شعار قسم مدونات

تفاهمات حماس دحلان .. ضرورة لا بد منها

مدونات - حماس ودحلان
الخطوات غير المسبوقة التي اتخذها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ضد غزة في الآونة الأخيرة والتي تمثلت في سعيه الحثيث لإغلاق مكاتب المؤسسات الإغاثية الدولية العاملة في غزة ومنع وصول الحوالات المالية إليها رغم التأثيرات السلبية لهذه الخطوة على عشرات الألوف من الأسر الفقيرة التي تعيلها تلك المؤسسات، إضافة إلى تقليص رواتب موظفي السلطة وإحالة عشرات الألوف منهم إلى التقاعد الإجباري، وحرمان غزة من الدواء ومنع مرضاها من تلقي العلاج خارجها ما أدى إلى وفاة العديد منهم، والطلب من دولة الاحتلال تقليص إمدادات الوقود والكهرباء بما تحمله هذه الخطوة من تأثير سلبي على الحياة الاجتماعية والاقتصادية في غزة، وليس آخرها خطوة قطع رواتب الأسرى المحررين والحديث عن نية عباس قطع رواتب أهالي الشهداء أيضاً في خطوة أخيرة قد تسبق إعلان غزة إقليما متمرداً واستجلاب قوات دولية للقضاء على المقاومة في غزة.

لا شك أن تلك الخطوات القاسية دفعت حماس للتفكير جدياً في استخدام بعض أوراق القوة التي تمتلكها والتلويح بأخرى، في مواجهة قرار عباس بخنق غزة وإغلاق باب المصالحة الفلسطينية إلى غير رجعة، فحماس التي أطلقت وثيقتها السياسية مطلع مايو الماضي والتي تضمنت قبولا بدولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران 1967م ضمن صيغة توافقية وطنية مشتركة مع الفصائل الفلسطينية كافة، وأكدت انفصالها سياسياً وتنظيمياً عن جماعة الإخوان المسلمين، وحرصها على عدم التدخل في أيٍّ من شئون الدول العربية الداخلية، ونأت بنفسها عن لعبة المحاور الإقليمية في ظل تجاذبات سياسية حادة تشهدها المنطقة، فضّلت التوجه إلى مصر الدولة العربية الأقرب جغرافياًّ إلى غزة، خاصة وأن تعزيز العلاقة مع مصر مطلباً شعبياً فلسطينياً لطالما حرصت غزة على تحقيقه في ظل التأثيرات السلبية لإغلاق معبر رفح الحدودي على غزة طوال السنوات الأربع الماضية.

دحلان يسعى ومنذ سنوات إلى إحداث اختراق تنظيمي في حركة فتح غزة لعلمه أن ساحة غزة التنظيمية هي الأقوى والأشد تأثيراً على القرار الفتحاوي.

لا شك أن التقارب الحمساوي المصري بما احتواه من تسهيلات اقتصادية لأهالي غزة فاجأ سلطة رام الله التي سعت في خطواتها المذكورة إلى تشديد الخناق على غزة، ظناً بأن ذلك سيؤدي إلى تأليب الشارع الغزي على حماس، أملا في حدوث مواجهات دامية تدفع حماس للإذعان لشروط عباس أو إشعال حرب جديدة مع الاحتلال.

لكن صاحب القرار في رام الله تناسى أن رفض عباس المتكرر للمطالب المصرية بالمصالحة مع دحلان ربما يدفع بمصر الحريصة على التمسك بدورها الإقليمي في القضية الفلسطينية إلى تجاوز عباس والسعي لتحقيق مصالحة فلسطينية بين حماس وتيار دحلان داخل حركة فتح، فنجاح تلك المصالحة فلسطينياً يمثل إنجازاً مهماً باتجاه تحقيق المصالحة بين حركتي حماس وفتح التي يتمتع دحلان بتأييد غالبية أبناءها الغزيين رغم قرارات عباس بملاحقته وفصله من الحركة.

تحقيق المصالحة بين حماس من جهة والنظام المصري وتيار دحلان من جهة أخرى رغم ما يتضمنه من محاذير ومخاوف حمساوية، إلا أنه يحقق أهدافا سياسية لجميع الأطراف، فحماس التي تمتلك قوة عسكرية كبيرة في غزة تسعى لتحقيق اختراق في جدار الحصار الذي أصبحت سلطة رام الله بخطواتها غير المسبوقة شريكا فاعلا في تشديده إلى جانب دولة الاحتلال، كما أن حماس حريصة على تعزيز علاقات غزة التجارية مع مصر الأمر الذي من شأنه أن يعيد عجلة الاقتصاد في غزة إلى الدوران من جديد، كما أنها تسعى إلى النأي بغزة عن الأحداث الدامية في سيناء، وتحقيق مصالحة مجتمعية مع مختلف الأطياف السياسية في غزة وفي مقدمتها تيار دحلان الرجل الأقوى تأثيراً بين أنصار حركة فتح في غزة.

التوافق مع حماس يمثل طوق نجاة لدحلان الذي نجح عباس في إقصائه من المشهد الفتحاوي بالضفة، لكن دحلان يسعى ومنذ سنوات إلى إحداث اختراق تنظيمي في حركة فتح غزة لعلمه أن ساحة غزة التنظيمية هي الأقوى والأشد تأثيراً على القرار الفتحاوي.

أرى أن الصفقة رابحة لجميع الأطراف، والرابح الأكبر بالتأكيد هم أهالي غزة الذين ينتظرون إنهاء حصار هو الأسوأ في التاريخ الحديث، بينما في المقابل فإن الخاسر الأكبر من تلك التفاهمات هو محمود عباس.

التوافقات الأخيرة مع غزة إضافة إلى ما ستعود عليه من فوائد أمنية لمصر التي تأمل تعاوناً أمنيا مع حماس يضمن حياداً إيجابياً لغزة في أحداث سيناء، فإنها ستجني أيضاً فوائد اقتصادية ربما تصل إلى سبعة مليارات دولار أمريكي بحسب محمود الزهار القيادي في حماس، مما يُسهم في التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر في الآونة الأخيرة.

رغم التحذيرات التي أطلقها كثيرون حول توافق حماس مع دحلان بسبب الدور الأمني الإقليمي الذي قام به الرجل في السنوات الأخيرة ولا يزال، فإنني أرى أن حاجة الرجل لحماس لتعزيز حضوره التنظيمي بين أبناء فتح غزة، وحاجتها إليه للتخفيف من حصار غزة سيدفع الطرفين إلى الحرص على عدم حدوث انتكاسة تؤدي إلى فشل الاتفاق، خاصة وأن كلا الطرفين ذاق بمرارة تبعات انقسام فلسطيني طال أمده، ولنا في اتفاق الطائف الذي عزز التعايش بين مختلف الأطياف اللبنانية رغم سيل الدماء وطوى صفحة الخلاف اللبناني إلى غير رجعة أسوة حسنة.

وأخيراً فإنني أرى أن الصفقة رابحة لجميع الأطراف، والرابح الأكبر بالتأكيد هم أهالي غزة الذين ينتظرون إنهاء حصار هو الأسوأ في التاريخ الحديث، بينما في المقابل فإن الخاسر الأكبر من تلك التفاهمات هو محمود عباس الذي لم يُقدِّر تبعات تهديداته وقراراته الأخيرة التي اتخذها ضد أهالي غزة على عجل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.