شعار قسم مدونات

في بيتك ملحد صغير

Blogs- child
تمر المنطقة العربية بفترة مخاض منذ أكثر من سبع سنوات، وأسميها مخاضا لأنني على يقين أننا رغم قسوة كل المشاهد التي تأتينا موثقة بالصوت والصورة من شتى بقاع الوطن العربي حتما سنفرح بولادة طفل جميل بملامح عربية عاجلا أم آجلا. يقول البعض إن الفترة قد طالت كثيرا والكثيرون قد وصلوا إلى مرحلة يأس، ولكنني أقول إن كل الثورات في العالم لم تنته بين عشية وضحاها.
 
إن تعسر هذه الولادة، وظهور مجموعات إسلامية متشددة في هذه السنوات العجاف تقتل وتنكل باسم الدين، جعل عددا كبيرا من أبناء الوطن العربي يطرح أسئلة دينية فلسفية كانت عنده من قبل من المسلمات، تلك الأسئلة للأسف لم تكن في كثير من الأحيان مبنية على منطق صحيح ولا على فكر سليم، نظرا لأن المعظم لم يتعلم أن يطرح الأسئلة في دينه، إنما كان الدين بالنسبة له عبارة عن شعائر مارسها على غرار أسلافه ولم يحاول يوما التساؤل عن حكمتها أو فلسفتها ولم يحاول النقد والتعمق، لأننا ببساطة في المدارس العربية إجمالا نتعلم كيف نبصم ثم نصب الإجابة في ورقة امتحان، لا كيف ننقد ونسأل ونفهم. وبالتالي فإن عدم وجود قاعدة منطقية نقدية أدى إلى استنتاجات خاطئة وفهم مغلوط للكثير من الأمور. 
 
واحدة من أكبر تلك المغالطات التي وقع بها البعض أن التخلص من الدين سيؤدي إلى ولادة طفل أشقر تشبه ملامحه ملامح الطفل الأوروبي الذي كان قد ولد منتصف القرن الماضي لأنه تم التخلص من الدين! هذه كانت نتيجة مغلوطة بُنيت على الربط بين التطور الذي حصل في القارة الأوروبية في القرن الماضي وبين إنهاء حكم الكنيسة، ولكن حصولهما سويا لا يعني بالضرورة أن هناك علاقة بينهما. إن ما تعاني منه المنطقة العربية وما عانت منه القارة الأوربية هو ليس ضعفا في كلا الدينين، إنما استغلال الدين وتسييسه واستخدامه كوسيلة لاضطهاد الإنسان هو الذي أدى إلى ذلك الاستنتاج المغلوط وإلى إلحاد الكثيرين تحت شعار "لو أن هناك إله لن يسمح بهذا القتل وهذا الظلم".
 
إن هذا التفكير المغلوط بالتأكيد مبني على طريقة تفكير سطحية لم تعتمد الفهم يوما، إنما اعتمدت تبني آراء الآخرين دون تفكر عميق في حقيقة الأشياء، فلو تفكر الإنسان في حقيقة هذه الدنيا لوجد أنها مكان فيه الكثير من المشقة سواء اعترف بوجود دين وإله أم لا، ولعلم أننا لم نأت لهذه الدنيا لكي نجلس على شاطئ نستجم، إنما نحن -شئنا أم أبينا- سنتعب كثيرا وسنجلس على شاطئ البحر للاسترخاء قليلا. ثم إن كون الإنسان كُرم بعقله وبكونه مخيرا وليس مسيرا كباقي المخلوقات فمن الطبيعي أن يقوم بأفعال خيرة وبأفعال شريرة، وإلا فلا معنى لكونه مخيرا ولكونه عاقلا لديه إرادة حرة بعكس غيره من باقي المخلوقات. وما لا يدركه بالمنطق هؤلاء أن الشيء لا يستدل عليه إلا بوجود ضده، فلولا وجود العتمة لما كان هناك معنى للضوء، ولولا وجود المرض لما كان هناك تعريف للصحة، ولولا وجود الشر لما كنا قدرنا فعل الخير.
 

هذا الجيل أصبح قادرا على الوصول إلى المعلومة بنفسه، فإن لم تعلمه كيف يستقبل المعلومة ويتعامل معها سيكون بالضرورة في بيتك ملحد صغير
هذا الجيل أصبح قادرا على الوصول إلى المعلومة بنفسه، فإن لم تعلمه كيف يستقبل المعلومة ويتعامل معها سيكون بالضرورة في بيتك ملحد صغير
 

كما أن الكثيرين ممن قاموا بتلك المغالطات جهلوا أن ما تمر به المنطقة العربية هو ما مرت به وستمر به كل الحضارات وكل الشعوب عبر العصور، وأن هذه الأرض لم تعش فترات من السلام والمحبة والمودة المطلقة بين من يعيشون عليها سواء بوجود أديان سماوية أو بعدمها، وهذه سنة كونية لا بد أن ندركها ونقر بها لكي نستطيع إكمال المشوار.
 
ما يقلقني فعلا أن هؤلاء يزدادون كل يوم، وبما أننا نعيش في زمن أصبح لكل منبره الذي يتحدث إلى الناس منه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح الإسلام فيه مسيسا وبشدة، فإن التضليل الذي يحدث غالبا ما يكون إما بفعل سماع الشباب لغير المتخصصين أو لمدفوعي الأجر يخوضون في أحاديث تدعو إلى ترك الدين الذي هو برأيهم داء هذا العصر، وسبب تخلف الأمة العربية، أو يقومون بتشويه الدين عبر التشديد فيه وجعله دينا رجعيا عنيفا. تقوم الفرقة الأولى من هؤلاء بتدليس الحقائق وبإثارة النقاط الجدلية في الدين وتقديمها على أنها نقص في الدين وأنها سبب يجب علينا أن نترك الدين لأجله، وكون الشباب العربي لا يقرأ ولم يتعلم نقد الفكرة قبل تبنيها فقد سهل استدراج الكثيرين إلى هاوية الإلحاد. وأما الفرفة الثانية فتقوم بنشر كل ما هو خلافي وغير ثابت في الدين على أنه جزء من الدين، فيخّيل إلى المستمع أنهم يصدحون بالحق ولكن يريدون به ما أرادته الفرقة الأولى.
 
لذا برأيي أصبح فرض عين على كل منا أن يبحث في دينه، وأن ينظر بعين الناقد لكل ما يستمع إليه سواء من أتباع الدين أم من غير أتباعه، وأن يعرف لمن يستمع وأن يبحث في سيرة الشخص ومدى تخصصه قبل أن يستمع إليه، وألا يسلم بما يستمع إليه، إنما يبحث بنفسه ويتأكد من كل معلومة يسمعها، ببساطة؛ لأنه يمكن لي كمتخصصة في اللغة الأنجليزية أن أكتب لك عن حقائق مدهشة في اللغة الصينية وأنا لا أفقه شيئا فيها! فإن لم تدقق أنت كمتلق في سيرتي وإن لم تبحث عن صدق تلك الحقائق سوف تعيد نشر ما كتبته أنا وأنت مقتنع به! وهذه كانت أيضا إحدى الآفات التي تعرض لها ديننا في العقد الأخير؛ حيث يقوم أحدهم بوضع صورة سمكة تلد قطة ويكتب تحتها سبحان الله! ويطلب منك كمتلقي نشرها كواجب ديني فتنتشر بين البسطاء من المسلمين على أنها حقيقة!
  
إن هذا التدقيق سيؤدي بالضرورة إلى زيادة الوعي وتعلم نقد الفكرة مهما كانت، وبالتالي حفظ الجيل القادم من الوقوع في نفس الترهات والمتاهات؛ خصوصا أن هذا الجيل أصبح قادرا على الوصول إلى المعلومة بنفسه دون الرجوع إلى الوالدين، وأصبحت لديه أسئلة متجددة في شتى المواضيع، فإن لم تعلمه كيف يستقبل المعلومة ويتعامل معها سيكون بالضرورة في بيتك ملحد صغير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.