شعار قسم مدونات

أحلامنا نبض حياتنا!

blogs أحلام

هناك أناسٌ كلما ضاقت عليهم رحاب الدنيا قرعوا باب أحلامهم فتُخرِج لهم صورةً جديدةً للحياة تجدِّد آمالهم وتعضد همتهم فتتجدد خلايا الطاقة والانطلاق لأرواحهم. يقول باولو كويلو: "لا يستطيع الإنسانُ مطلقًا أنْ يتوقف عن الحلم. الحلم غذاءُ الروح كما أنّ الاطعمة غذاء الجسم. نرى غالبا خلال وجودنا أحلامنا تخيب، ورغباتنا تحبط، لكن يجب الاستمرار في الحلم وإلّا ماتِت الروح فينا".

هذا الروائي العالمي وصل للعالمية نتيجة حلم لم يفارقه وهو أن يكون كاتبًا ولم يكن يتخيل أنّ الكتابة ستدر عليه دخلا في بلده، ولكن بقي حلمه مسيطرًا عليه فترك الهندسة وعمل أعمالا كثيرة لكن حلمه الحقيقي فجأة يتحقق برواية ما ظنها ستلقى هذا الصدى العالمي، وما رواية الخيميائي إلا حكاية حالمٍ بالوصول إلى الحقيقة أسقط فيها الكاتب كثيرًا من أحلامه. ومثل باولو كويلو نجد صاحب الفيس بوك، الذي حلم بأنْ يربطَ الصفوف في مدرسته بشبكةٍ تتناقل فيها الأخبار بين الطلاب؛ ليعرفوا الدروس التي أعطيت ثم كبر حلمه ليربط العالم كلَّه ببعضه فأوجد لنا عملاقه الفيس بوك.

المتنبي عندما قال بيته المشهور:

إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بمادون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم

ما كان بهذه الأبيات إلا شيخ الحالمين الذين يرون أنفسهم دائمًا محلِّقين بجناحي الحلم والجد لتحقيقه، فتراهم يستمدون من حلمهم الطاقةَ للانطلاق من جديد، فالإنسان يمرُّ بحالات نفسية ينتكس فيها وكما قيل لكلِّ حصان كبوة، فمثل هذه الكبوة تكون مرجلًا من اليأس يغلي في دماغ الإنسان، فيُدخله في أتون معركة مع النهوض من جديد أو التراخي والاستسلام لداعي الكسل والتواكل، عندما يصل الإنسان إلى هذه المرحلة يسعى إلى التخلص منها بدواءٍ ناجع يُعين على تخيُّل ورسم صورة في الدماغ مغايرةٍ لواقع الحال الذي يبعث على اليأس والقنوط، فيكون الحلم الموئل من جديد، فالسعي وراء إيجاد نافذة للخلاص من هذا الواقع يكون بتوليد حلمٍ جديدٍ يقوّي عزيمته ويُنهِضُه من كبوته، ويتجدد عنده ماء الحياة، فكم من عالم كان اختراعه حلما رسمه في ذهنه، ثم سعى إلى تحقيقه بإحياء ليله ونهاره والنوم على طاولة العمل أو في مخبر التجارب، وتخلّل هذه المحاولات الكثير من الفشل ولكن الإيمان بالحلم كان الدافع الدائم للاستمرار.

عندما تردد في الشدة الكلمات التي توحي أنَّ فرجًا سيأتي فالمبتلى يحلم بالفرج ويدغدغ قلبه كلُّ كلمة تجعله يتخيَّل الفرج القادم والبهجة التي ستعقب ظلام الحزن والأسى

وهكذا فإن الإنسان كلما كان ممتعًا بقوة الأحلام المتجدِّدة رأيته لا يملّ ولا يكل ينهض ويقوم يحدوه نداء الأمل من خلال حلمٍ يصوِّر له شخصيته في الأفق البعيد، الذي يتمنى كثيرون أن يصيروه ومع هذا فإنَّ الراغبين بالوصول كثيرون، ولكن الذين ينالون ما يرغبون فيه هم القلة النادرة؛ لأنَّ الذي يصل بعد عناء وشقاء يعرف قيمة ما قام به، فهناك شعرةٌ دقيقة تفصل بين الحالم الناجح والحالم المتواكل وتتلخص في كلمتين ساع إلى الحلم، ومنتظر وصوله فالساعي إلى حلمه سيصل؛ لأنَّ مدمن القرع للأبواب سيلج في لحظة من اللّحظات.

وهذا يعرفه كلُّ واحدٍ منا، أذكر أنني كنت وصديقًا لي جالسين في نهاية موسم دراسي، نتبادل أحلامنا المستقبلية فقال لي: ماذا تنوي بعد هذه المرحلة فقلت له: أنوي أن أتابع الدراسات العليا، وماذا تنوي أنت قال: أنْ أسافر وأحسّن وضعي المادي، ثم أعود لإتمام دراستي مرّت سنوات وتحقّق لكلٍّ منّا ما أراد فكل منا سعى وراء حلمه فكان أهون شيء على الله تحقيق هذا الحلم.

بعض الناس يضيِّقون ساحة حلمهم متأثرين بواقعهم الحالي فيظنون أنَّ الحياة منحصرةٌ فيما هم عليه الآن، ولا يعرفون أنَّ ما بين طرفة عين وانتباهتها يغيِّر الله من حال إلى حال، فالحلم الضيِّق يوصلك إلى ساحةٍ ضيقة تندم فيها وتقول ليتني فعلت وليتني قمت المشكلة أنَّ طموحك أو حلمك كان ضيِّقا وقتها فما عملتَ إلّا بحدود هذه الدائرة الضيقة، لا تقنع وأنت ترسم أحلامَك بما دون النجوم تذكَّر هند بنت عتبة عندما قال لها أحد متفرسي العرب: إنني أتوسم فيه أن يسود قومه، فردّت قائلةً: "ثكلته أمُّه إنْ لم يسد العرب" نعم تحقَّق حلمها وحلم ابنها فكان معاوية أميرا للمسلمين، بل أسّس دولةً جديدة هي دولة بني أمية وأسطر التاريخ ملآى بالأمثلة، اقرأ سير الناجحين وسترى أنّ معظمهم لم تكن أحلامهم منحصرةً في دائرة واقعهم البئيس بل أحلامهم كانت تعتلي أسوار الواقع وتحلِّق في الفضاء مع النجوم.

حتى الآلام والأزمات التي تعيشها الأمم لا يكسر شدة الحزن إلا آمال وأحلام زوالها فبمجرد الحلم والأمل ترتاح النفس، فعندما تردد في الشدة الكلمات التي توحي أنَّ فرجًا سيأتي فالمبتلى يحلم بالفرج ويدغدغ قلبه كلُّ كلمة تجعله يتخيَّل الفرج القادم والبهجة التي ستعقب ظلام الحزن والأسى والنور الذي سيبدِّد شدة اسوداد ليل واقعه، فأشد اسوداد الليل في آخر لحظاته أي اسوداده الشديد تمهيد لانبلاج نور الصباح وضيائه.

افتح لنفسك دائمًا بوابة الأحلام، ولا تركن إلى صوت الميئسين؛ لأنَّ أحلامهم محدودةٌ فلا يتجدَّدون ولا يسمحون لك بالتجدُّد اجعل أحلامك متعددة بحيث لو فشل حلم جاء آخر
افتح لنفسك دائمًا بوابة الأحلام، ولا تركن إلى صوت الميئسين؛ لأنَّ أحلامهم محدودةٌ فلا يتجدَّدون ولا يسمحون لك بالتجدُّد اجعل أحلامك متعددة بحيث لو فشل حلم جاء آخر
 

أظنّ أن أنجح وسائل التربية هي تنمية حلم الأطفال وكلنا لا ينسى السؤال المكرور للصغير ماذا تحب أن تكون في المستقبل؟ وعندما يجيب الطفل لا يجيب عن حلمه على أنه بعيد المنال بل يجيب وكأنه سيتحقق بل كأنه موجود؛ فالمربي الفنان هو الذي يأخذ بيد الطفولة الحالمة إلى طريق حلمها وينمِّي أحلامها ويجعل الأطفال من الساعين إلى تحقيق أحلامهم وتروي لنا كتب التاريخ كم من أمٍّ استطاعت أن تتنبه لحلم ولدها أي رغبته أي هوايته أي مقدرته على ما يحب أن يكون، فنمّت هذا الحلم وكان لها الدور في تفجير طاقاته لتحقيق حلمه فنيوتن لم تستطع المدارس في البداية اكتشاف موهبته بل رمته بالبلادة وعدم المقدرة على التعلم، فكانت الأم التي أطلقت مواهب ابنها وصار فخرًا للبشرية، وبالمقابل كم من إنسانٍ كان يمكن أن يكون طاقة تفيد البشرية ولكن حال دون وصوله محبطين ومثنين له عن عزمه في التقدم وتحقيق حلمه.

وهكذا نجد الحلم يرافقنا في كل مفاصل حياتنا في أزماتنا وأعمالنا، فكل ما سبق يؤكد لنا حقيقةَ أنَّ كلَّ حالٍم ينبض قلبه بالحياة وكل من أقفل باب أحلامه أغلق كتاب نبض حياته وخلد إلى الوجود العدمي أي وجود بلا حركة بلا أمل بلا حياة.. فاحلم ولا تنكفئ على نفسك كن مُحلِّقا في فضاء دنياك ولا تجعل كبوةً أو خسارة توقفك فلا تدري كم سيفتح لك إيمانك بحلم من أبواب تجعلك تندهش من قيمة الأحلام ودورها في إسعاد قلبك وملء حياتك بالنبض الإيجابي.

وليس معنى الحلم النوم على أريكة التواكل، بل الحلم هو الهدف الذي يجعل لحياتنا معنى وقيمة فكثير من وقائعنا الجميلة اليوم كانت في الماضي أحلامًا رسمناها على قارعة طريق أو في زاوية بيت أو في جلسة تأمل. فافتح لنفسك دائمًا بوابة الأحلام، ولا تركن إلى صوت الميئسين؛ لأنَّ أحلامهم محدودةٌ فلا يتجدَّدون ولا يسمحون لك بالتجدُّد اجعل أحلامك متعددة بحيث لو فشل حلم جاء آخر، آمِنْ بحلمك وآمِن بأنَّ الله ميسِّرٌ لك ما تحب وستجد أنّ كلّ حلم يولِّد حلمًا أجمل، وبينهما حقائق كانت أحلاما في السابق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.