شعار قسم مدونات

وإذا خاصم فجر

مدونات - العفاسي

نهى الإسلام عن الفجور في الخصومة وجعلها علامة من علامات النفاق الخالص، وفي توضيح معنى "الفجور في الخصومة" أن تنسب لشخص ما ليس فيه من صفاتٍ وأفعال، وتلفق إليه الرذائل والسيئات جزافا ورجما بالغيب أو حتى تختلقها من اللامكان، ومن عواقب هذا الفعل التحاسد والتباغض وزيادة للفرقة ثم للكبر والعُجب، فالكبر وإعجاب المرء بنفسه يؤديان إلى تجاوز الحد في الخصومة والى رد الحق وغمط الناس.

 

لا يخفى على أحد مشهد الانقسام العربي والتجاذب المتباين بحسب "المصلحة" ما يجري على الارض من معارك واقتتال وحروب متلاحقة، بحاجة الى غطاء سياسي وشعبي ورسمي لضمان استمراره من جهة ولستر عوراته إن كان كذلك، فيصبح كل من صوته معك وليا حميما ومن خرج عن سمفونيتك ألدُ الخصام.

 

في كل موقف أو تصريح صحفي يصدر عن حركة حماس ولا يوافق مشاريع الرياض وتوجهات أبو ظبي، "تخرج فورا حملة شيطنة وتخوين ضد الحركة" من قبل أداوت السعودية الاعلامية وشيوخها، وينضم لتلك الجوقة التعيسة أصواتا من الامارات وما يسمى الاعلام المصري، باستثناء فترة التقارب الاخير بين مصر وحماس الذي شارف على نهايته دون جدوى تذكر.

 

أعلنت حماس موقفها المناهض للضربات الأخيرة على دمشق، هنا وجب التنبيه لأمر أن حماس لا تختار الأسد لا تسديدا ولا مقاربة، بل نتيجة حتمية لمشروع دول الاعتدال الذي تُعده السعودية الحليف الاستراتيجي لواشنطن ومن ثم تضيق الخناق على حماس أو من يمد لها العون فنجد حصار قطر في واجهة ومناوشات دبلوماسية بين أردوغان والامارات في واجهة أخرى، وهي مرآة تعكس حالة الاصطفاف ومآلاته، "اليوم دمشق وغدا غزة" من هنا تنطلق مواقف حماس.

 

الفجور في الخصومة صفة مَن لا خلاق له، ولا ولاء له، ينسون المعروف والإحسان، ويتذكرون الإساءة، ويتنكَّرون للجميل، ويَفجُرون في خصامهم وكيدهم للإسلام والمسلمين

هاجم القارئ مشاري العفاسي والمقرب من الإمارات، حركة حماس في تغريدة له قائلا "الحمد لله الذي كشف الإخوانجية الخائنين" في إشارة منه لبيان حماس الرافض للضربة الثلاثية، والسبب في ذلك تسويق أن إيران العدو الذي يتربص بالوطن العربي، ومن المفهوم أن الضربات إن كانت لإضعاف الاسد فهي إضعاف لمن معه "ايران" و هذا ما تزعم به الامارات والسعودية كهدف لها.

 

بلغ حجم التبادل التجاري بين طهران وأبو ظبي سنويا أكثر من 16 مليار دولار بحسب الجمارك الايرانية، فكيف له أن يقنعنا أن الامارات تقف في مواجهة إيران "إن كانت الامارات هي الرئة الاقتصادية لطهران؟ الإمارات طوق النجاة لطهران في ظل العقوبات الاقتصادية عليها، زد على ذلك أن معدل التبادل التجاري يرتفع بينهما 15 بالمئة سنويا، وحماس تُحاسب على موقف هم الاصل في تسببيه أي التقارب مع إيران بعد أن أغلقوا عليها كل شيء إلا باب السماء فهم لا يملكون مفاتحه.

 

الراجح أن كل من يطعن في حماس هو مُفلس تماما ولا يملك في جعبته أي برهان يخاطب به الجماهير وأخُص بالذكر "محور الاعتدال" الذي لم يفتأ بإعلان قيامه وتشكله حتى هرول لنتنياهو مُطبعا مستسلما معترفا بحق الصهاينة في فلسطين، هذا هو الاعتدال أنه الاستسلام والاستجداء، قال خالد مشعل أتحدى أن يقدم من يوصد بابه دون حماس سببا مقنعا لذلك، أو أن يقدم فعل ما أضر بمصالح هذه الدول، لكنهم يحاسبون حماس على أوهام إضافة الى أن العلاقة مع حماس مكلفة.

 

الفجور في الخصومة صفة مَن لا خلاق له، ولا ولاء له، ينسون المعروف والإحسان، ويتذكرون الإساءة، ويتنكَّرون للجميل، ويَفجُرون في خصامهم وكيدهم للإسلام والمسلمين، بينما أهل الإيمان والتُّقى والإحسان لا يعرفون الفجور والخصام، فهم ملزمون عند الخصام بألا يَمُرَّ على أحدهم ثلاث ليال، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما من يبدأ بالسلام، ما يجري خيرٌ لنا وإن زادت الشدة، فهي لحظة فارقة واختبار صادق لإماطة اللثام عن تلك المعادن المستورة بثوب الدين، أما المعادن النفيسة فزُجت بالسجن كالشيخ سلمان العودة وأما المعادن الصدئة فلن يطول بقاؤها.

 

قال تعالى: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.