شعار قسم مدونات

لماذا لم تعجبني "داري يا قلبي"؟

blogs داري يا قلبي حمزة نمرة

حمزة نمرة نجح كعادته في التعبيرعما يجيش في صدور ملايين من جيل الثورة، كليب داري يا قلبي سيطر على أحاديث رفقاء الميدان لصدق تعبير كلماته عن واقعهم، أدى حمزة واجبه كفنان في التعبير عن واقعنا، لكن السؤال هل الاستسلام لهذا الواقع صحيح؟ استسلام اللاجئ عن وطنه قسرا لمشاعر الغربة والحنين؟ استسلامنا للخوف من الكلام ولغلق أبوابنا عن الناس؟!

رأيي أن قطاعا واسعا من طليعة شباب الثورة سلم نفسه طوعا للهزيمة المبكرة! نعم أراها هزيمة مبكرة ارتضى القطاع الأكبر من شباب الميادين الدخول فيها، التقيت بعض الرفاق يتجنبون أحاديث الثورة وأغانيها وصورها، بعض من استضافتهم الفضائيات أيام الثورة دخلوا حالة بيات ثوري منذ انتكاس الثورة، بعضهم لملم شتات نفسه بعدها وانطلق يستفيد من الوضع الجديد الذي وجد نفسه فيه والأغلب ما زال تائها يحاول الهرب من ماضٍ لن ينفك عنه ولو أراد.

مفهوم أن يغلق الإنسان بابه على نفسه بعد انتكاس مشروعه وبعد خواء الميادين التي طالما ارتفعت فيها صيحات الحرية والكرامة، مفهوم أن يتعذب الإنسان بالحنين عاما أو اثنين، لكن أن يتجمد الإنسان في مكانه أربع سنوات حزنا على ما فاته فهذا ما أسميه "الهزيمة المبكرة"، هزيمة اختيارية ارتضى بعضنا الدخول فيها فتحولت منشورات التحليل السياسي للحديث عن الدوريات الأوروبية واستبدلت صور المتظاهرين لصور من مسلسلات "game of thrones" وبدلا من أن تتحول غربتنا الإجبارية لـ"تحيز" إلى فئة الثورة بات كثير منا يمهد الطريق للثورة المضادة دون أن يدرك ربما عن طريق قتل الأمل في النفوس!

لا ينبغي أن تتحول مجموعات " الواتساب " التي تجمع رفقاء الميدان لمنتديات فنية تناقش أفلام الدراما والأكشن المفيد أن تناقش تجارب الثورات وأن تنظم منتديات فكرية تقيم نقاط الضعف ونقاط القوة

الثورة جولات وليست جولة واحدة، والمهزوم فيها من يسلم بالهزيمة ويرتضي بها والميدان واسع مفتوح لمن صدق في الانتساب إلى الثورة، ظني أن السيسي لا يريد من مناهضي انقلابه العسكري أكثر من غلق البيبان على أنفسهم والتقلب بين آهات الغربة ونوستالجيا الحزن المكشوف! أدى حمزة دوره في كشف حالنا فهل نؤدي نحن دورنا بالخروج من هذه الحالة لنثور على الطريقة التي ثار عليها من فارقونا؟ 

ففي ميزان الثورات التي رافقت ثورتنا في ليبيا واليمن وسوريا نحن من دفعنا الثمن الأقل رغم فداحته! وفي ميزان التاريخ تنتكس الثورات بعدما يظن من أطلقوا شرارتها، هكذا تعلمنا فما بالنا بثورتنا التي انطلقت في وقت كانت "نخبتنا" تجيب على سؤال "لماذا لا يثور المصريون؟" على حاكم تمكن من الدولة ثلاثين عاما أنهك فيها كل معارضيه وهمشهم وتحالف مع عجائز صنعهم على عينه ليمثلوا دور المعارضة.

 

أبهرت ثورتنا الدنيا لحظة انطلاقتها وأشاد بها العالم حتى نظر البعض لريادة المصريين في الثورة على الطغيان، وأخطأنا كما يخطئ الثوار لكن من وجهة نظري لم ننهزم ولن ننهزم أمام هذا الأداء الذي يقوم به السيسي إلا إذا استسلمنا لـ "الهزيمة الاختيارية المبكرة"، إلا إذا أغلقنا على أنفسنا الأبواب وارتضينا أن نكتوي بنار الغربة بدلا من أن نستفيد من الأبواب التي فتحتها لنا، في ظني أن سعادتنا في أن "نحلم لبكره الجاي" ولو ما جاش أحنا نجيبه بنفسنا، الثورات تنتصر "بإنسان جواك وجوايا" وليس بـ"سلام سلام مفيش كلام".

 

لا ينبغي أن تتحول مجموعات " الواتساب " التي تجمع رفقاء الميدان لمنتديات فنية تناقش أفلام الدراما والأكشن المفيد أن تناقش تجارب الثورات وأن تنظم منتديات فكرية تقيم نقاط الضعف ونقاط القوة في التجارب المشابهة! الخميني في منفاه الأول في العراق أو منفاه الثاني في أوروبا يسجل شرائط الكاسيت لأنصاره ويضع فيها خارطة الطريق التي سار عليها بعد عودته منتصرا إلى إيران، كذلك كان غاندي في جنوب أفريقيا قبل أن يعود إلى الهند.

في تجارب قريبة من تجاربنا كان المهجرون في الشتات هم نواة العودة ونواة البناء، أتذكر حكومة حماس الأولى التي شكلتها عقب فوزها في انتخابات 2006 كان أغلب وزرائها من أبناء الحركة الذين تلقوا تعليمهم وبنوا حياتهم خارج فلسطين، الشتات غريب علينا نحن المصريين، لم نألف معارضة قوية في الخارج ولا إعلاما مؤثرا يبث من خارج مصر، لكن هذا ما اضطررنا إليه، في النهاية أتفهم تماما ظروف الحياة القاسية في الغربة على كثير من رفقائنا، وأتفهم أن يكون ضغط الحياة المادية مانعا من الاشتباك المكثف مع الثورة وقضاياها، لكنني لا أتفهم أن يكون اليأس والإحباط هو مانع الحركة ومثبط الهمم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.