شعار قسم مدونات

أزمة الأفكار في المجتمع العربي

blogs - كتاب قديم و نظارة
المجتمع الإسلامي في واقعنا المعاصر يعيش أزمة فكرية حادة، وانكماشا فكريا قد جعله في مصاف الدول النامية، أو التي يصطلح عليها بالعالم الثالث؛ إذ إننا لم نستطع أن نقدم شيئا أو نأتي بشيء من أنفسنا، وكل هذا وراءه أسباب عدة، وسأسفر في هذا المقال مسائل ثلاث عن هذا المجتمع المجهول، الذي لم يتمكن من الاندماج مع عالم المعرفة، أو بالأحرى مع النظام العولمي الجديد، وهذه المسائل والإشكالات هي:
– إشكال العقل العربي: التفكير غير الممنهج؟
– الانكماش الفكري وأزمة عالم الأفكار؟
– الحلول وبعض البدائل لأزمة الانكماش الفكري؟

الإشكال الأول وهو "إشكال العقل العربي" وغياب التفكير الممنهج، مرتبط بالقطيعة التي قام بها جل الناس مع التراث الإسلامي، الكل يعلم الأوج الذي كانت عليه الثقافة العربية في الأزمان الغابرة، وكيف أسهم العقل العربي في إغناء الحضارة الإنسانية في شتى المجالات، وهذا الإسهام الذي قدمه العلماء المسلمون للبشرية أجمع، ذهب وأصبح في خبر كان، ولم يحظ باهتمام كبير، دائما نحن نتجه نحو الآتي والقادم من الحضارة الغربية، فصار الواحد منا يتمجد بمعرفته للعلماء الغربيين ويفتخر بهم، وأنا لست أنكر هذا، لك الحق في أن تعرفهم، وأن تنظر فيما قدموه، ولكن ليست لدرجة أن تتناسى إسهامات أهل بلدك، ووطنك، فهذا هو الإشكال الذي يعاني منه المجتمع الإسلامي.

من بين الأمور التي أقترحها أن تكون حلا لهذه الأزمة هي العودة إلى دراسة التراث العربي الإسلامي في شتى جوانبه. والاهتمام باللغة العربية أكثر مع تعلم اللغات الأخرى.

لو استطعنا أن نعود إلى دراسة ما قدمه من مضى من علماء العرب ونتصل بهم بالمدارسة والتحليل والتفسير لكان العقل المعاصر في أحسن حال، وكما قال أمين الخولي: "لا تجديد إلا بقتل الماضي بحثا"، فهذه المقولة لم تأت عن عبث،إذ إنه منطقيا لا يمكن لحضارة أن تتطور دون دراستها لِما خلفه الماضون، لا يمكن البتة، خذ على هذا مثالا للحضارة الغربية، فكلها قامت بدراسة ماضيها العلمي والمعرفي، حتى تتمكن من ملء الفراغات التي تركوها، وتكييف وتطويع المسائل التي قدموها، بعدها تقدم شيئا آخر جاء عن الفهم الحق للماضي، وهذا يسري عليهم في شتى المجالات، لذلك فإن العقل العربي يحتاج لإعادة ربط الصلة مع التراث، والاتصال به ودراسته حتى يكتسب نوعا من التفكير المنهجي، فهذا من جهة ومن جهة ثانية أن تهتم الدولة بالعلم وبالعلماء وأن تقدم لهم كل ما يخصهم، فإننا في هذه الحالة قد نتمكن من إعادة الحياة لهذه الأمة.

المسألة الثانية المتعلقة "الانكماش الفكري، وأزمة عالم الأفكار في مجتمعنا، أقدم فيها أنموذجا لدراسة "مالك بن نبي" بحيث درس هذا الإشكال، وما قام به هذا الرجل في كتابه "كمنويلث إسلامي" هو أن المجتمع الإسلامي إشكاله مرتبط بأزمة في عالم الأفكار، وتوجيهه لهذا كان في أن صنف المتجمع الإسلامي في الطور الأول من أطوار نمو الطفل، وهي المرحلة ما قبل الاجتماعية، وهي تلكم المرحلة التي لم يستطع الطفل فيها أن يندمج مع مجتمعه، في عاداته وتقاليده، وأسسه، ودينه وغيرها من المسائل، بمعنى ليس هناك تفاعل، وهذا الذي قال به مالك بن نبي، هو نفسه الذي يحصل لمجتمعنا الآن، لم نستطع أن نتفاعل مع عالم المعرفة والأفكار التي تدور في هذا النظام المعرفي الجديد، إنه بعبارته هو مع "عالم الأشياء"، وعليه فهذا هو الإشكال العام، والذي جاء عن دراسة في مشكلات الحضارة، وهذا غيض من فيض وقليل من كثير، ونكتفي ههنا بهذه النقط.

المسألة الثالثة، هي إيراد بعض الحلول لهذه الأزمة الخطيرة. من بين الأمور التي أقترحها أن تكون حلا لهذه الأزمة هي:
– العودة إلى دراسة التراث العربي الإسلامي في شتى جوانبه.
– الاهتمام باللغة العربية أكثر مع تعلم اللغات الأخرى.
– توصية الباحثين للطلبة، وإرشادهم بأيسر الطرق لدراسة تراثهم.
– القراءة ثم القراءة فهي اللذة الوحيدة للعقل.
– اهتمام الدولة بالعلم والعلماء.
– الهمة في الرجوع إلى الأصل، ثم العزيمة.

في الأخير، كانت هذه أفكار حول الأزمة التي يعاني منها المجتمع الإسلامي، وتقديم بعض الحلول لها، وأرجو أن تكون هذه التدوينة قد قدمت شيئا، فهي على قدر علم صاحبها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.