شعار قسم مدونات

هل حقا الأحلام ليست سوى للتمني؟!

blogs تفكير تأمل

ما حققتهُ أنتَ مِن أحلامِكَ، ذاكَ هو رصيدك في حياتك الدُنيا، وأعني التي حققتُها بسعيكَ أنتَ، ليست التي سعت هي باحثةٌ عنكَ لتقطفها كزهرةٍ صغيرةٍ -تملأُ الحديقةِ جمالًا- لتودِعَ مُجاورتِها لأصدقائها الزهور، ولكني أقصدُ الأحلام التي كانت تبعدُ عنك بُعد الشمسِ عن الأرضِ مسافًة، وصعبة المنالِ كقمةِ الجِبالِ عُلوًا، هذا هو رصيدكَ الحقيقي من الدُنيا، رصيدكَ الذي ينتمي إليك حقًا وعليكَ أن تفتخرَ بِه طِيلة حياتِكَ. ذاكَ الرصيد مِن الإنجازات يُرضى النفوسَ بمقاديرٍ مختلفةٍ، فرُبما حُلمٌ واحدٌ يكفي لبعض البشرِ، وألفٌ مثلُه لا يكفي في نفوسِ آخرين، المكيالُ هُنا ليسَ واضحًا وليس له معايير مُحددة، بل يَضعُ كلٌ مِنا معايرهُ التي ببلوغِها يرتاحُ قلبهُ ويطمأنَ منامهُ، ويأخذُ زفير الوصولِ فيشعر بالرضى لما حققه وأنجزهُ فلا يُبالي إن انتهى اليومُ باكرًا أو أشرقت الشمسُ متأخرًا، فلقد اكتفى بما وصلَ إليهِ.

وحتى بلوغ ذاك الشعور نسلُكُ الكثيرَ مِن الطرقِ ونُضحي من أجلِ الكثير؛ أملًا في الوصول، وعلى سبيل الوصولِ فدائمًا ننجحُ أن نصل لمُرادِنا في خُططِنا على الأوراقِ وأيضًا في أذهانا، ونحن بارعون في رسمِ تفاصيلِ لوحة الانتصار؛ حتى نُفتن في تفاصيلها، فذاكَ هُو أملُنا الوحيد الذي نبتغيهِ من الطريقِ، وهذا ما اعتاد الحالِمون فِعلهُ طُوال حياتهِم فمنهُم من وصلَ وانتشى بانتصارِه ووصوله إلى مُرادهِ، ومنهُم من مات على الطريقِ مُحاولًا، وكفاهُ شرفًا سعيهُ.

حُلمٌ، ذهبَ بِك قلبُك إلى امتلاكهِ وأُغري عقلٌك بكُل تفاصيلِه، وصارت رُوحكُ تأمنُ بوجودِه قريبًا لها، حتى صار جسدكُ بكلِ ما فيه يُرشِدُكَ للوصولِ الى ذاكَ الحُلمِ. مُتخذًا رعاية الله في طريقِك، تبدأ بسمهِ أُولى خُطواتِ الوصولِ إلى مُرادكَ ودائمًا كُلُ البِداياتِ جميلةُ تفاصيلُها ولكنها مُجردَ البدايةِ ومازال الطريقُ يحملُ الكثيرَ مِن الخبايا. تمرُ الأيام يومًا تِلو الأخر وتذهبُ البداياتِ وحماسِها إلى مُحاربِ آخر للتوِ بدأ رحلتهُ، وتستمرُ أنتَ في الرحلةِ راغبًا في أن ترى حتى للطريقِ نهايةً -ولو كانت بعيدة-.

الأحلامَ ليست سِوى للتمني؛ حتى أن يشاءَ الله، وأن السعي إلى الأحلامِ يُريح القلبَ، ويُثبتُ النوم ليلًا، فتنموا ما شِئتُم ولا تُعلِقوا بهِ قُلوبكَم؛ فالحُلمُ "سِلاحٌ ذُو حدينِ" يُميتُ قُلوبً ويُحي القليل مِنها

ولأنَ الأيامَ لا تنتظرُ أحدًا -أيا كان من هو-، فتمرُ ويأتي معها وساوِسُ الشيطان فيأخذُكَ عقلُك وأنت مُهلكً من أثر الطريقِ إلى أن تعود من حيثُ أتيتَ؛ فالطريق لم تظهر نهايتهُ بعد، فرُبما تقضي بقيةِ حياتِكَ على هذا الطريقِ حتى الموت! تمرُ الساعات ويتقلب الليلَ ليبدأ الصباحُ وتشرقُ الشمس، ولأن القلب لم يستقم ولن يستقيم أبدًا؛ فيضخُ في جسدِكَ قُوة تُكمل بها طريقك، ويشجعك على الوصول متناسيًا لوساوس الشيطان تلك وكأنه مُصابٌ بالجِنونِ.

وبينما أنت على مشارفِ الموتِ شوقًا لمُرادك، فتأتي البُشرى لتمُد بصركَ إلى أخر الطريقِ فتنظر إلى حُلمكَ ينبثقُ منهُ كُل معانِ الجمال وينظرُ لكَ ويكأنه كُتب لك أخيرًا. هنا خُلقت قوة بجسدك ورُوحك، ويكأنها طاقة البداياتِ أتت مرةً أُخرى لتحمِلكَ إلى ما أتيتَ من أجلهِ. في تِلكَ اللحظة من الزمنِ تُدرك أنك بالفعلِ فقدتَ كُل شيٍء غالٍ؛ من أجلِ أن تصلَ إلى هذه اللحظة، ولكن يا صديقي لم يُكتب لكَ ذاكَ الحُلم ولم يكُن ينظُر إليك حتى، بل كان ينظُرُ إلى آخرون، يُؤسفني يا صديقي هذا، ولكنهُ ليس مِلكُكَ رغم سعيكَ الذي يُثنى عليهِ كثيرًا. تمرُ السنين كما مرت من قبل ولكن تمرُ تِلك المرةِ بقسوةٍ لم يشهدُها قلبكَ مِن قبل، ولأنه ليس للقلبِ مِنوالٌ للحُب أو للكُره –غالبًا- فكما أحب قلبُكَ ذاك الحُلم وفُتن بِه، يلفت الآن أنظارهُ بعيدًا عنه ويُجبرك عقلك أن تكتُب خِطاب الرحيل بيديك التي طالما سعت من أجل إلقاء تحيةِ اللقاءِ.

يا لغرابةِ الأحلام!، تُفرُ من سُكنتِنا ويكأنهُ أصابنا العفن وقتما نرجُوها أن تسكن بجانبنا، وتأتي إلينا تتوسل أن تسكُن قُلوبِنا بعدما تركت بفعلتِها أثار الكُره في قلوبِنا. رُبما لم يكُن ذلكَ أول خِطاب رحيلِ تكتُبهُ لحُلمٍ غاب عنك وآبى بكل كبرياءِ أنا يشاركك لحظات حياتكَ، ولكنهُ كان الخطاب الأول الذي تتلوهُ على حُلمٍ ضحيتَ بكلِ ما تملكُ مِن أجلهِ فلم يكُن لكَ، وعندما انصرفتَ عنهُ يأتي تحت قدميكَ مُنكسرًا كِبريائُه يُريدُ أن يُرافقكَ في حياتِك، أتى إليكَ يرجو مِنك أن تغفرَ لهُ عن فِعلتِه فلا تُبالي بما يقولهُ وتتلو عليهِ تحيَّة الوَداع.

كيفَ نظلُ نطرقُ الأبوابَ طِيلة حياتِنا وعندما استجابَ ساكنيها ألقينا عليهِم تحيَّة الوَداع بدلًا من حرارةِ اللِقاءِ! في تلكَ اللحظةِ فقط تعلمتُ الكثيرَ مِن دُروسِ الحياةِ، أهمُها أنَ الأحلامَ ليست سِوى للتمني؛ حتى أن يشاءَ الله، وأن السعي إلى الأحلامِ يُريح القلبَ، ويُثبتُ النوم ليلًا، فتنموا ما شِئتُم ولا تُعلِقوا بهِ قُلوبكَم؛ فالحُلمُ "سِلاحٌ ذُو حدينِ" يُميتُ قُلوبً ويُحي القليل مِنها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.