شعار قسم مدونات

حين أشهرت السكين في وجه أبي كي أتزوج مغتصبي!

blogs القتل

ملاحظة: هذه القصة ليست حقيقة ولكن تشابهها مع الواقع حقيقي جدا.

لم أكن أدرك وقتها الطريق نحو حياة لا تغيب فيها الشمس يوما، كانت كل الطرق موحشة ومقفرة من كل شيء إلا من الأشباح والسيئين وقطاع الطرق، كنت أصغر من أن يزور الوعي عقلي ويتزن فكري وأفهم كيف تجري الأمور. العرش الذي عشت فيه لم يكن سيئا في نظري أبدا لقد أحببته حقا، لكن الجهل فيه سيء والأيام كانت تعود للوراء عوضا عن المضي قدما، وكنا ننزل باتجاه الأسفل دون صعود إلى الأعلى أو تقدم حتى أغلقت علينا قوقعة خانقة. ولدت ذات شتاء بارد مظلم بعد سنين عجاف طال فيها انتظار والديَّ لمولود، فكنت أنا فأل الخير وبداية خلفة تمنتها أمي وهي ترى تجاعيد يديها أثناء تحريكها الحساء وهي ترى شعر أشيب في المشط بعد تسريحها شعرها. كان من المؤسف بالنسبة لأبي كونه لا يملك تكاليف يوفرها كي يتزوج امرأة أخرى تنجب له ولدا يحمل اسمه، فرحا بي رغم رغبتهما الشديدة في ولد يكون بكر أبي وسنده في الحياة، ولدت على يد داية العرش بصحة جيدة كما قالت وكل الظروف حينها كانت تدعوا لتسميتي نور آملين أن أكون نور حياتهما وأملهما …

كنت أكبر يوما بعد يوم ولم يكن في داخلي شيء يشوب براءتي وسعادتي بكل شيء بسيط حولي، ثيابي التي لبستها بنات العرش قبلي، وأعراس العرش التي رأيت فيها بنات يكبرنني بأعوام قليلة كانت تبدو لي لعبة ممتعة فيها الكثير من الأغنيات والحلوى، حتى الطين الذي لطخ ثيابي وعاقبتني عليه أمي أشد عقاب أحببته، كنت أقدر تعب أمي وهي تغسل الثياب في البرد على حافة الوادي وتنتظرها أياما حتى تجف فقط لأننا لا نملك مدفئا. لم يخفى عني طول انتظارها لخلفة بعدي وولد يقطع عنق خجل أبي المتطاول من أهل عرشه، كنت أراقبها وهي تتألم كلما أجهضت جنينا ولم أنسى يوما نحيبها في الثلاث مرات التي يموت رضيعها فيها كل مرة قبل أن يتجاوز عمره بضع أيام، ولا وجعها بانقطاع خلفتها بعد ذلك… إخوتي الموتى لقد ارتقيتم نجوما في السماء، سألتقي بكم يوما وسأحضنكما كما حضنت نجومكم المضيئة كل ليلة.

حين تعرضت للاغتصاب

ذهبت من بيت أبي إلى بيت مغتصبي، كنت أعلم أن رفضي لزواجه لن يكون في صالحي، كبير العرش السي "صالح" سكت عن الجريمة بل وساعد المجرم كما يساعد عشرات العرسان، و لم أكن أول من تزوجت بمن يكبرها بأقل من نصف قرن بأربعة أعوام فقط

كبرت وأصبحت كما تقول أمي امرأة مسؤولة، أساعدها في أعمال البيت وأنوب عن أبي في رعي ماشية السي "صالح" كبير عرشنا حين يمرض أو يتعب، لكنني لم أنضج يوما، لا زلت أحب اللعب وأريد الذهاب للمدرسة، كنت أخشى الإفصاح عن رغباتي أمام أبي لئلا ينهال علي بالضرب، ولطالما تجنبت ذلك أمام أمي.. يكفيها ما يفعله بها أبي، فكنت أختبئ كي أنال حريتي في البكاء، كي أحلم وأحدث نجومي عن كل ما أريد.

كان عمي "موسى" حارس المستوصف الصغير في العرش يراقبني دوما، لم أعلم أنه يستغل نيابتي عن أبي كي يتكلم معي ويحضر لي الحلوى، ومجددا كنت أصغر من أن أفهم خبث نواياه، بل كان من غير المنطقي أن ينظر إلي شيخ ستيني نظرة شهوانية، ذات مرة نبت فيها عن أبي لم يحضر معه الحلوى يومها، طلب مني أن أرافقه لمحل الحلوى والألعاب، واغتصبني أول مرة بعد أن سرق مخدرا من المستوصف وخدرني به، دس المخدر في جسمي بعد أن أقنعني أنه دواء سيكسبني قوة أكبر كي أعمل دون تعب، لطالما اعتقدت أن إثبات شجاعتي سيجعل مكانتي مميزة أمام الجميع، لم أعلم أن للشجاعة ضريبة قاسية كهذه. فعل فعلته وتركني في حديقة السي "صالح" فاقدة للوعي لساعات…

هل كان علي أن أخاف مما سيفعلاه بي والديّ إذا علما؟ أم ماذا سيفعل "فرعون" بي بعد هذا؟ هل سيهدنني؟ هل السي "صالح" سيخبر والدي أنه رأى كل شيء وأن والدي لن يعود للعمل هناك بعد الآن بسببي؟

تزوجت وأنا قاصر
تقدم لخطبتي شاب عشريني من العرش وبدا على أبي رضاه و مباركته لهذه الزيجة، لكن سرعان ما علم "فرعون" بذلك وعاد ليهددني مجددا، وبقدر ما رغبت في اقتلاع احشاءه بقدر ما خفت من والدي وأهل عرشي، بيد أن وقاحته وصلت لمجيئه لخطبتي، فكرت وقتها بأحلامي كلها، بأمي المسكينة وبالعار الذي جلبته لها، أحسست باليأس والضعف والخوف لدرجة أني فكرت في الانتحار… وصلني صوت صراخ أبي الذي أفقد الشيخ صوابه اقتربت من الباب الخارجي بضع خطوات، "ابنتك ستتزوجني شئت أم كرهت، وهذا لمصلحتها، لن تسرك معرفة السبب" فقدت توازني تجمدت حواسي، "هل سيخبره أنه اغتصبني؟ أم سيقول إن كل شيء كان بمحض إرادتي؟" أحسست أني سأموت تاركة وصمة عار على جبين والدي.. ركضت للمطبخ أحضرت سكينا وخرجت، "لن أتزوج غيره يا أبي، إذا زوجتني غيره سأقتل نفسي"….

هروبي من العرش إلى أرصفة المدن
ذهبت من بيت أبي إلى بيت مغتصبي، كنت أعلم أن رفضي لزواجه لن يكون في صالحي، كبير العرش السي "صالح" سكت عن الجريمة بل وساعد المجرم كما يساعد عشرات العرسان، و لم أكن أول من تزوجت بمن يكبرها بأقل من نصف قرن بأربعة أعوام فقط، ولم أكن أعلم كم من فتاة قاصر تم اغتصابها في عرشي، وأصلا لم يكن لأحد أن يهتم بي فهناك الكثيرون مثلي، حملت سكينا داخل حزمة ثيابي. كان الطريق طويل وممل، لأول مرة أسمع الزغاريت والأغنيات في جنازة. دخلت البيت قبله وتركته يودع معازيمه ويستقبل مباركاتهم بزواجه الرابع قبل أن يموت على يدي..

طعنته ثلاث طعنات إلى قلبه كي يطمئن قلبي أنه مات، قتلته وهو ينظر إلى عيني مباشرة. أخذت حزمة ثيابي وهربت تاركته إياه يتلوى، يحاول الصراخ لكن ألمه يحول دون ذلك، يلفظ أنفاسه الأخيرة. لأول مرة شعرت بالفخر في حياتي لأني كنت أول من هربت من سجنه ومن سجن والدي ومن سجن العرش العظيم، هربت دون عودة من مدينة إلى مدينة أبعد، أنظف زجاج السيارات وأبيع المناديل، وحين يحل الظلام أنام على الأرصفة أمام مقرات الشرطة أو في المساجد أستأنس بإخوتي المضيئين فوق في السماء، أتخيل غدا تشرق علي فيها الشمس وتمدني من نورها النور الذي فقدته إلا من إسمي… أتخيل أياما لا يكون لاغتصاب الأطفال فيها مكان، أياما يوؤد فيها الجهل دون أن يخرج مجددا إلى الحياة؛ قال لي رجل يوما وهو يعطيني صدقة بعد أن أخبرته أني لست متسولة: "إذا اجعلي حلمك أكبر من هذا الرصيف، كي لا يخطئك الناس مثلي"..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.