شعار قسم مدونات

الله ليس كذلك!

مدونات - مسلمو الغرب

تقر زيغريد هونكه ابتداءً في كتابها "الله ليس كذلك" أنه ليس ثمة أمة يسيء الغرب فهمها مثل الأمة الإسلامية، وعلى الرغم من أن الغرب يتخذ موقفاً متسامحاً مع باقي الثقافات الأخرى، إلا إنه مع الإسلام يبدو أكثر تزمتاً، ويتبنى أحكاماً مسبقة ساعدت في ترسيخ صورة نمطية سلبية عن الإسلام والمسلمين.

 

تقدم هونكه كتابها هذا استكمالاً لدفاعها السابق عن الحضارة العربية الإسلامية في كتابها الأشهر "شمس العرب تسطع على الغرب" الصادر عام 1960م، لكشف زيف الأحكام المسبقة التي يتخذها الغرب عن الثقافة العربية الإسلامية، ووسم أصحابها بأنهم "رعاع للغنم"، وأنهم "محدثو ثراء فاحش من شيوخ البترول"، فضلاً عن تهمة "استعباد المرأة" وغير ذلك، لتتحول هذه الصورة النمطية إلى كره متأصل، وحالة مرضية يعاني منها الإنسان الغربي بسبب ما تكون لديه من معلومات مبتسرة عن الإسلام ونبيه، وفي هذا المقام ترى هونكه أنه ليس كل ما ينسب إلى الإسلام إسلامياً بالضرورة. فيقع المجتمع الغربي ضحية لحملات تشويه تعادي التنوع في بلده، لاسيما التنوع الإسلامي، والتخوف من ازدياد أعداد المسلمين في أوروبا بوجه عام.

 

من بدأ الحروب الصليبية؟

تذكر هونكه أنه شاع على يد الإنجليزي ويليام استخدام لفظ "محمديين" على المسلمين، ونقل قصصاً مغلوطة عما يفعله اتباع الدين الإسلامي إبان العصر الأندلسي، ووصفهم بأنهم من "محضري الأرواح والسحرة" و"مقدمي القرابين للأصنام". ورغم زيف هذا الادعاء إلا أن تسمية "المحمديين" ما زالت دارجة إلى اليوم في الغرب، وهو ما يدل على ضحالة الثقافة الغربية الشعبية عن المسلمين، وهو ما يثير الدهشة أن الغرب الذي عايش المسلمين ما يقارب ثلاثة قرون في الحروب الصليبية، عدا عن مجاورتهم ثمانية قرون في إسبانيا، إلا إنه ما زال يمتلك معلومات زائفة عن المسلمين، وينظر إليهم بوصفهم "عبدة الدرك الأسفل من الشياطين" كما وصفهم المدعو ويليام، والسر في ذلك كما ترى هونكه هو في عدم رغبة الغرب في تفهّم الإسلام بسبب جملة من الأحكام المتعسفة التي ساعدت في نشر التصور السلبي عن المسلمين في العقلية الغربية دوناً عن بقية شعوب العالم.

 

ترى هونكه أنه من أقصى الأحكام الظالمة التي يحملها الغرب عن الإسلام الذي يقال عنه إنه "انتشر بالنار وبحد السيف البتار"، وتؤكد أن الإسلام ليس ديانة تبشيرية والآية "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" كانت ملزمة لجميع الفتوحات الإسلامية

تذكر الكاتبة أن أحد أهم الأسباب التي ألحقت الصورة السلبية تلك، هو ما قام به بابا أوروبا الثاني الذي دعا إلى "تحرير قبر المسيح من أعداء الرب" كما جاء في خطابه، وما كان ذلك بحسب هونكه إلا لأغراض سياسية للكنيسة كان أهمها رأب صدع الكنيسة، وإعادة الكنيسة الشرقية المنشقة إلى اتحاد كنسي واحد تحت زعامته، ومثل هذه الدعوة كانت سبباً مباشراً لحروب صليبية بين الغرب والإسلام. وتستعرض هونكه أنموذجاً على العداء والكذب اللذان يمارسان في الغرب، فتذكر أنه بعد معركة حطين واستعادة البيت المقدس جن جنون أدعياء الحروب الصليبية، حيث قام بعض الرهبان بصناعة رسومات تجسد رجلاً "يدوس قبر المسيح"، وآخر "يصفع المسيح على وجهه"، ويطاف بهذه الرسومات في الشوارع وينادى بين الناس أن هذا الذي يضرب المسيح هو "محمد".

  
وتؤكد الكاتبة أن الأحكام المسبقة التي يملكها الغرب عن المسلمين لا زالت تتغذي على عدد من مغالطات وليدة سوء الفهم لصور دينية ظالمة للخصم. ومن مظاهر تلك الصور النمطية لدى الغرب: أولاً: ميدان العقيدة وتصور المسلمين للذات الإلهية، ثانياً: تصور الغرب لمؤسس تلك العقيدة والخلط بينه وبين الله، ثالثاً: في معرفتهم بالمؤمنين من المسلمين، رابعاً: في التعايش مع المختلفين بالدين، خامساً: وضع المرأة في التاريخ والحياة الزوجية والعمل، سادساً: في السياسة المعاصرة.

 

هل انتشر الإسلام بحد السيف؟

وتحت هذا العنوان، تبين هونكه مغالطة هذا التصور، وترى أنه من أقصى الأحكام الظالمة التي يحملها الغرب عن الإسلام الذي يقال عنه إنه "انتشر بالنار وبحد السيف البتار"، وفي معرض تفنيدها لهذا القول، تؤكد أن الإسلام ليس ديانة تبشيرية والآية "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" كانت ملزمة لجميع الفتوحات الإسلامية التي لم تكن تهدف إلى نشر الدين الإسلامي، وإنما "بسط سلطان الله في أرضه" بحسب تعبيرها، وتذكر أنه كان للمسيحي آنذاك حرية أن يمارس شعائره الدينية التي يؤمن بها. وما يؤكد أن الإسلام لم ينتشر بالسيف أنه بلغ المسلون في جنوب شرق آسيا 200 مليون مسلم؛ أي أكثر من عدد المسلمين العرب أنفسهم، كما أن الجيش الإسلامي لم يصل إلى مناطق الصين وروسيا وجنوب أفريقيا التي انتشر بها الإسلام.
 
ففي ذروة الحضارة العربية الإسلامية، تجلى شغف البعض في دخول الإسلام، والأخذ "بحضارة الفاتحين" إلى أنهم غيروا أسماءهم ولباسهم إلى العربية، بل كان التعريب حتى بطريقة الحياة والزواج، وهذا دليل على مدى "جاذبية التمدن العربي" آنذاك، إنه "السحر الأصيل الذي تتميز به الحضارة العربية في الكرم والتسامح وسماحة النفس"، وغيرها من قوة جذب لا تقاوم على حد وصف الكاتبة. واليوم، والمسلمون في أضعف حالاتهم يدخل في الإسلام مئات الألوف سنوياً من الغرب والشرق بلا حروب وغزوات.

 undefined

بينما في المقابل، وبعد سقوط الأندلس، وآخر مدينتين غرناطة والحمراء، فلم يكن انتصار الدويلات المسيحية على المسلمين سوى طردهم وإكراههم على دخول المسيحية، واستئناف نشاط محاكم التفتيش التي قامت بتعقب كل من يتخذ غير الكاثوليكية ديناً، والحرق العلني في احتفالات رسمية تحفها الشعائر الكنسية لكل من أعتنق الإسلام، فما انتهت دولة العرب في إسبانيا حتى اندثرت معهم "أزهى وأخصب حضارة ملكتها أوروبا في عصورها الوسطى"، وغرقت في بحر من التعصب الديني حيث لم تلغ محاكم التفتيش إلا في عام 1834م.
 

من أحرق مكتبة الإسكندرية؟

ثم تتناول هونكه واحدة من أكبر كذبات التاريخ وهي "حرق مكتبة الإسكندرية" فترى أن الرواية الغربية التي تقول إن عمر بن العاص حين دخل مصر أحرق هذه المكتبة، بحجة أنه إن وجد بها ما يتفق مع القرآن فلا حاجة له، وإن وجد ما هو مخالف وجب حرقة، هكذا وباختصار يروج الغرب في ثقافته هذا الفرية.

 

بينما تعالج الكاتبة هذه المسألة حيث ترى أن الغرب ما فتأ عن إلصاق التهم إلى العرب بتزييف حقائق التاريخ، وتذكر أن مكتبة الإسكندرية تم إحراقها في التاريخ لمرتين، الأولى: عام 47 قبل الميلاد، أما الثانية فكانت في القرن الثالث ميلادي بدءاً مع البطريرك المسيحي عام 272م الذي أغلق المجمع وطارد العلماء والفلاسفة، وأمر بحرق كتب "هؤلاء الكفرة"، وفي عام 366م قام القيصر فالنس بتحويل أحد المباني العلمية إلى كنيسة، وحرق كتبها واضطهد الفلاسفة ولاحقهم بتهمة "ممارسة السحر والشعوذة"، وفي عام 391م قام البطريرك ثيوفيلوس بإذن من القيصر ثيودوزيوس بهدم آخر وأكبر الأكاديميات المسماة "السرابيوم" والتي كانت قبلة لطلاب العلم، كما قام بحرق مكتبة هذه الأكاديمية وما تحويه من ثلاثمئة ألف مخطوط، وبالتالي فإن هذه المكتبات القديمة في مصر لم تكن موجودة أيام دخول العرب إلى الإسكندرية عام 642م، وبعد هذه الحقائق، ترى هونكه أن الغرب ما زال متمسكاً برواية كاذبة ابتدعها، في الوقت التي تثبت حقائق التاريخ غير ذلك.
    

undefined

 

وترى أن المسلمين لم يطلقوا على القرآن مسمّى "كتاب الكتب" ليتم تسويغ إحراق غيره من الكتب، بل هي تسمية مسيحية للإنجيل بتقليد عن الثقافة اليونانية، ثم إن سيرة عمرو بن العاص تتناقض وتلك الرواية الكاذبة، فهو نفسه الذي أملى نص المعاهدة التي تلزم جيوشه بعدم التخريب للزرع والمباني، أو استباحة المال والدماء والأعراض، بناءً على وصايا النبي بتجريم السلب والنهب، وهو العهد الذي يأخذ اتجاهاً معاكساً مع كل العهود التي سبقته، كما تأخذ رحلة عمرو بن العاص في دخوله مصر اتجاهاً معاكساً من رحلة النبي موسى في خروجه من مصر، فجاء في سفر التثنية الإصحاح السابع من 5-16 عند خروج موسى وقومه من مصر "ولكن هكذا تفعلون بهم: تهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم وتحرقون تماثيلهم بالنار.. وتأكل كل الشعوب الذين يهوه إلهك يدفع إليك. لا تشفق عيناك عليهم". وعلى عكس هذا الخطاب جاء نص عهد الأمان العربي الذي وقعه عمرو بن العاص مع بطريرك الإسكندرية المقوقس والذي جاء في نصه "يسري هذا العهد على جميع الرعايا المسيحيين وقسسهم ورهبانهم وراهباتهم، ويعطيهم الأمان لأنفسهم حيث كانوا، ولكنائسهم ومساكنهم"..
   
الله ليس كذلك، تعني ضرورة مراجعة كذبات التاريخ التي يتم تداولها في الغرب، فتخلص هونكه إلى ضرورة ترك الغرب لأحكامه المسبقة عن المسلمين، وما تحمله من مغالطات، وترى في آخر قولها أن الإسلام من "أعظم الديانات سماحة وانصافاً" مؤكدة أنها ليست منحازة له، فتدعو الغرب اليوم إلى قبول هذا "الشريك والصديق".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.