شعار قسم مدونات

اليمن.. الثورة والمستقبل

blogs اليمن
عناصر القوة إلا واحدا:
اندلعت ثورة 11 فبراير2011 الشعبية السلمية، أوقعت نظام صالح في أزمة حقيقية وارتباك واسع النطاق، وكانت عناصر قوتها في شمولها للجغرافيا اليمنية، ووجود مختلف الفئات الاجتماعية والمهنية في الميادين والساحات مع السلمية الكاملة، ثورة شعبية عامة، استخدم النظام القوة فزادتها اتساعا واستخدم الحشود الشعبوية لإظهار شعبية زائفة بكل المقاييس، فهي تحتشد بمال السلطة وسيفها، ومع ذلك لم تكن شيئا مقارنة بالساحات والميادين التي تمتلئ بالجماهير الثائرة والواقعة تحت تهديد العنف السلطوي في حين حشود السلطة مؤمنة.

كل عناصر النجاح توفرت إلا عنصرا واحدا ظل مفقودا يتمثل في غياب الرؤية، القيادات المفترضة للثورة كانت تخشى من سقوط النظام إذ لم يكن لديها رؤية لكيفية نقل السلطة ولا برنامج لإدارة فترة انتقالية، ولم تسع لإيجاد رؤية ولا لقيام هيئة تمثل الثورة، وجاء تشكيل مجلس وطني متأخرا ولم يكن له قيمة فعلية.
 
لقد وقعت في الخطيئة التي وقعت فيها ثورة 25 يناير المصرية، تشكلت لوحة في ميدان التحرير جمعت كل ألوان الطيف المصري حتى غدا وجهة لوزراء ومسؤولين غربيين كانوا يعودون مطمئنين حين وجدوا ثورة في ظاهرها مخيفة لهم وفي باطنها لا توجد قيادة؛ إنها ثورة بلا رؤية، وما أيسر الالتفاف حولها وإفشالها.. وزيرة الخارجية الأميركية السابقة التي زارت الميدان قالت إنها ثورة مدهشة، لكنها بلا رأس سياسي. وحين قرر مبارك مغادرة الرئاسة لم يكن هناك أي بديل من قبل الثورة، فملأت القيادة العسكرية الفراغ وجاءت سلطة انتقالية من النظام نفسه نجح لاحقا في تمزيق الصف الثوري ووقع الإخوان والقيادات السياسية في الفخ العظيم.

من الشروط التي وضعها صالح على طاولة المبادرة الخليجية أن يُمنح  الحصانة مقابل التخلي عن كرسي الرئاسة، مع أن أبسط أبجديات التفاوض أن تكون الحصانة مقابل الاعتزال أو العزل السياسي لأسرة صالح وتسليم مؤسسات الدولة.
من الشروط التي وضعها صالح على طاولة المبادرة الخليجية أن يُمنح  الحصانة مقابل التخلي عن كرسي الرئاسة، مع أن أبسط أبجديات التفاوض أن تكون الحصانة مقابل الاعتزال أو العزل السياسي لأسرة صالح وتسليم مؤسسات الدولة.
– أزمة القيادة.. أزمة الرؤية:
تعاني البلاد من أزمة قيادة حقيقية لعبت جميع الأطراف بلا استثناء في عقم الحياة السياسية اليمنية بأدوار متفاوتة، نظام الرئيس السابق هدفه الغائي ظل الانفراد بالسلطة واحتكارها وتوريثها للأبناء ومن ثم أشاع التوريث في الهيئات والمؤسسات والوزارات، وقرب أهل الثقة واستبعد أهل الكفاءة، وكان الأهم الولاء لشخصه ولمشروعه الأسري، وليس الأداء، بل وتفضيل من يكون متخلفا فاسدا في أدائه، هذه البيئة التي صنعها صالح لا تسمح بظهور مهارات قيادية على الإطلاق، بل إن ظهرت ملامح تميز لدى أشخاص فإنهم يعتبرون جسما غريبا مضرا بالجسم الأصل، واتبع سياسة الإيقاع والإغواء لأشخاص كانوا يبرزون فيتم إشراكهم في الحكومة لفترة ثم يظهرون فاسدين أو يستعصون على الإغواء، فيتم استبعادهم.

نظام صالح استخدم وسائل شتى لتشويه أشخاص أظهروا بعض القدرات القيادية، ولكن أولئك الأشخاص وقعوا في الأخطاء فعلا، وظهرت نقاط قصورهم الذاتية.

كانت رئاسة فرج بن غانم للحكومة نموذجا لعدم تعايش الكفاءة والنزاهة مع نظام صالح، إذ لم يكمل سنة واحدة وقدم استقالته بعد تسعة أشهر. وهكذا حتى الأولاد من أسرة صالح الذين برزوا كان ظهورهم أو غموضهم يشير إلى فقدانهم للمهارات السياسية، وأنهم أقل من شخص صالح ذاته، ومن ثم فإن سياسة التسويق والترويج لهم لم تكن مجدية إلا لدى القليل من البسطاء.

– المبادرة الخليجية:
حين طرحت المبادرة الخليجية، وكانت القيادة المفترضة للثورة من غير رؤية، تعاملت فورا مع المبادرة، وعلى الرغم من أن صالح كان يتحدث عنها ويطرح شروطا بين فينة وأُخرى؛ منها عدم إشراك قطر في المبادرة، والمطالبة بضمانة محمد بن زايد، ثم المطالبة بضمانات إقليمية ودولية، فإن تلك القيادة كانت في موقع المتلقي، ولم تكلف نفسها القيام بعملية تفاوض، ورفع سقوف مطالبها، الأمر الذي مكن صالح من تحويلها إلى مناورة لفترة طويلة، وحين صيغت بصورة نهائية قبلت بها الأحزاب، وكان أبرز ما تم تمريره: الحصانة مقابل التخلي عن كرسي الرئاسة مع أن أبسط أبجديات التفاوض أن تكون الحصانة مقابل الاعتزال أو العزل السياسي لأسرة صالح وتسليم مؤسسات الدولة جميعا بما فيها الجيش والأجهزة الأمنية.. وأزمة القيادة من سمحت بتمرير قنابل موقوتة لتفجير أزمة لاحقة.

الأحزاب السياسية درجت على التأبيد للقيادة، وصحيح أن الناصريين كسروا القاعدة وتم انتخاب قيادة جديدة مع كل مؤتمر عام، لديه أمناء عامين سابقين أكثر من غيره، ويليه الحزب الاشتراكي، أما الإصلاح، فإنه لم يختلف عن المؤتمر الشعبي في تأبيد القيادة العليا ومن ثم لم ينجح في فرز قيادات جديدة وكثير من الطاقات أهدرت، وأفل طموحها مع استمرار القيادة ذاتها، لكن الأحزاب الثلاثة اشتركت في عدم ظهور قائد جماهيري واع مقنع ومن ثم أخفقت في قيادة ثورة فبراير إلى التغيير المنشود.. تلك حقائق لا أظن أن هناك من ينكرها.. صحيح أن نظام صالح استخدم وسائل شتى لتشويه أشخاص أظهروا بعض القدرات القيادية، لكن الصحيح أيضا أن أولئك الأشخاص وقعوا في أخطاء وظهرت نقاط قصورهم الذاتية.

من هذه البيئة التي يغلب عليها طابع الأمية السياسية وتعاني من أزمة قيادة جاءت عملية انتقال السلطة وقيام السلطة الانتقالية التي حملت معها نقاط ضعف أدت إلى الأحداث اللاحقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.