شعار قسم مدونات

"غسان كنفاني الإسرائيلي".. ما حقيقة وجوده؟

blogs "شلومو ساند"

من منا لا يعرف غسان كنفاني الصحفي والروائي والسياسي الأكثر شهرة في القرن الماضي؟ الكاتب الذي سخر كتاباته للتعبير عن القضية الفلسطينية وساهم في نشرها والتعريف بها، أن تكون أديبا فلسطينيا تدافع عن قضيتك مقابل الجرائم التي يقوم به الكيان الصهيوني فهذا يدل على شجاعتك وعمق فكرك ومقاومتك، الأمر الذي أجاده غسان باحترافية كبيرة، أبرز كنفاني القضية من خلال روايات أشهرها "عائد إلى حيفا" وقصص روت معاناة الشعب الفلسطيني ومشكلة اللجوء، كما أصدر كتبا تعتبر ثمرة بحوثه المتواصلة في القضية فأصدر كتاب "الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال"، وكتاب مواز أصدر كتاب "في الأدب الصهيوني" الذي يعتبر الكتاب الأهم والفريد من نوعه، هذا أن البحث في الأدب الصهيوني قليل بسبب إهمال الأدب الصهيوني، الذي تم تبنيه كطريقة تمرر من خلالها الحركة الصهيونية رسائل هدفها نيل تعاطف ومساندة الرأي العام العالمي للصهيونية.

 

وذكر في كتابه أن الأدب من أخطر الوسائل التي يستخدمها الاحتلال لترسيخ فكرة أحقية اليهود بأرض فلسطين، عن طريق كتب تظهر "اليهودي" بصورة مثيرة للشفقة مقابل "العربي" الهمجي والمثير للغضب والسخط، ليس هذا فقط بل وصل الأمر الى التلاعب بالتاريخ الإسلامي وتاريخ الوجود البشري على أرض فلسطين.. لكن ماذا لو ظهر "كُتاب" من الطرف الأخر ليدلوا من خلال كتبهم بحقائق مشابهة؟ هل هناك فعلا أشباه غسان كنفاني من أدباء وباحثين "إسرائيليين"؟

من الطبيعي وجود أدباء يقدسون دولة إسرائيل ويعبرون عن دعمها وأحقيتها بالأرض، كما هو الحال بالنسبة إلى الأديب "عاموس عوز" من أشهر الأدباء اليهود المنتمين إلى التيار اليساري العلماني الذين نشرت لهم أعمال روائية ومؤلفات أخرى تتناول الوضع في دولة إسرائيل وتصف الأوضاع بتحليل منطقي إلى حد بعيد ككتاب "في أرض إسرائيل" وكتاب "إسرائيل وفلسطين والسلام: مقالات" الذي عبر فيه عن رأيه في حل الدولتين، خاصة بنظره أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يكون بأرض مقسمة ودولتان تعيشان في سلام جنبا إلى جنب. كونه من الكتاب الإسرائيليين الأشهر جعل صفوف الداعمين للحركة الصهيونية تزيد. يوجد غيره من الأدباء الكثيرين الذين سعوا إلى الدفاع على فكرة أحقية اليهود بأرض فلسطين. لكن من غير الطبيعي ومن الغريب أن تجد أدباء يهود ينادون بعكس ذلك، ويدافعون عن أحقية الشعب الفلسطيني بذلك، أدباء نهجهم وكتاباتهم أقرب لنهج وكتابات غسان كنفاني في طرحهم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي:

 

انتهج "إيلان بابي" وهو من المؤرخين الجدد طريقا يعبر فيه عن الحقائق وبناء فكر معادي للصهيونية، وأعاد كتابة التاريخ الإسرائيلي، ودعا إلى حل الدولة الواحدة للقضية الفلسطينية

"شلومو ساند" مؤرخ يهودي ينتمي "لتيار المؤرخين الجدد" الذين قدموا رواية مغايرة للواقع الإسرائيلي ومختلفة عن الرواية الإسرائيلية الرسمية، وظهر معهم مفهوم "ما بعد الصهيونية".. "شلومو ساند" برز بشكل ملفت بسبب عدائيته للصهيونية، كتب ثلاثيته المشهورة، التي اعتبرت تصريحات جريئة منه والتي لم يكن ليصرح بها غيره من أصحاب ذات الفكر بسبب الخوف من سياسات دولة الاحتلال. كتابه الأول "اختراع الشعب اليهودي" الذي أثبت من خلاله عدم أحقية اليهود بأرض فلسطين، فند فيه أساطير الصهيونية التي سعت فيها إلى إقناع الرأي العام بعكس ذلك "لم تتراكم هذه الذكريات في إسرائيل بصورة تلقائية، فقد بدأت بالتراكم طبقة تلو طبقة.. من قبل مجددين بارعين للماضي، قاموا باقتطاف شظايا ذاكرة دينية يهودية ومسيحية، استخرجوا منها بواسطة خيال خصب شجرة نسب متواصلة للشعب اليهودي"، كتاب اختراع الشعب اليهودي.

أصدر بعده كتاب "اختراع أرض إسرائيل" وتحدث فيه عن أسطورة اختراع أرض إسرائيل، الظروف والدوافع والتداعيات خلف هذه التسمية "وسمحت هذه الهندسة اللغوية الناجحة، التي كانت جزءا من عملية تركيب الذاكرة المتمركزة عرقيا والتي تضمنت لاحقا عبرنة أسماء مناطق البلاد.. سمحت بالطبع بقفزة الذاكرة المذهلة فوق الزمان غير اليهودي الطويل للمكان"، كتاب اختراع أرض إسرائيل. أختتم ثلاثيته بكتاب آخر اسمه "كيف لم أعد يهوديا" أصدره عام 2013، يرى فيه أن اليهودية أصبحت أداة لخدمة الحركة الصهيونية وناقش فيه الادعاءات البيولوجية حيث عبر عن رفضه ادعاءات الصهاينة أن جينات اليهود مميزة ومختلفة، وجه انتقادات عديدة للمسميات اليهودية التي لا تعبر عن الدين اليهودي حقيقة وأنها مجرد ادعاءات.

ومثله انتهج "إيلان بابي" وهو من المؤرخين الجدد طريقا يعبر فيه عن الحقائق وبناء فكر معادي للصهيونية، وأعاد كتابة التاريخ الإسرائيلي، دعا إلى حل الدولة الواحدة للقضية الفلسطينية، كما دعم وأيد حقوق الفلسطينيين ودعا إلى مقاطعة إسرائيل سنة 2005، تسببت آراءه واعتقاداته الصريحة ضد اسرائيل بسفره إلى انجلترا وانضم إلى جامعة أكستير.

الأدب كان ولا يزال وسيلة للتأثير عن الرأي العام وحرب الهوية والفكر أصبحت أخطر من حروب السلاح. التطبيع مع إسرائيل من تحت الطاولة سابقا وعلنا الآن، أجاده العرب باحترافية كبيرة، في حين أن باحثين ومؤرخين وأساتذة في الجامعات "الإسرائيلية" عبروا عن رفضهم للاحتلال وكشفوا تزوير التاريخ والجرائم الشنيعة التي قام بها الاحتلال وأصدروا مؤلفات حول ذلك. ورغم ذلك يجب بناء فرضيات وشكوك حول مدى صحة رفض هؤلاء المؤرخين للاحتلال، وما إذا كان تيار المؤرخين الجدد هو تيار لكشف المستور في المسرحية التاريخية الإسرائيلية أم هو وجه آخر لممارسات الحركة الصهيونية؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.