدوانيَّة المحتلَّ وإرهابه، عبر سنوات الاحتلال التي أثمرت في صدور الفلسطينيين ثورةً وانتفاضاً، هُدِّمَت بيوتُهم، فوجد الصغار أنفسهم في العراء، ينتزعون مِن بين الركام أشياءَهم وبقايا ألعابِهم، وذكرياتٍ لن تغادرَهم، وستظلُّ تحمل وجه الاحتلال البشع الذي لا يمكن لشيءٍ أنْ يُجمِّلَه.. فالطفلُ رمزٌ للتجدُّد والنمو، وهو ما يخيف الكيان الهش الذي قام على فكرة الإحلال.. وهذا الطفل هو الثقل في الميزان السكاني، وهو الصورة الحيّة للذاكرة الفلسطينية، ودليلُ جذورٍ امتدَّت عميقا في الأرض، ومِن المحال اجتثاثها..

 

ورغم الوحشيَّة التي أراد بها الكيان الإسرائيلي تفتيت صمود غزّة، لتتضوّر مع أطفالها جوعاً، وعوزاً، وفقراً للدواء وسط الحصار! ورغم الموت الذي أهدته لصغارها على أزيز الصواريخ في كلِّ عدوانٍ عسكريّ ضدّها.. رغم الدمار الذي طال كل شيء، والتشرّد الذي صار جزءً مِن تفاصيل الحياة اليومية، لا يزال أطفال غزّة يستصرخون ضمائر الأحرار، لا يزالون يشدّون على جمر الصبر بأكفّهم الصغيرة، بينما يراقبُهم العالَمُ بلا ضمير! وأيديهم الرقيقةُ تحترق..
  

 
الرصاص الذي قتل فارس عودة وهو يواجه الدبّابة بصدره العاري، ويكسر أسطورتها، صانعاً أسطورة الطفل الفلسطيني المقاوم، هو ذات الرصاص الذي قتل محمد الدرة! وهو يتحرّك في فضاء حلمه وطفولته بعيدا عن مساحات الصراع..

 

في ظلّ عدوٍّ غايته أنْ ينتحل هويّتك لا خيارات لديك سوى الموت أو المقاومة، لكنّ الطفل يظلّ خارج معادلة الصراع حين تنبض بالحياة الضمائر، غير أنَّ هذا العدو جعل مِن الطفل الفلسطيني مقاتلا! وأنكر عليه طفولته، فها هو يقتحم منزلاً فلسطينياً ليُلقي القبض على طفل في الثالثة من العمر! وها هو يفشل في تقييد أحد الأطفال المُعتَقلين لفرط صغر يديه! وها هو يجرُّ للسجون صغيرات لا تزال (البكلة) تزيّن ضفائرهن، وعلى أيديهن خيوطُ الدمى، وغبارُ اللعب في الأحياء المشرعة للحرّية وللشمس..

 

نشاهد بأعيننا أطفالَنا يُقتلون، يُعتقلون، يُروّعون، يُجوّعون، وعلينا أنْ نجد لنصرتهم سبيلا، فكلُّ مَن مارس جنونه وتعطّشه لدماء أطفالنا مجرم حرب! وعليه أنْ يدفع ثمن جرائمه.. وحصارُ غزّة الظالم علينا أنْ نسعى بكلِّ ما أوتينا لكسره، فالعصافير توقّفت عن التغريد حين حبسوها بين البحر والأسلاك الشائكة.. ولعلّنا نُذكِّر أنفسنا قبل أنْ نُذكِّر لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة بأنَّ الفلسطينيين يولدون كغيرهم.. وكغيرهم يكبرون على كتف السنين، ومِن حقِّهم أنْ يحيوا حرِّيتهم.. على تراب وطنهم آمنين.. محلّقين في سماء طفولتهم..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.