كشفنا كيف كنا متآمرين على أنفسنا ولم يتآمروا علينا بل وجدونا جاهزين بل إننا كنا لقمة سائغة لم تتعب معدتهم في هضمنا. هذه الثورات مهما كانت نتيجتها كانت واجبا |
لا أتشاءم حول المستقبل ولا أؤيد الرجوع إلى للوراء لنقرأ الماضي المليء بالثورات الناجحة والفاشلة وكيف حولتها لنا كتب التاريخ إلى ثورات تخلو من الأخطاء، بل كانت ناصعة أكثر من بياض الأبيض، لم نقرأ أن ثورة فلان الفلاني التي كانت في الدولة الفلانية فشلت بسبب كذا وكذا، بل كنا نقرأ كيف كانت وكيف كان الناس يشجعون ويؤيدون وينظرون إليها وماذا حصدت، ولكن جميعها من زاوية واحدة. من زاوية التي انقلبت على حكام الأنظمة القمعية التي كانت تريد أن تخدر وتُسكت الناس بها ونست أن هذه الكتب منذ زمن انتكاسات القرن الماضي ولم تعد تجدي نفعا.
ألم تكن هذه الثورات واجبة، إن ما كشفته هذه الثورات لم يكن يتصورة أحد إلا من كانت له علاقته المباشرة مع هذه الأنظمة وكيف تدار من دهاليزها السوداء التي لم تُكتشف بعد، وما ظهر منها ما هو إلى السطح البشوش. ألم نتعلم من هذه الثورات أن نثور على أنفسنا قبل أن نثور على حكامنا. ألم تكشف هذه الثورات قدر جهلنا وبساطة تفكيرنا. تدور أسئلة ليس لها حدود كل يسأل من زاويته التي يرى منها.
الأهم من هذا كله هو أننا كشفنا كيف كنا متآمرين على أنفسنا ولم يتآمروا علينا بل وجدونا جاهزين بل إننا كنا لقمة سائغة لم تتعب معدتهم في هضمنا. هذه الثورات مهما كانت نتيجتها كانت واجبا، وكان من الواجب في أقل تقدير من ملامستها مع قسوتها وظلمها الذي طال الملايين حتى أصبحنا نجوب العالم كله ونحن لاجئون خائفون. قد لا يتعلم الإنسان إلا من أخطائه، ولكن إن نجح هذا الجيل بنقل هذا الربيع بالصورة التي يستطيع أن تتعلم منها الأجيال المقبلة، فإننا حققنا ما لم يستطع على تحقيقه أباؤنا وأجدادنا ونحن نتهمهم بإضاعة القضية العربية الأولى. وقد، نُتهم بإضاعة مستقبلهم.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.