شعار قسم مدونات

إن كان سيأتيها وهي تقاتل!

blogs غزة

غزة رغم الوجع لم تحترف البكاء! غزة تضغط على جرحها النازف.. وتراقب أسراب الشهداء! كثيرة السكاكين التي تتحرك في العتمة تبحث عن دفء نبضها، كثيرة الأيدي التي تتحسس في ظلمة القلب عروقها كي تقطّعها! غير أن غزة تلملم أشلاء صغارها وترضى بمعادلة الدم وقد عزَت البدائل، تختار مواجهة الموت! إن كان سيأتيها وهي تقاتل..

 

غزة تختار! ومن يملك الخيار؟! حين يقابل الموتُ الموت! وحين تنغرس الصرخة في أقصى الحلق ويحترق الصوت! في معركة يكسبها من يتقن الصبر حتى الرصاصة الأخيرة! من يحترف الصمود وإن عزّت الذخيرة! يكسبها من يؤمن بأنّ النصر إرادة السماء، لا واقعا تفرضه الطائرات المحمَلة بالموت.. غزّة نخلة بفؤوس الجبن حذارِ أن تقطعوها! فهي تُثمر بارودا ونار.. وفسائلُها الصغيرة بغَدْركم لا تحرقوها! فتلك أكفُّ ثوّارها الصغار! نارٌ بيمينكِ يا غزة أشعليها! وبدم شهدائك غذّيها! وانتصبي واقفة كأشجارك! ضُمّي إليك أشلاء شهدائِك، وواجهي بيقينِ يعقوب قَتَلةَ صغارِك! وستأتيك بقميص يوسف العيرُ تحمل بشرى انتصارِك.. من عمق حصارك!

 

عار يتغشّى شوارعَنا! يمزّق فينا ويوجعنا.. فلْنلملم بيد الجرأة خرائطَنا، وبالرفض نرسم كرامتنا، لنتنفس العتق ولو مرّة! نغتسل بخيوط النور ولو مرّة! لنطير على أجنحة الفداء صوب القدس

تلك شوارعنا.. شوارع عروبتنا المسبيّة يعذّبها الانتظار.. تتلوّى بالغيظ حول السكين، وتستعجل عدوّها الذبح كي تستريح.. شوارع عروبتنا أرهقها التأرجح على حبال الشك، تظن نفسها تُغيّر ملامح سجّانها، فتعاود السقوط وهي تُلملم ركام الأقنعة مِن خلف قضبانها! مكمّمةٌ بالخوف الشوارع! تراه يتسلّل إليها من النوافذ، ومن شقوق الأبواب الكهلة، من حشو الوسائد وقد تخبّأ فيها مزق الأمنيات.. يتدفّق الخوف إليها مِن الأعين المدرّبة على تحسّس الضوء في أعين الرجال كي تطفئه! ينهمر من الهراوات الممتدة بالقسوة، وبقلوبٍ غُلّفت بالجليد، لتنبض بالبرد وهي تلامس الأجساد المشتعلة بالغضب!

 

شوارع عروبتنا مكبّلة بالأمعاء الخاوية! تئن على موائد المتخمين، تتجوّل في شوارع الذل بلا هامة! كأوراقٍ جافة تحترق، لتَهَب (مرغمةً) دفئها لمن أحرقها! وحين يصرخ الجوع في الأفواه الصغيرة يصمت الكلام، ويسقط الوطن، ليُصنع من حطامه رغيفٌ وكفن! شوارعنا سريعاً ما تشتعل! وسريعاً ما تنطفئ! لتنثر رمادها البارد على الجدران وفي المداخل، كلماتٍ تغادر النبض، فتمعن في تخدير الضمائر، لتنعم شوارعنا المكبّلة بالنوم، بينما غزة تسهر على الجمر، من فوقها مطر من نار.. ووحدها تقاوم!

 

عار يتغشّى شوارعَنا! يمزّق فينا ويوجعنا.. فلْنلملم بيد الجرأة خرائطَنا، وبالرفض نرسم كرامتنا، لنتنفس العتق ولو مرّة! نغتسل بخيوط النور ولو مرّة! لنطير على أجنحة الفداء صوب القدس.. وحين ننغرسُ زيتونا في باحات أقصانا، سنعيد الكرّة تلو الكرّة! لا مذاق يفوق النصر سوى الشهادة! فابذل يا ابن أمي دمك، واشدد بالصبر الجميل ساعدك! واغرس روحك في شعلة التراب، وسينصاع لإرادةِ الروحِ الجسد! ستصغرُ الدنيا فلا تكاد تراها، وستقترب مِن كتفيك السماء، لتصير امتدادا لنجومها.. تشتعل روحُك مثلها، فتشرقُ بالضياء!

لا تتخلّى عن يقينك.. يا ابن الشوارع التي ما انفكت تنزف دما وقهرا وشوقا للسلاح، لا تصدّقُ بأن هذا الزمن ليس لك.. لا تحفظ أغنياتِ عدوّك وإن حَمَلت لحن قومك، وحروف أبجديتك! تكذبُ الكلمات حين يتملَّكها الخوف، وتكذبُ أكثر حين تغريها المطامع! لا تنظرْ إلا في مرآة قلبك، فكل المرايا كاذبة مِن حولك! ستريك تاريخاً ليس لك، وسترسمك بغير ملامحك، وستدسّ بيد الإثم في عتمة روحك بذور ضعفك! أيها الثائر على صمتك لا تنحني للخيارات التي سيوهمونك بأنها الوحيدة، لا تستمع لفحيحٍ يدعوك لمصافحةِ السكّين وقد صفّقت لنزفك! عربيّ أنتَ مِن أمّة أحمدَ فلا تدعهم يلوّثون منك الجبين، وأمسك يمينَك عن صكوكٍ أُعدّت بلَيْل، لبيع المسرى وقبلة المسلمين!

 

قد طفح الكيل بالدمع! وصرنا ندفن موتانا أشلاء وفتاتا وكلمات! قد طفح الكيل بالغضب! وأمتنا مقهورة بين جلاّد وجزّار ومهرّج
قد طفح الكيل بالدمع! وصرنا ندفن موتانا أشلاء وفتاتا وكلمات! قد طفح الكيل بالغضب! وأمتنا مقهورة بين جلاّد وجزّار ومهرّج
 

تلك غزة تقاوم احتضار الصبر بإنعاش الذاكرة، تواجه الكون من رقعةٍ بحجم بذرة قمح! كي تنثر سنابل جرأتها في القلوب الثائرة.. تلك غزّة يُعدّون لها المحرقة! فإن أكَلَت سلاحَها النار احترقت في حقولنا الغلال، وما عادت تُرفع في أرض العُرب هامةٌ للرجال، تموت الأمم حين تتشبّث بالرخو من الحياة، وليس لها بغير الجهاد حياة!  

 

أمريكا تريد سحقنا، محونا من ذاكرة الأرض بحملة ترى الإرهاب لغة القرآن، فهل يسعف أمتنا الصبر الصامت إن زحف الغضب؟! هل يتكسّر النخيل دون ضجيج وقد كشف العدو عن بشاعة ملامحه، عن تحالفاته ومصالحه، وعن رغبته بتصفية هذه الأمة لصالح مسخ من صنعه؟ وهل ستكون لنا حجة أمام الله إن سكتنا ونحن نراقب أنفسنا نتهدّم؟!

 

الموت والحياة بيد الله وحده، فسارعوا إلى عهد الله بمجاهدة الظالمين والمنافقين، سارعوا لجنة عرضها السماوات والأرض، لا تطالها صواريخ العدو، ولا تمسّها سياط الجلاّدين.. وقفوا مع أنفسكم ولو لمرة واحدة، وستجتاحكم بإذن الله رياح اليقين! قد طفح الكيل بالدم! والمسلمون في كل أرض يذبحون، وتعاد صياغتهم وفق عالم جديد من صنع فراعنة جدد! قد طفح الكيل بالدمع! وصرنا ندفن موتانا أشلاء وفتاتا وكلمات! قد طفح الكيل بالغضب! وأمتنا مقهورة بين جلاّد وجزّار ومهرّج.. قد طفح الكيل! وويل لمن أراد أن يزيدنا من هذا الكيل!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.