شعار قسم مدونات

الحكاية ظلّ مَن يحكيها..

مدونات - كتائب عز الدين القسام
قال تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ". هو ذا النهار على مقربة، فلا تبتئس مِن طول ليلك في صمت العشيرة! هي ذي خيوط الليل تتقطع على حد صبرك، فالتمس صبرًا لخطوتك الأخيرة.. وتنفّس البارود ليشتعل جسدك وأنت تقاوم! فجرٌ يتقطّر مِن كفيك وأنت تُلملم الدمع مفجوعاً، جائعاً، متعباً ومعدماً، غير أنك لا تساوم!
  
هو ذا النهار على مقربةٍ! يا ابن الكتائب فتقدّم! أشلاءُ مَن رحلوا جسر تعبره لنصر الله فتقدّم! كلُّ قطرة دمٍ تراها ستُضيء عينيك.. بذكرى مَن اختاروا أنْ يحيوا مشاعلَ في يديك، فبنور دمهم تقدّم! صوب عدوِّك وعدوِّهم تقدَّم! بأشلائهم تقدَّم! بدموع أختك الصغيرة وهي تبكي البيت المهدَّم مذعورة، بدعاء أُمك المقهورة تقدم.. يدك البندقية! وخطوتك الذخيرة!
  

حكاية الأرض لم تنته برحيل أوّل الزرّاع، فالبذور انشقّت عنها عتمةُ التراب، وتذوّقت أوراقها البكر حلاوة الضياء.. نمت وأثمرت رغم حصار عدوّها، ونثرت في فضاء الوطن عطرها
لملم الدمعَ في عينيك والرصاص! شياطين الإرهاب اغتالوا من تُحب؟! بقيت حماس! وحماس طفلتك التي بدفء الدم تحميها! وحماس أُمك التي في حضنها تبكي، وفي حضنها تتعلّم أولى الكلمات.. وتحفظ مع خيوط الفجر أولى الآيات.. صنعوا الفكرة وبدمهم ارتوت، نخيلاً صارت الأشلاء! وتمزّقت الأجساد المتوضئة، فصارت زيتا يُضاء! تمزّقت الأجساد التي تبلى، وبقيت على صفحات الصمود الأسماء..
 

أحمد ياسين ووعد الصادقين بالثأر للحية البيضاء.. عبد العزيز الرنتيسي! وقهرٌ يفور في الصدور.. هم عرفوه وما عرفوا بأَن دمه طهر الصمت في فم مريم الصدّيقة، صبرُ الصحابة وهم ينزفون مطرًا مِن سكينة.. هم عرفوه وما عرفوا بأَن الأرض تعشق مَن يرويها، وبأَن الحكاية ظلُّ مَن يحكيها، هم عرفوه وما عرفوا بأن فتات لحمه حين قبَّل الأرض وهو يغادرها بدأ انتفاضة الرصاص.. وظنّوه ينهيها!

 
هو ذا النهار على مقربة! مَن غيرك يحمل ماء الوضوء ليغسل به وجه الفجر؟! مَن غيرك يتحسّس بالصبر جرحه، ويستر بالثبات القهر؟! مَن غيرك يا ابن البحر، وابن آيات الصمود بين الدَّم والأشلاء؟! يا ابن غزّة التي تمرّدّت على جلاّديها، وبصمتهم تحدّثت حين بعجزهم أرادوا أنْ يُسكتوها!
صمت! والصمت للجبناء! ولمن باعوا أنفسهم! ولمن رضوا بالسير بأحذية ليست لهم.. هم الحفاة! يخشون السير على جمر الجهاد، وهم العراة في أهلهم، بلا خجلٍ يسيرون، وعميان يصفّقون لهم، وعلى أنغام ذلِّهم يرقصون!

 
معادلة العروبة تكسَّرت في أفواه الصغار وهم يلفظون أرواحَهم في غزّة، بينما العروبة البكماء تتفرّج! واحترقت مجنونة بأنفاس الصامتين على الحريق ملامحُ الانتظار في سوريا والعراق! بوّابة الصمود في جارة البحر باتت مزامير للباحثين عن لهب الفداء.. نارُها امتدت لبوابات المقدس، وعلى كتفيها دمٌ واحدٌ بلغة القرآن يتحدّث! لعلّ الصحو يسكن الأعين المتراخية على حدود الغياب، لعلّهم ينطقون! فلسطين تقدمي، لا تنظري للخلف، فالكلّ في الوراء! لا تستمعي لمن يغريك بالتوقف، والمساومة على دم أبنائك، وتعلّمي من دروسك القديمة، فجّري الأرض بالغضب، كوني النار واللهب وكوني يقين شهدائك!

   undefined

 

موتى أيها الصامتون! والدم البارد يسكنكم، ولا نار في مضاربكم! يستصرخكم الصغار، مِن وطن الذبح يستصرخكم الصغار، لا وهج في عيونكم ولا نهار.. تلفّتون حولكم، تخيفكم أنفاسكم، ومن المرايا ترتجفون، يا ظلَّ أُمة امتطت السحاب، فأمطرت عدوّها بالعذاب تحرَّكوا، فغدا ياتيكم الحساب! مِن ارتعاش البيوت تحت القصف في البلدان التي دُفن في الركام أهلها، وسكنها الخراب! مِن مآذن المدن التي لم تُخفض بالتكبير صوتها! مِن أشلاء الأم حين تلتفُّ بالصبر على أشلاء طفلها! مِن فتات الجسد حين يصبح وحده السلاح! مِن الأقصى! القبلة والمسرى! تستصرخكم في صدور المرابطين الجراح! بينما يتحرّك العرب في قممهم الحائرة على رُقعة شطرنج.. أموالهم تصبُّ في غير بحرهم، وبلا نفير يتبدّد على حواف الخوف غضبهم! فلسطين رغم الجوع لم تستجدي خبزهم! لم تسألهم جيوشا بل شيئا من جرأة! وتمنّت عليهم لو يرفعوا خناجرهم عن ظهرها، لو يتركوها تواجه دون غدرهم عدوّها!

 
تمعن أمريكا اللقيطة في إذلالهم، تمعن في تهديدهم، وتُسمّي ذبح أطفالهم حقا مشروعا لعدوّهم، وتجد فيهم مَن يصغي، مَن يصمت! بينما تبتلع إرادتَهم، وتسخر مِن حكمتكم، وتُلزمهم بمزيدٍ مِن السكوت، والثمن وعود يعرفون كذبها، يكذّبون أنفسهم ويصدّقونها!

 
حكاية الأرض لم تنته برحيل أوّل الزرّاع، فالبذور انشقّت عنها عتمةُ التراب، وتذوّقت أوراقها البكر حلاوة الضياء.. نمت وأثمرت رغم حصار عدوّها، ونثرت في فضاء الوطن عطرها، ليتساقط رذاذه على وجه التراب مجاهدين وشهداء، بهم يتحقق الوعد، وتنتصر لبأس أرواحهم السماء!

 
لمن طال ليلُه.. قاسية الساعات الأخيرة! غير أنها الأقرب للفجر..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.