شعار قسم مدونات

أيهما الأفضل.. غربة الوطن أم المهجر؟

مدونات، الغربة

لا يخفى علينا الواقع العربي الذي نعيشه في هذه الأيام، وما أفرزته الظروف من قهر وانعدام للفرص، بل إخماد وقتل لطموحات شباب يافع، لم يجد أمامه سوى طرق مسدودة، وكان ضحية منظومة انهيار الأوطان، التي ما وجدت من ينقذها وينقذهم! فكان من الضروري لكل شاب أن يأخذ قرارا يختلف عن الآخر، ليكون لبنة بناء وإنقاذ لنفسه ووطنه مستقبلا، فكما ظروف بلادنا العربية تختلف عن الأخرى، ولا يجمعها سوى صورة البؤس والضيق، إلا أنه لكل منا ظروفه الخاصة التي تجعله يختار ما بين غربة الوطن بواقعها المغلق، وغربة المهجر بواقعها المفتوح!

غربتان لكل منهما امتيازاتهما الخاصة وسلبياتهما الأكثر، الاثنتين اسمهما غربة، رغم أنه كان في السابق يتم الاكتفاء بوجود غربة وحيدة هي البعد عن الوطن والأهل، فامتدت الغربة الحقيقية لتصنع جيل يعيش في وطنه غريبا لانعدام الأفق المشرق المنتظر منذ سنين، وآخرين تمكنوا من الفرار والهروب من غربة أوطانهم على غربة أشد قسوة في مهجر يمتلك في جعبته تعليما كثيرا وقوة شديدة، لأنك في كل لحظة تتوقع أن يلفظك ويطردك البلد البديل الذي تعيش فيه، يطلب منك دائما إنتاجا لا يتوقف، لأنه إن توقف فلا مكان لك بين ملايين الغرباء الذين أخرجهم قهر أوطانهم لهذه البيئة المفتوحة، لكنها مغلقة في أوقات كثيرة تشعر بالحنين فيها لوطنك الأم.

لا بد أن نسمع تجارب كثيرة ولا نكتفي بواحدة أو اثنتين، حتى نتحمل نتيجة قرارنا وتكلفة غربتنا أيا كانت، في ظل الواقع الذي ساوى بين الوطن والمهجر

وبالفعل لكل غربة أهلها الذين سلكوها على مدار سنوات مضت، وزاد الإقبال على الاثنتين مؤخرا في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في دول عربية كثيرة، أبرزها الدولة التي تقبع تحت وطأة الاحتلال الأطول في العالم (فلسطين)، وزاد الأمر تعقيدا والسيء سوءا خلافات داخلية أعاقت طريق التخلص من العدو، وبات الشباب اليوم ضحية هذا الوقع المعقد. وأمام هذا الواقع المؤلم والمتنامي ألما؛ بدأ شباب فلسطين يقفون على جانبين، منهم من جهز حقائبه ورأى أن غربة المهجر أفضل له كثيرا من غربة الوطن الذي يعيشه، لعلها تصل به إلى إنجاز في عمله أو علمه أو أي شيء حرمته منه قيود الوطن، في حين يقف الجانب الآخر في صف المفضلين للبقاء والتشبث بالأرض رغم قسوة الحصار الذي يعيشونه في غزة، ومرارة الخناق والضنك الممتدة في أزقة الضفة الغربية والقدس، ولسانهم يردد أنهم سيبقون حلقة وشوكة تكسر جبروت الاحتلال الإسرائيلي.

ولكل فريق مبرراته القوية ودلالاته المقنعة في الاختيار بين غربة الوطن وغربة المهجر، وإن الاتفاق الظاهر بين الفريقين أن الوقت الذي نعيشه سيفا يمضي على رقابنا، فإن لم نواجه قسوة الواقع وظلم المحيط، فإننا لن نرى أنفسنا بعد بضع سنين؛ لذا لا بد أن نحافظ على إرادتنا وطموحاتنا ونخلق فرصا من عدم، ونتكاتف سويا لتغيير ما نحن فيه، وليكمل بعضنا الآخر في كل مكان وفي كل غربة، ولنجعل الوطن دمٌ يجري في أوردتنا، ولنهب قسوة الحياة والواقع لجيل قادم، لا يرجو صدمات ما نعيش. المشهد السابق يوصلنا لمواقف تتكرر معنا كثيرا، ولأسئلة تطرح علينا في كل يوم، ولاستشارات تتكأ على تجاربنا؛ إنهم أصدقاؤنا وأصحابنا الذين نحب لهم من قلوبنا الصافية كل خير، يأتون لنا بحديث كبير يسألوننا فيه عن أحوالنا، فيختتمون قولهم بسؤال خلاصته: أيهما الأفضل، غربة الوطن أم المهجر؟!

فنبدأ بالحديث عن المزايا المتعلقة بكل واحدة على حدة، ونذكرهم بمخاطر الغربتين، ونرجوهم أن يرسموا طريقهم حتى ولو ضاقت عليهم الغربة الأولى، حتى لا ترهقهم الغربة الثانية دون فائدة وهدف واضح؛ منهم من يقتنع بما نقول، وبعضهم يرى أننا نُنَظِرُ عليهم و(نتفلسف) ونُفضل واحدة على الأخرى، ولا نريد لهم خيرا ونخبئ عنهم الأفضل. هي قناعة من القلب قبل أن تكون كلمات أمام عيونكم: قولنا لكم يا شباب ونحن منكم، إنه لا بد أن نسمع تجارب كثيرة ولا نكتفي بواحدة أو اثنتين، حتى نتحمل نتيجة قرارنا وتكلفة غربتنا أيا كانت، في ظل الواقع الذي ساوى بين الوطن والمهجر، فسحقا لهذا الوقع السيء وحتما سيتغير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.