شعار قسم مدونات

عقيدة البهلوان.. حُبٌّ لا يستحِقُّ الحلوى!

blogs حلوى المولد

قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"؛ في حالة خاصة من الاحتفاء، حالة ربانية فريدة من نوعها، لرسولِنا الكريم "محمد صلى الله عليه وسلم"، صلاة هي اصطفاء وتفضيل، هي تنقية وتربية وتأديب، هي تأصيل وتوضيع وتكريم، "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ". روى مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سُئِل عن صوم الاثنين فقال: "فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ"؛ يومَ مولده، يوم بزوغ شمس الهدى والإيمان، يوم مولده، بداية لأعظم الدول التي قامت على مر العصور، يوم مولده، كانت البداية لإخراج الناس من عبادة الأوثان (بأشكالها وألوانها) إلى عبادة رب العباد، يوم مولده يوم الشهادة والبشارة والتذكير، يوم مولده كان البداية، لكل شيء!

 

تمرّ الأيّام والسنين، والرسولُ الكريم يبني ويؤسس دولة الإسلام، تهيئة لقيادة العالم، وتمهيدًا لإقامة أكبر دول العدل، التي تحكمها شريعة الله العادلة، متمثلة في نبينا الكريم، ليدخل الناس بعد أعوامٍ قليلة في دين الله أفواجًا، بل ويحبونه أكثر من أي شيء، حتى من أنفسهم، فتراهم يفادونه بأرواحهم، وأهليهم، فيقول قائل منهم: نحرى دون نحرك يا رسول الله تارةً، وتارةً أخرى: بأبي أنت وأمي يا رسول الله.

 

روى الإمام البخاري رحمه الله عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر ابن الخطاب، فقال له عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! لأنتَ أحبُّ إلى من كل شيء إلا نفسي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا! والذي نفسي بيده، حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك". فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسي! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر!". وروى الشيخان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني. ثم لأنْ يراني أحبُّ إليه من أهله ومالُهُ مَعَهُم".

 

قد رسم الصحابة لنا أروع الأمثلة في حبهم الصادق للنبيّ، فالمحب لحبيبه مفادي، والمحب لحبيبه خاضع ومطيع، لذا كانوا موفّقين بهذا الحب لبلوغ الأحلام، التي نراها نحن بعيدة جدًا، لكنهم لم يرونها هكذا، بل وحققوا جميعها، حتى سادت فكرته الأرض وعمّت الأرجاء. على مرّ العصور والسنين، بدأ هذا الحب يتلاشى شيئًا فشيئًا، ويتحوّل من الحب الملموس المرئيّ، والمواقف التي تدرّس عبر التاريخ، إلى مجرد زعم وادعاء، إلى شكل من أشكال تقضية الواجب نحو الرسول الكريم، حتى أصبحنا نرى كل الممكن مستحيلًا، حتى أصبحنا لا نرى قضيّتنا الحقيقية، ومنهج نبيينا الذي جاء به، لا أدري أتبدّلنا نحنُ، أم اختلف مفهوم الحب عما سبق! هل نشعر بنفس ذلك القدر من الحب الذي كانوا يشعرون به! أم نزعم ذلك فقط لإزاحة ما نعتقد بأنه واجب علينا، أو مضطرين لإظهار ذلك للعامة كوننا ننتمي لهذا الدين والذي منه هذا النبي!

 

الشكل الصحيح للفرد المسلم، لم يكن يحثه على إحياء ذكرى مرة واحدة بالعام، وربطها بنوع طعام معين، ولكنه يحث دائمًا على العمل بكل أوامره، وأن تأخذ هذا المنهج لتطبّقه كاملًا
الشكل الصحيح للفرد المسلم، لم يكن يحثه على إحياء ذكرى مرة واحدة بالعام، وربطها بنوع طعام معين، ولكنه يحث دائمًا على العمل بكل أوامره، وأن تأخذ هذا المنهج لتطبّقه كاملًا
 

أتساءل دائمًا: لم نحن لسنا موفّقين كما الصحابة والتابعين، لمَ نحن لا نرى النصر كما كانوا يرونه، مع أننا نحتفل بالنبي ونحبّه حبًا جمًا، أو حسب ما نقول! أتساءل: هل كل تلك الاحتفالات بمولده تغنينا عن كل تلك القيم التي نفتقدها في حياتنا؟ وهل ستكون إجابة كافية عندما يسألنا ماذا فعلنا بعده؟ هل من الممكن أن يقودنا حب النبيّ الكريم يومًا إلى أن نرتقي ونقود الأمم كما فعل مع السابقين؟ وهل من الممكن أن نحتفي يومًا بمولده فيكون هذا الاحتفاء على مستوى العالم نابع من قياداته، هل سنقودُ العالم يومًا لنحقق رسالته وما جاء به، لنحييَ مولده ونحن فخورين بما صنعته يدانا لهذا الدين العظيم!

 

وقد نرى أنها مناسبة كريمة، ولكنها في الحقيقة أخذت شكلًا من أشكال التقديس، حتى أصبح على الجميع أن يحتفي ويبارك ويتبارك، حتى البعيدين عن السنة، حتى البعيدين عن المنهج!.. ونحن هنا لا نحاسب أحدًا، لكننا في موضع مقارنة بالذين سبقونا، ماذا كانوا ليفعلوا عند إحياء سنة نبيهم، كانت الفتوحات والعمل عليها بمثابة احتفاء به، لذا لم يكن هنا يومًا محددًا يعتبرونه مولده، إنما مولده هو كل يوم يشهد فيه بشرًا أن لا إله إلا الله، ويطبق فيه حاكمًا شريعة الله، ويكم فيه قاضيًا بما أنزل الله، ونحن نحتفي أيضًا ولكن بشكل آخر وكأنهما شقان منفصلان تمامًا، قدّسنا يومًا نحتفل فيه، وتركنا باقي العمر دون أن نبذل من الجهد شبرًا ولا زراعًا من أجل شريعته! وفي هذا اليوم، نهتف بحماس أننا نحب رسول الله، ولو تحلى حبنا ببعض الصدق لكان أجدر بنا أن يكون الاحتفال والتعبير عن هذا الحب الصادق بما يحب هو، بتطبيق سنته (على الأقل) لا مخالفتها؛ وإن كل ما يقع منا في هذه المُناسبة لهو بعيد كل البعد عن منهجه الذي جاء به..

 

المنهج الحركي لجماعة المسلمين، والشكل الصحيح للفرد المسلم، لم يكن يحثه على إحياء ذكرى مرة واحدة في العام، وربطها بنوع طعام معين أو شكل احتفال معين، ولكنه يحث دائمًا على العمل في كل أوامره، أن تأخذ هذا المنهج لتطبّقه كاملًا لإقامة الفرد المسلم كما فعل هو، لتقوم بهذا الفرد المسلم دولة العدل التي قامت! والمفترض أنها تقام.. ما يجب أن يكون مِنا، وما علينا أن نلتزم به هو إحيائها في كل يوم، في كل ساعة بل وفي كل دقيقة ما دمنا أحياء، لنقابله على الحوض فيلقانا بيده الشريفة، نرجو شربة منها، ومخافةَ أن نكون مع من تقول لهم الملائكة سحقًا سقا لقد أحدثوا بعدك يا رسول الله! تعظيم سنة النبي من تعظيم النبي والإساءة إليها من الإساءة إليه أيضًا. "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.