شعار قسم مدونات

هل يمكننا أن نعتبر الزواج إنجازا نتفاخر به؟

blogs زواج

تظلُّ الفتاةُ تحلُمُ بالفارسِ الذي يأتيها على الحصانِ الأبيضِ ليخطِفَها وتحيا معهُ قصةً خرافيَّةً كقصةِ ساندريلا والأمير، إلى أنْ يطرِقَ بابَها أوَّلَ مُتقدِّمٍ لها، تبدأُ تحيا الواقعَ على هيئتِه لِتُمهِّدَ لنفسِها أسباباً تشجِّعُهَا على قَبولِ الرجُلِ المناسبِ لها، ثُمَّ تبدأُ في رسم التهيُّئاتِ الخاصَّةِ بالرجُلِ بأنَّهُ سيكونُ الفانوسَ السحريِّ لها، من سيجعلُها أميرةً على كُلِّ النساء، وفي الواقعِ لا أحدَ يُحوِّلُ امرأتَهُ إلى أميرةٍ كما تريد.

كثيراً ما سمعتُ جدالاتٍ طويلةٍ على الفيس بوك أو على مواقع التواصلِ الاجتماعيِّ بشكلٍ عام بين الفتيات خصوصاً على أنَّ الزواجَ ليس بالإنجاز الذي تُحقِّقُه المرأةُ حين حدوثه، أو أنَّهُ تحصيلُ حاصلٍ لمرحلةٍ ستأتي تِباعاً في حياتِها، وهنا أرى ومِن وجهةِ نظري فقط أنَّهُ حينَ يكونُ ناجحاً مُحقِّقاً هدفاً سامياً بإنشاء جيلٍ يعملُ على التغيير يكون بحدِّ ذاته إنجازاً، لن يكون إنجازاً حين تتزوجي رجلاً عادياً لن يُضيفَ لقاموسِ إنجازاتِك شيئاً، أو حينما تكوني أنت عادية مثل كُلِّ النساء، حين تحلُمينَ بأن تكوني أميرةً يُفضَل أن تكوني أنتِ بذاتِك هذه الأميرة حين تصقلي كل ما لديكِ من خبرة وميِّزاتٍ شخصيَّةٍ لعالمٍ أنت ستكوني مسؤولةً عنه، وحينما تضيفي لنفسك ميزاتِ ذاك الرجلِ غير العادي من كنتِ له سنداً في محنته أو داعمةً لإنجازه وحلمه، أو حينما تكوني جيشَهُ الوحيدَ حين يتخلى عنه كل من حوله عداكِ، في ذاك الوقت فقط ستكونين أنتِ الأميرة وسيكونُ الزواج بحدِّ ذاتِه إنجازاً.

لبيت أُسِّسَ على الحب سيخرجُ أناسٌ عُظماءَ لو أردنا ذلك، وما هناك أعظمُ من الحِبِّ لِيُخرِجَ عظماء، وما هناكَ قُوَّة أقوى من الحب لتصقلَ روحاً توَّاقة تسعى لجعل العالم أطهر وأنقى

أسرحُ في خيالي برهةً يُخيل إليَّ أنني لن أكونَ أُمَّاً عادية يوماً؛ فأنا التي سأُربِّي جيلاً يكونُ تحريرُ القدسِ أوَّلُ همِّه، وأنا التي سأبني قيماً سُلِبَت في زمنٍ مليءٍ بالبهتانِ والنفاقِ والكذب، سيكونُ جيلاً يحملُ القرآنَ في قلبِهِ ويحمِلُ هَمَّ أُمَّةٍ كاملة في فكرِهِ فبذلك تكوني أميرةً بابنٍ أعادَ مجدَ أُمَّةٍ كاملة.

لنعدُ إلى ذلك الحُلُمِ الذي كانت الفتاة تحلمُ فيه من قبل، وننظر إلى الفارس الذي جاءَها على هيئةِ رجُلٍ واقعي، يكونُ الفارسُ فارساً حين لا يكذِبُ على هذه الفتاةِ فيروي لها أحلامَهُ البسيطةَ والتي يعي جيداً أنها تحتاجُ إلى جهدٍ كبيرٍ من كلا الطرفين لإنجازها، لا تلك الأحلام الوردية التي لا تكون إلا بالخيال، يكون فارساً حين يجعلُها عظيمةً بكلِّ قُدرتِه، حين يبذُلُ كُلَّ جهدهِ لتحيا حياةً واقعيةً بعيداً عن أحلامِ الطفولة، أو لنقل أحلام الكهولة، فالحلم يبقى حُلُمَاً حين تكون طفلاً أو كهلاً. الفروسية تكون بالحب، والتضحية بالإخلاص والوفاء لا بقصورٍ تُبنى في الهواء حتى إذا ما نزلت على الأرض باتت هباءً منثوراً فلم تجد من تلك الأحلام سوى ألماً يصفعُها صفعةً يُحييها في حزنٍ وحرمانٍ طوالَ حياتِها.

المعروفُ عن الزواجِ أنَّه حُلُمٌ لشخصين اتفقا على تحقيقه معاً، ستأتي إحداهُنَّ وتقول أنه زواج! وحلم! وأنا أقول لها نعم، حُلُمٌ بأن يبني بيتاً على الاستقرارِ والتفاهُم، جدرانُه مبنيَّةٌ بالحب، وسقفُه مرويٌّ بالاحترام وأعمدته من التضحية والتحمل. وعمره يمتدُّ من اليوم الذي تتخلى فيه الفتاةِ عن حلمِها البهيِّ لتحيا واقعاً أبهى لو أرادت ذلك، ويكون عند الرجل من اليوم الذي يقرر أن يقتُلَ وحدتَه بشريكةِ عُمْرٍ تبني له عالماً من الحُبِّ تعينه على مشاقِّ الحياة وترسُمُ بيدها طريقاً يأخذهما معاً إلى الجنة، حين ينويانِ أنْ يكون هذا الزواج طريقاً يسلكانه لرضا الله، ويهبَا كُلَّ شعورٍ وكُلَّ فرحٍ وكُلَّ ضيق وألم وأمل يحييانه لله، حينها فقط يكون الزواجُ إنجازا.

لبيت أُسِّسَ على الحب سيخرجُ أناسٌ عُظماءَ لو أردنا ذلك، وما هناك أعظمُ من الحِبِّ لِيُخرِجَ عظماء، وما هناكَ قُوَّة أقوى من الحب لتصقلَ روحاً توَّاقة تسعى لجعل العالم أطهر وأنقى، تجعلُه أرقى وأصدق، يكفي أنَّهُ ميثاقٌ من الله حلَّلَهُ لنا لنتقوَّى ونستنِدَ على بعضنا البعض لنكونَ ذاكَ الاختلاف الذي ينتظِرُهُ العالم، يكفي أنْ نُحِبَّ لنحيا، وأن نتزوَّجَ لنصنع هذه الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.