شعار قسم مدونات

رقعة الشطرنج العربية.. محاور الإقليم والاستقطاب الدولي

blogs إيران

قبل الربيع العربي وفي أثنائه وما تلاه من أحداث ومواقف وفرز وتصنيف وتمايز بين الدول والحكومات في المنطقة، أسفر عن تشكل ثلاثة محاور إقليمية: طهران، أبو ظبي، أنقرة، أقدمها محور طهران -وهو سابق للربيع العربي – الذي صار فاعلا مباشرا في المنطقة وفي تمدد مستمر تحت لافتة الممانعة مقابل ما وصف بالاعتدال، وظهرت أبو ظبي كمعادٍ للربيع العربي ومعها الرياض ونجحتا في القاهرة، في المقابل بدت تركيا وقطر مساندتان للربيع العربي بقدر، ويمكن النظر إلى المحورين الأخيرين أنهما في مرحلة ما بعد التأسيس وقبل الاكتمال.

محور طهران 
نجحت طهران في رسم استراتيجية واضحة منذ الثمانينيات من القرن الماضي في بلورة مشروع للهيمنة على المنطقة، يمتزج فيه القومي بالطائفي بالسياسي في مسعى لإعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية، الدافع الأول لبناء مشروع، وتوحيد الشيعة بما فيها تلك التي كانت الإمامية تنظر إليها على أنها معادية ك (الزيدية والإسماعيلية والعلوية) _وهاتين الأخيرتين كان ينظر إليهما من قبل الشيعة (الإمامية والزيدية) وكذلك السنة على أنهما باطنية وخارج دائرة الإسلام، لكن إيران وحدتها سياسيا، وتركت لكل منها مذهبها الخاص، ثم لم تقف عند البعد القومي والطائفي بل سعت لبناء علاقات سياسية مع أطراف غير شيعية – خاصة المقاومة الفلسطينية – وجعل القضية الفلسطينية شعارات للتسويق لها في المنطقة وعبر ذراعها حزب الله، واستقطبت سياسيين وكتاب ومفكرين خاصة من اليسار والقوميين الذين طرحوا قوميتهم العربية جانبا.

إن كان نظام السيسي أسيرا لأبوظبي بالنظر إلى فاعليتها المعلنة بجانب الثورة المضادة في مصر ووصول السيسي للسلطة فإن ما يثير حيرة المراقبين تبعية الرياض، والذي لا يوجد له تفسير أو سبب مقنع
إن كان نظام السيسي أسيرا لأبوظبي بالنظر إلى فاعليتها المعلنة بجانب الثورة المضادة في مصر ووصول السيسي للسلطة فإن ما يثير حيرة المراقبين تبعية الرياض، والذي لا يوجد له تفسير أو سبب مقنع
 
حين نقول محور طهران فإنه تعبير مجازي، أي أنه ليس تكتلا بين دول ف (بغداد ودمشق) تابعتان ل (طهران) كما هو حال حزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين في اليمن. كما أن محور طهران قائم على الأبعاد الثلاثة القومي والطائفي والسياسي فإن له ألياته العسكرية – فيلق القدس – والاستخبارية والإعلامية الثقافية والدعائية الموجهة للناطقين بالعربية، وكذلك الأوردية في أفغانستان وباكستان، إنه مشروع متكامل يقدم نفسه على أنه يسعى لتحرير المنطقة من الهيمنة الصهيوأمريكية، وما هو إلا مشروع لهيمنة فارسية شيعية، نجح في مواقع كثيرة واستقطب مجموعات سنية ك (طالبان والقاعدة وتنظيم الدولة) واستخدامها بدرجات متفاوتة.

محور أبوظبي
هو محور تكتل فيه الكثير من الارتباك، ويبدو بلا رأس وإن بدت أبو ظبي هي الفاعلة فيه، وتسير خلفها الرياض والقاهرة. تأثير الإمارات يفوق حجمها ومثير للكثير من الأسئلة. كيف تسير الرياض والقاهرة خلف أبو ظبي؟ وإن كان نظام السيسي أسيرا لأبو ظبي بالنظر إلى فاعليتها المعلنة بجانب الثورة المضادة في مصر ووصول السيسي للسلطة فإن ما يثير حيرة المراقبين تبعية الرياض، والذي لا يوجد له تفسيرا أو سببا مقنعا. وعلى الرغم ما تشكله طهران من تهديد وجودي للمنطقة العربية ولدول الخليج إلا أن هذا المحور ركز طاقاته في الخصومة للربيع العربي وإسناد الثورات المضادة وشق الصف العربي والسني ليغدو عمليا وفي المحصلة ل صالح طهران، وتقديم خدمات واسعة لطهران، ليست بدون أي مقابل وحسب، بل ومكلفة للرياض وأبو ظبي، في سوريا ولبنان والعراق إلى اليمن وليبيا، وإيقاع مصر في أزمة واسعة.

 

كان ظهور الجزيرة قبيل نهاية القرن الماضي أهم مشروع استراتيجي عربي وتظل المشروع الوحيد ليس على المستوى الإعلامي وحسب بل على المستويات المختلفة، لا يوجد مشروع سياسي عربي مماثل

وفي الوقت الذي عملت إيران على توحيد الشيعة فإن سياسة الرياض ما فتئت تصدر حديثا غير صحيح يتحدث عن الفرق والفرقة الناجية وتوزيع الضلال على المسلمين السنة واحتكار الهدى والنجاة على السلفية، كأن الألة الفكرية والثقافية والفقهية السلفية عبارة عن ملحقية ثقافية لسفارة إيرانية، وفي الوقت نفسه تمارس الإمارات عملية تمزيق سياسية واجتماعية في البلاد العربية السنية، والتعامل مع قوى خطرة، من قاعدية وسلفية منغلقة وجهادية إلى الصوفية وتبني وتمويل كل من هو ضد التعددية السياسية والقوى التي تمارس فعلا سياسيا كما هو الحال في مصر وليبيا واليمن، وشن حرب بلا هوادة على كل من يظهر الاعتدال والوسطية والاتزان، إضافة إلى الخصومة مع المقاومة الفلسطينية والتعاون مع الدولة العبرية، هذا المحور وإن كان يشعر أبو ظبي بنشوة أن لها سلطة ونفوذ على الأشخاص والجماعات المستخدمة إلا أنها تعمل على إعداد الساحة وتمهيدها لقوى أكبر منها سواء كانت إقليمية كإيران (وإسرائيل) أو دولية كالولايات المتحدة وروسيا.

محور أنقرة / الدوحة
هذا المحور يبدو ناشئا في محيط معاد على نحو واسع. وكان الربيع العربي الذي عمل على فرز وتصنيف مواقف الحكومات المختلفة قد أظهر دولة قطر مساندة للشعوب العربية الثائرة وخط الدوحة المتميز في التعبير عن الانتماء إلى الأمة وقضاياها، وإسنادها بجميع الوسائل الممكنة واللعب بحذر في إطار الهامش المسكوت عنه أمريكيا أو محاولة الإقناع للآخر.

شبكة الجزيرة 
كان ظهور الجزيرة قبيل نهاية القرن الماضي أهم مشروع استراتيجي عربي وتظل المشروع الوحيد ليس على المستوى الإعلامي وحسب بل على المستويات المختلفة، لا يوجد مشروع سياسي عربي مماثل. على سبيل المثال الجزيرة لاريب أنها أحدثت صدمة هائلة للأنظمة في المنطقة وخارجها ومنذ ظهورها واختيار موعد افتتاحها في أول نوفمبر 1996 كان إعلانا ضمنيا أن هذا المشروع هو النقيض للمشروع الصهيوني وقد أثبتت الأحداث أن القضية الفلسطينية هي القضية الرئيسة للجزيرة.

قطر وتركيا اتخذتا خطا واضحا في الانحياز للشعوب العربية والربيع العربي والقضية الفلسطينية ولم تكن سياسة أي منهما عدائية تجاه أي محور 
قطر وتركيا اتخذتا خطا واضحا في الانحياز للشعوب العربية والربيع العربي والقضية الفلسطينية ولم تكن سياسة أي منهما عدائية تجاه أي محور 

ولأول مرة تجد الدوائر الصهيوغربية إعلاما عربيا متميزا بالجراءة والرصانة، وبعيدا عن الأحاديث العاطفية المحضة والقومية المملة، والشعارات الجوفاء، والجمع بين الانتماء الى أمة والتعبير عن قضاياها من جهة وعلى مستوى عال من المهنية والاحتراف من الجهة الأخرى، بل إن أفقها إنساني عالمي رحب.

وحضورها ساحات وميادين الربيع العربي ساهم في إظهار الجوانب المشرقة التي عكستها الثورات، وطابعها السلمي وتطلعات الشعوب العربية للتحرر والانعتاق من الاستبداد والفساد. لذلك كانت حاضرة في الأزمة الخليجية الراهنة ومطلوب إغلاقها – بكل بساطة وخفة – يريدون اختفاء الجزيرة.

محور أنقرة / الدوحة يمضي ويتبلور ليغدو تكتلا متمايزا عن المحورين السابقين ولربما تنظم حكومات أُخرى في المستقبل أنه في هذه اللحظة في موقف دفاعي، حماية الذات من مخططات وتآمر محوري طهران أبو ظبي فتركيا وقطر يمارسان سياسة بعيدة عن الطائفية، وإن كانت تركيا بدأت تدرك الطابع الطائفي للسياسة الإيرانية وكانت ربما مفاجئة لها، ومع استمرار الأحداث والقوى الفاعلة فيها فإن تركيا الصاعدة والتي تسير بخطى حثيثة لتكون قوة أكثر فاعلية في السياسة والعلاقات الدولية قد تشكل عامل توازن مع السياسة الإيرانية وأتباعها.

إن قطر وتركيا اتخذتا خطا واضحا في الانحياز للشعوب العربية والربيع العربي والقضية الفلسطينية ومتوازنا مع القوى المختلفة معها فلم تكن سياسة أي منهما عدائية سواء تجاه محور أبو ظبي أو محور طهران على الرغم من التناقض التام في الملف السوري والعراقي واليمني مع طهران. هذا المحور قد يضم في المستقبل دولا وحكومات مثل باكستان وإندونيسيا وماليزيا. والواقع أنه ضرورة للتوازن مع الاستقطاب الحاد الذي تمارسه إيران في بلاد عربية مختلفة بينها جارتين لتركيا إضافة إلى الطريقة العبثية لمحور أبو ظبي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.