شعار قسم مدونات

بين الاحترافية والاستفزاز.. الإعلام الجزائري يهوي لفئة الصغار

blogs الإعلام الجزائري

يضرب الإعلام الجزائري جذوره في الأرض عميقا بتاريخ يشهد له دفاعه عن الوطن وقضايا مجتمعه. فمنذ سنة 1908 وصدور أول صحيفة المسماة الجزائر على يد عمر راسم لم يتوقف الإنجاز الإعلامي وتلتها بعد ذلك جريدة الحق ثم الفاروق التي تم توقيفها ومصادرتها. إلى أن قام ابن باديس بإنشاء مطبعة وهيئة تحرير سنة 1925 جاءت بعدها أهم الصحف مثل المنتقد والشهاب. وفي ظل هذا الوقت الذي كانت فيه الصحف تعبر عن إرادة الشعب كان الاحتلال يقف بالمرصاد فسعى إلى مصادرتها وغلق مكاتبها وسجن رجالها.

بعد الاستقلال عرف الوسط الإعلامي نقلة نوعية ظهرت على إثرها مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الجزائري، فلم تختلف مهامها عن سابقتها خاصة في أعوامها الأولى ظلت تنقل حياة الجزائريين ومشاغلهم.. ومنذ سنة 2011 أصدرت الجزائر قانون فتح المجال السمعي البصري لأول مرة بعد الاستقلال، تأمل فيه الجزائريون ظهور قنوات تضاهي القنوات العالمية في الخبرة والمصداقية. لم يخفي أحد فرحته بهذا القرار، الذي جاء ليفتح مناصب عمل أمام طاقات شابة كانت تنتظر فرصة الظهور ولم يخب الظن في درجة الاحترافية التي وصلتها بعض القنوات في سرعة نقل الأخبار وتغطيتها والدخول لقلب المجتمع الجزائري. فرأينا جزائرا غير التي عهدناها.

إلا أن هذه الأخيرة أوصلتها المواصل إلى الغوص أكثر من الازم وأصبحت تشكل خطرا على شخصية مجتمع جزائري له باع طويل وسمعة واسعة في كونه مجتمعا محافظا ظل يحافظ على هيبته واحترامه لمدة طويلة. لا أدري إن كان لي الحق في الحديث عنها تحت شعار أهل مكة أدرى بشعابها، إلا أن المستوى الهزيل الذي بلغه الإعلام في الجزائر يستدعي وقوف أقلام النقاد والكتاب والخطباء وقفة رجل واحد يضعون فيها حدا لمثل هذه التجاوزات التي تدخل البيت الجزائري، تحت شعار الاحترافية والعالمية وهي بعيدة كل البعد عن هذا. لا يزال الإعلام محرك الشعوب وباعث النهضة والسلطة الرابعة إلى تحرك الجماهير نحو غاياتها إذ يقول عنها مالك بن نبي "إنها فعلا سلطة ذلك أن الصحيفة إذ تحول الرأي العام في هذا الاتجاه أو ذاك تصبح أداة سلطة ذات أهمية كبرى في عالم، عالم القرن العشرين يشير كل ما فيه على مبدأ القوة والسيطرة" مالك بن نبي.

 

يغيب التوجيه عن وسائل الإعلام الحالية فأصبحت تكرس الانحطاط الحضاري غير آبهة بذلك. فبقدر ما تبتعد عن معالجة مشاكل الأمة الحقيقية وقضاياها المصيرية كلما سرعت وتيرة الانحدار الحضاري وفقدت ثقة الجماهير

من أجل التغيير في عالم يشير كل ما فيه على مبدأ القوة والسيطرة لا عجب أن يكون الإعلام الذي أعوض به كلمة الصحيفة المحرك نحو الأعلى أو الأسفل. ويكمل بن نبي حديثه إذ يقول "يمكن للصحيفة أن تكون أغلالا في بلد من بلدان العالم الثالث لا يراد فيه للأفكار أن تذهب من هنا أو هناك". موجهة الرأي ومحركة الشعوب والسلطة الرابعة يجب أن تكون في يد من يحسن توجيهها ينقلها من مستوى التقليد إلى الابتكار ومن مستوى تعداد العيوب إلى إيجاد الحلول.

 

لا نريد إعلاما ينفصل فكره وهدفه عن الشعب إنما نريد إعلاما خادما لأفكار الشعب محولا غايتها نحو الأحسن. يضيف عبد الرحمان عزي مجموعة من الأفكار حول الفكر الإعلامي عند مالك بن نبي حول مكانة الإعلام في معادلة الحضارة إذ يقول الإعلام في معادلة الحضارة ينتمي إلى الزمن قادرا على تسريع عملية الانحطاط الحضاري أو إبطائها. والملاحظ في الخارطة الإعلامية أنها عاجزة عن توجيه سلم الحضارة نحو الأعلى رغم قدرتها على ذلك نراها تائهة منشغلة بسفائف الأمور تترصد الأخطاء والعيوب لتشغل الناس عما هو أعظم عن بناء الحضارة وتوجيه بوصلة الأمة مما جعلها عاجزة عن جمع الطاقات وتوجيهها، إن ما ينقص المجال الإعلامي في الجزائر هو التوجيه ذلك الذي يعرفه مالك بن نبي أنه قوة في الأساس توافق في المسير ووحدة في الهدف.

 

يغيب التوجيه عن وسائل الإعلام الحالية فأصبحت تكرس الانحطاط الحضاري غير آبهة بذلك. فبقدر ما تبتعد عن معالجة مشاكل الأمة الحقيقية وقضاياها المصيرية كلما سرعت وتيرة الانحدار الحضاري وفقدت ثقة الجماهير وأصبحت غير مخولة للحديث بألسنتهم. يقول بن نبي تحدد قيمة المجتمع بحجم الأفكار التي تحركه والإعلام هو المنصة التي تحمل هذه الأفكار فهو القادر على صنع الرؤية المستقبلية للشعوب وتوجيهه نحوها. في رؤية استراتيجية قادرة على نقل المجتمعات الغير متحضرة من مرحلة الأفول إلى مرحلة التحضر.

لم يتحرر الشعب الجزائري لولا أقلام الكتاب والصحفيين التي بنت الوعي ومهدت للثورة، ولن يتحرر الشعب الحالي من أفكار الجهل التي تسيطر عليه إذ لم تقم له أقلام الموجهين والإعلاميين. وإن إعلامنا لهو الأولى بنا ونحن الأولى به فهي دعوة إلى الإعلاميين وإلى من يرفض الواقع الهزيل للإعلام الجزائري أن قوموا لإعلامكم يرحمكم الله وأخر الوصية لمالك بن نبي إذ يقول "إذا كنا نريد صحفيين موهوبين وصحافة تتبوأ مركزها في عداد الصحافة العالمية الكبرى. يجب علينا أن نكون في البداية صحفيين متدربين".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.