شعار قسم مدونات

العرب.. من أسياد إلى أتباع

مدونات - رجل عربي عجوز
إنه ليحز في النفس ولتدمع العين ولترأف القلوب لما آلت إليه أحوال أمتنا بعد أن كنا أسياد العالم وملوك زماننا، بعد أن بنينا الحضارات وشيدنا أولى لبنات التقدم، ماذا حل بنا؟ فقد كنا السباقين لجُل العلوم والآداب.علمونا في المدارس أن نفتخر بأمجادنا، أخبرونا أننا كنا في يوم من الأيام من نسير العالم، علمونا أسماء العلماء العرب ومجالات تخصّصهم حتى حفظناها عن ظهر قلب.

 

أين نحن من عباس بن فرناس الذي كان أول من حاول الطيران والذي كان له الفضل في اختراع أساسيات صنع الطائرة، أين نحن من ابن الهيثم في مجال البصريات والذي كان له الفضل في اختراع الكاميرا، ابن سينا الطبيب الفلكي الشاعر مخترع مقياس الحرارة، الزهراوي مخترع أدوات التشريح، الخوارزمي في الرياضيات، ابن البيطار، ابن النفيس.. وغيرهم.

   

علّمونا أيضا أن أول جامعة شيدتها فاطمة الفهرية في فاس المغربية دُرّست فيها مختلف العلوم والآداب والإنسانيات، وكان لها الفضل في تخرج العديد من العلماء، كما علمونا أن أول مركز طبي تم إحداثه كان في القاهرة في مصر، نعم كان لنا الفضل في كل ذلك ولكن لم يكن لنا الفضل على أنفسنا، كان لنا الفضل في الاختراع ولكن لم نخترع، لم نكمل ما بدأه أجدادنا بل تركناه للغير.

 

حدثونا في مناهج التاريخ عن تقدمنا في حقبة من الحقب، عن إنجازات أجدادنا، لكنهم نسوا أن يخبرونا عن سبب تأخرنا وتخلفنا بعد ذلك، لم يشرحوا لنا أيضا لماذا لم نصنع الطائرة التي أخبرونا أننا من وضع أساسيات صنعها والكاميرا التي اكتشفنا تقنيات عملها، لم يدرسونا ماذا سنخبر أحفادنا عن أهم إنجازاتنا، سنصبح في ذاكرة النسيان لدرجة أن لا أحد سيصدق أن تلك الاختراعات وكل الفضل راجع للعرب، جميل أن نتغنى بالماضي، لكن ماذا أنجزنا نحن؟

  

نحن من صنعنا الذل والتأخر بأيدينا، نحن من تركنا العدو ليتجرأ علينا، نحن من أوتينا القوة ولكن لم نوظفها لأننا لا نتّحد، نحن من مُنحنا العزة والكرامة ولكن ما انتفعنا بها
نحن من صنعنا الذل والتأخر بأيدينا، نحن من تركنا العدو ليتجرأ علينا، نحن من أوتينا القوة ولكن لم نوظفها لأننا لا نتّحد، نحن من مُنحنا العزة والكرامة ولكن ما انتفعنا بها
 

سنخبرهم أننا لم نعد أسياد العالم ولقّبنا بالدول النامية ودول العالم الثالث، عن ما آل إليه حالنا، عن الصراعات التافهة التي أضحت بين العرب، صرنا مخترعين لعلم الكلام بل ونتقنه، وأصبحنا نعيش الجاهلية الثانية، أصبحنا نقلّد الغرب في ملابسهم وكلامهم وحركاتهم وتسريحات شعرهم فقط بدل اتباعهم فيما وصلوا إليه من تقدم علمي، أو على الأقل إكمال ما بدأناه نحن منذ قرون.

 

أصبحنا نهدر أموالنا في اللهو والعبث بعقول الشباب بدل نصرة التعليم الذي أضحى في المراتب المتأخرة عالميا، ودعم الاختراعات التي باتت تُعد على أصابع اليد، وتشييد المستشفيات التي صارت تشبه أي شيء عدا المستشفيات. أصبحنا مقلدين لا مبدعين، نقلدهم في كمالياتهم ونعتبرها أولويات. سنخبرهم أننا أنانيون ولا نتّحد، لو اتحدنا لغزونا العالم ولكننا لم نفعل، كيف ذلك وخلافاتنا تافهة؛ تجدنا نتبادل الشتائم عند أبسط النقاشات، مواضيعنا المهمة باتت عن المرأة، عورة المرأة، لباس المرأة، تحرّرها… يصح لها أن تفعل ذلك ولا يصح لها فعل ذلك. نؤكد لهم مقولة أن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا.

  

شبابنا أصبح لهم هاجس واحد هو الهجرة، الهجرة إلى بلدان أتت بعدنا، تقدر الكفاءات وتدعمها، صرنا لعبة بجهاز تحكم يحركها الغرب أينما شاء، وأصبحنا نعيش على الأمجاد الضائعة. الحقيقة أنه لا يمكننا أن نضع اللوم عليهم، فما وصلنا إليه من مهانة وتأخر وما أصابنا من تحكّم للغرب فينا وما نحن فيه ليس إلا من صنعنا، فلا حاجة لوضع اللوم على الآخر ولعب دور الضحية. الفرق بيننا هو أنهم أخذوا كل ما صنعه أجدادنا، أخذوه من بين أيدينا، طوروه ودعموه وبحثوا فيه، بينما كنا نحن غافلين غارقين في نوم عميق. هم يشجعون البحث العلمي بتخصيص ميزانيات ضخمة لذلك، يدعمون التعليم ابتداء من مناهج التدريس المتطورة وصولا إلى دعم الأدمغة (أدمغتهم وأدمغتنا)، الفرق هو أنهم يدعمون العلم ونحن ندعم الجهل.

  

لا أحد إذن مسؤول عن ضعفنا، نحن من صنعنا الذل والتأخر بأيدينا، نحن من تركنا العدو ليتجرأ علينا، نحن من أوتينا القوة ولكن لم نوظفها لأننا لا نتحد، نحن من مُنحنا العزة والكرامة ولكن ما انتفعنا بها، نحن من كنا خير أمة أخرجت للناس، لكن لم نحافظ على ذاك اللقب، نحن من كان لنا أمجاد فأهملناها وتخلينا عنها، نحن من صنعنا الأسس ووضعنا اللبنات وتركناها، فجاء الغرب وأكملوا البناء، نحن اعتمدنا عليهم لأننا عاجزون، لم يجبرنا أحد على ذلك.

  

صرنا الآن مطالبين بل ومجبرين على لمّ شتاتنا وكرامتنا بأن نوقظ صحوة الاتحاد والتّآخي بيننا وجمع شملنا ودعم طاقات شبابنا، حتى نتمكن بأن نخبر أبناءنا أننا في يوم من الأيام جمعنا شملنا وتداركنا تأخرنا وأعدنا أمجادنا المنسية، واتفقنا على أن نتفق أخيرا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.