شعار قسم مدونات

منْ وِحَدة الظلِّ إلى قَبَسِ الحقِّ.. نساءٌ حولَ موسى عليه السلام!

blogs قرآن

قصةُ موسى عليهِ السَّلام أكثرُ القصص ذِكْرًا في القرآن الكريم، تجلَّى فيها الإبداعُ الإخباريُّ القصصيُّ بتعدُّدِ المحطَّاتِ والوقفاتِ، دروسٌ وعبرٌ في كثيرٍ منْ مواقف الحياة المختلفة، ولكنَّ حديثي في بُعْدٍ مختلفٍ قليلًا، بعدٌ رابضٌ في ظلال الحكاية، لم يكن الحدث الأبرز، ولكنَّه شدَّني كثيرًا إذْ إنَّه جاءَ في كُلِّ مرحلةٍ منْ مراحِل الحكاية قبل التوكيلِ بأعظمِ المهام، وقبل اللقاء المرتقَب بفرعون، رحلةٌ تبدَّتْ معالِمُها بِدْءًا  بعاطفة الأمِّ وانتهاءً بعاطفةِ الزوجة، وحَوتْ بينهما أخْتًا بعاطِفةٍ ممزوجةٍ بلهفةِ الأمِّ وبالانتماء لرابطة الأخوة، وأُمًّا أخرى حنونًا هي أمٌّ في القضية.

 

هذه الكتيبة النسوية شكَّلتْ وِحدةَ الظلِّ التي عَنتْ بتأسيس موسى عليه السلام حتى تكتملَ معالمُ رجولته ويبُلغَ أشُدَّه وينزاحَ عنه فقرُه وعازتُه، فيكونَ جاهزًا للقاءِ فرعون عُدَّةً وعتادًا، فهذه تكاليفُ الرِّسالة لا بُدَّ لها منْ إعْدادٍ من المهدِ حتى تحينَ الساعةُ ويجهرَ المبلِّغُ بالحقِّ صادِعًا بما يُؤمر، وكلُّ ذلك يتمُّ بحولِ الله وقُدرَتِه: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي}، تلك المحبَّةُ التي جعلتْ منهُ محبوبًا لكلِّ منْ رآه، محبَّةٌ جعل امرأةَ فرعون ترعاه وتحميه، محبَّةٌ دلَّتْ قلبَ أخته عليه، محبَّةٌ طبَّبتْ قلبَ أمِّه المكلوم فردَّتْه إليها بإذن الله، فكانتْ صنعتُه مُتقنَةً على عينِ الله في ذلك المصنعِ النسويِّ حيثُ الرجولةُ تصنعُ بإتقان!

 

الأمُّ نَواةُ الوِحدة ومؤسِّسَتُها

لعلَّ الأرضَ لمْ تعرِفْ عاطِفةً في عِظَمها وحرارَتِها كعاطفِة الأمِّ على ولدها، ففي الصحيحين عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: "قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟» قُلْنَا: لَا، وَاللهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا»". 

 

القلبُ الملهوفُ يأبى النسيانَ ولا تقرُّ عينُه إلا باحتضانٍ جديد، تهتزُّ أركانُه حينَ تجدُ ريحَ ولدِها بين يَدَيْ فرعون تخشى عليهِ منْ بطشِه وجبروتِه، فقدْ ألقتْ به منْ قبلُ في اليمِّ اتقاءً لشرورِ فرعون فما عساها تصنعُ الآن؟!

فلولا عِظَمِ هذه الرحمةِ لما وُضعتْ في هذا الموضِع من المقارنة، فولدُها يبقى في عَينيْها طفلَها المُدلَّلَ حتى لو غَزَاه المَشيب، تقلقُ لمرضِه لو كان مزكومًا، وتأسى لحزنِه لو كان مهمومًا، وتخشى عليه الشوكةَ تصيبُه لو كانَ ألمُها يسيرًا، فكيفَ بالفقدِ والبِعاد؟! وكيفَ تكونُ هيَ منْ يُلقِيه بعيدًا عنها إلى حيثُ لا تدري؟! أيعقلُ أنْ تنتزِعَ قلبَها وتهبَه لِيَمٍّ لا تدري إلى أين منتهاه وهل له مِنْ مرجع؟!

 

ولكنَّه أمرُ الله فلمْ يكنْ لها خِيَرة: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}، والوحيُ كانَ إلهامًا أو إعلامًا فقدْ كانَ لما كانتْ عليهِ من الإيمانِ واليقينِ، كانتْ تدرِكُ أنَّ الصنعةَ لا بُدَّ لها منْ إتْقانٍ وتجويد، وتدرِكُ أنَّ المهامَّ العِظامَ منوطةٌ بمنْ رسخَ معنى الإيمانِ في قلوبِهم وثبت، وأنَّ الرِّباط على التخومِ لازمٌ كالرِّباط على القلوب، وأنَّ جهادَ الإعدادِ والإمداد رئيسٌ سائِسٌ لمرحلةٍ قادمة في الطريقِ إلى قبسِ الحق، وأنَّ التضحياتِ لا بُدَّ أنْ تُبذَل وسلعةُ الله أغلى من الولَد وإلى الله المصير.

 

ولكنَّه القلبُ الملهوفُ يأبى النسيانَ ولا تقرُّ عينُه إلا باحتضانٍ جديد، تهتزُّ أركانُه حينَ تجدُ ريحَ ولدِها بين يَدَيْ فرعون تخشى عليهِ منْ بطشِه وجبروتِه، فقدْ ألقتْ به منْ قبلُ في اليمِّ اتقاءً لشرورِ فرعون فما عساها تصنعُ الآن؟! أتبدي به وتقولُ هذا ولدي؟! ولكنَّ الله عز وجلَّ ما كانَ ليتركَها حتى يشدُّ عرى الإيمانِ فيها ويربِط على قلبها فتصبرَ وتحتسِب وتحافظَ على هدوئِها واتزانِها في معركة الإعداد والإمداد، حتى لو كانَ قلبُها فارغًا منْ كلِّ شيءٍ عدا موسى عليه السلام: "وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"، فسبَقَ حزْنُها حزنَ يعقوبَ على يوسُفَ عليهما السلام، فقدْ كظَمَ يعقوبُ عليه السلام حُزنَه حتى ابيضَّتْ عيناه مملوءًا بحزنه لا يُبينُه، ولكنَّ الحزن اخترقَ قلبَها حتى ربطَ الله عليه، وما أعظمه ذلك الحزن الذي لولا رباط الله لانكشف وبان!

 

الأختُ قصَّاصةُ الأثر

ذلكَ التقديرُ الإلهيُّ الذي اختارَ أمَّ موسى عليه السلام لتشكيل نَواة الوِحدة، لمْ يكنْ ليختارَ أختَه صُدفةً لتكون العينَ التي ترعى الإمدادَ بعدَ الإعداد، كلَّفتْها أمُّها بمهمِّةٍ خطيرة غايةٍ في السِّرِيَّة فعيونُ فرعونَ كثيرة، ترقُبُ كُلَّ بيتٍ وقابِلة، وكُلَّ تحرِّكٍ وانتقال، وبعدَ النجاحِ في إخفاءِ موسى عليه بعدَ إرضاعِه وصنعِ تابوتٍ له ليضمَنَ انتقالَه بسلاسةٍ إلى يَمٍّ تحرسه عينُ الله، كان لا بُدَّ من المتابعة الحثيثة لضمان نجاحِ ما تمَّ التخطيطُ له، إنَّ اختيارَ الأختِ يعودُ لأنَّها أمُّ أخرى تملكُ شيئًا منْ عاطِفة أمِّها فتكونَ حريصةً على موسى عليه السلام، تخشى عليه منْ أيِّ أذيَّة، كما أنها امتازتْ ببصرٍ حادٍّ وذكاءٍ، فأدركته وأبصرته عن جنابة دونَ أنْ تتركَ أيَّ أثرٍ فلا يَشعر بها حُرَّاسُ فرعونَ وجنودُه وعيونُه: "وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ".

 

كانتْ أختُه عليه السلام منْ جنودِ الطليعةَ في الوحدة، وكانتْ تمثِّلُ عنصر الذكاء اللوجيستيِّ وتؤكِّدُ سلامةَ وُصوله حيثُ الوجهةُ التي أمرَ الله جلَّ وعلا اليَمَّ أنْ يرْسِلها إليه، إنَّ الأمَّ والأختَ كانتا مُوقِنتين أنَّ المنَّ والتوفيقَ والسلامةَ من الله، ومُدرِكتين كذلك لحساسية المهمة وعلى علمٍ أنَّ المتابعة الحثيثة من أسباب نجاحِ الأمر الربانيِّ، فامتازتْ أختُه كذلك بذكاء التدخل وحُسنِ تحليل الموقف في حال وقوع الأزمات، وكذلك فعلتْ! مُتَّكِلةً على السدادِ من الله المهيِّءِ لأسباب النصرِ والسؤدد: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}، فهيَّأ الله لأمِّه أنْ تكونَ مرضعتَه الوحيدة حتى يتسنَّى لأخته القيامُ بخطوتِها الحاسمة وبمفاوضاتٍ سريعةٍ لاستعادةِ أخيها بذكاءٍ مُطلقٍ لا يُثيرُ أيَّ شكَّ ولا يَترُكُ خلفَها أيَّ أثر، فكانتْ عُنصرًا رئيسًا في استعادةِ أمِّ موسى لموسى عليه السلام ليتحقَّقَ وعدُ الله لها باسترداده، ولِتَتِمَّ العمليةُ بإتقانٍ ونجاح رغمَ المخاطرِ التي اكتنفتها ولِتصِل الرسالة: "وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ".

 

الأُمُّ في القضية مسؤولة الإمداد

رغمَ كُلِّ الدقة والعناية التي حفَّت العمليةَ التي قادتها الأمُّ والأختُ فإنَّها ما كانتْ لتَتِمَّ لولا أمٌّ موحَّدةٌ عابدةٌ لله تقيمُ بين ظهراني أهل الكفرِ والشِّركِ لتؤدِّيَ دورًا حسَّاسًا بالِغًا في الأهميَّة، هي أمُّ موسى عليه السلام في التوحيد وامرأةُ فرعون، هي تلك التي ابتغتْ عندَ الله بيتًا في الجنَّة سائِلةً النجاةَ منْ فرعون وعمَلِه ومنَ القومِ الظالمين، فهيَّأ الله لها أنْ يقعَ حبُّ موسى عليه السلام في قلبِها فتحبَّه حبًّا شديدًا لتضعَ حدًّا للنصائح المُلقاةِ على مَسمَعِ فرعونَ ومرآه، فبِحِنْكَتها وذكائِها: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}، فرغم توجُّسِ فرعون الشديدِ من هذا المولودِ وتحذيرِ بطانتِه وزبانيتِه له منه، فإنَّ فطنةَ وكيدَ امرأةِ فرعون كان الأحكم والأمكن وإرادةُ الله كانتْ فوقَ كلِّ إرادة، فوضعت ذكاءَها ومؤهلَّاتِها وقدرتَها على الإقناع فِعلًا وقولًا في موضِعٍ حيويٍّ لا تموتُ فيه قضيَّةُ بل تحيا وتتجدد وأعداؤها بحول الله وقوتِه لا يدركونَ عظَمَ فعلِها وعملَها المُتقنَ وأنَّها دشَّنتْ طريقَهم للهلاك.

 

لينَ الطباعِ ورِقَّةَ القلبِ من سماتِ الأنثى الواضحة ومن صفاتِها المُحبَّبة لدى الرجالِ، وهي سماتٌ تأسرُ القلوبَ وتوجهها نحو طلبِ السكينة والطمأنينة
لينَ الطباعِ ورِقَّةَ القلبِ من سماتِ الأنثى الواضحة ومن صفاتِها المُحبَّبة لدى الرجالِ، وهي سماتٌ تأسرُ القلوبَ وتوجهها نحو طلبِ السكينة والطمأنينة
 
الزوجة بنتُ العقيدة وبوصلة الثبات

وبعدَ أنْ اكتملَ الدورُ الثلاثيُّ لأمِّه وأخته وامرأة فرعون الذي تجلَّى في بلوغه أشدَّه ليستويَ ويؤتيه الله حُكمًا وعِلمًا جاءَ دورُ العنصرِ الرابعِ الذي مع ختامِه سيصبحُ موسى عليه السلامُ جاهزًا لتلقِّي الرسالة وللقائه المرتَقَب بفرعون، فتدورُ عجلةُ الأحداثِ بتسارُعٍ منتظمٍ دقيق ليُكتبَ على موسى الخروجُ والتوجُّه لوجهةِ الإعدادِ الأخيرةِ ولِنقطةِ انطلاقه نحو قَبَسِ الحق، فموسى عليه السلام صلبٌ قويٌّ غلبَ عليه ذلكَ في أولى مداخلاتِه بعد أنْ بلغَ أشُدَّه ممَّا جعلَ ذلك الذي منْ شيعَتِه يقول: "قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ"، فكانَ لا بُدَّ له منْ لِينِ الطبعِ ورِقَّة القلبِ فوجَّهه الله جلَّ وعلا تلقاء مدين عسى أن يهديَه الله جلَّ وعلا سواءَ السبيل.

 

إنَّ لينَ الطباعِ ورِقَّةَ القلبِ من سماتِ الأنثى الواضحة ومن صفاتِها المُحبَّبة لدى الرجالِ، وهي سماتٌ تأسرُ القلوبَ وتوجهها نحو طلبِ السكينة والطمأنينة، فيرِدُ موسى عليه السلام ماءَ مدْينَ ليكونَ على موعدٍ مع قدرِ السماء، فبعدَ خشونةِ طبعِه في مدينتِه حيثُ كان، كانَ لينُ الطبعِ منه: {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}، ولينُ الطبعِ لازمَ قدرتَه الجسدية فاكتمل.

 

فيسَّر الله له إحداهما تمشي على استحياءٍ وباستحياءٍ تدعوه إلى أبيها ليجزيَه أجرَ ما سقى لهنَّ، تلك الأنثى التي خرجتْ وجاهدتْ في سبيل هدفٍ نبيلٍ وتحمَّلتْ العبءَ لمْ تعجزْ ولمْ تهنْ أمام ظروف الحياةِ الصعبة، خاطبت الرجال فلم تهن ولم تضعف، ولم تبخس معروفًا، وفوقَ ذلك كلِّه كانتْ فطِنةً ذكيَّة صاحبة بصيرة: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}، لتكونَ ملجأه وحصنَه ونبعَ حنانٍ يتشرُّب منه لينَ الطباعِ ورِقَّة القلبِ لتكتمل عناصرُ تبليغ الرسالة ولذلك نجدُ الله جلَّ وعلا يأمرُ موسى وهارون عليهما السلام: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ}، وبذلك انتهى عملُ تلك الكتيبة النسوية بنجاح وكُتِب لوحدة الظلِّ تلك أحدُ أعظمِ الإنجازاتِ على مرِّ الزمان، نبيٌّ كانتْ قصَّته في القرآن أطول القصص وأكثرها ذِكْرًا.

 

فيا لِفعْلِ تلك النساءِ ما أعظمَه وأتقنَه وأجودَه، وبهذه المناسبة لا يسعني إلا أنْ أُبرِقَ بتحيَّةِ إجلالٍ وإكبار لكلِّ أمٍّ وأختٍ وزوجة وأمهاتِ القضية منْ قدَّمنَ لهذا الوطنِ رجالًا عظامًا وقدَّمنَ من أعمارهِنَّ لتبقى قضيَّةُ الحقِّ والعدْلِ رايتُها مرفوعةً سامقة، لأمَّهات وأخوات وزوجات الأسرى والجرحى والشهداء، لكلِّ من بثَّتْ وعْيَ القضية في النفوس والعقول، للماجدات خلفَ السجون، للقابضات على جراحهنَّ النازفات، للقابعات خلفَ زنازين الظَلَمة في كلِّ مكان، للحرائر يبتغين للتحرير والنصرِ طريقًا، لشقائق الرجالِ ومصانِع الرجولة، أنتنُّ عنوانٌ للعزَّة والرفعة، وتاجُ شرفٍ وسؤدد على رؤوسنا جميعًا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.