شعار قسم مدونات

الإمارات لزايد أم للعلقمي

blogs - الشيخ زايد
لا أخفي أنني كنت من المعجبين جداً بالسياسة الإماراتية، فقد استطاعت الإمارات أن تَكون خلال ثلاثين سنة هونغ كونغ الشرق الأوسط، فبنت نهضة رائعة عمرانية و تكنولوجية وتجارية ومؤسساتية أيضا مع إظهارها حيادا سياسيا نسبيا تجاه دول العالم، حتى مع إيران التي تحتل جزرها الثلاث، وربما كان هذا نوع من تأثير الدهاء الإنكليزي في توجيه الإمارات وسياساتها، ولعل انفتاح دبي الشديد على العولمة بكل ما تشمله من مظاهر حتى الدعارة والقمار وغيرها، وتحفظ باقي الإمارات كأبو ظبي والشارقة وعجمان على ذلك، أعطى إشارة أن دول الإمارات تحاول أن تظهر توازنا بين العولمة الإجبارية وبين الخصوصية الشرقية، ولعل مشاهدتنا كيف كانت الإمارات في السبعينيات عبارة عن أكواخ بسيطة وكيف نهض بها المرحوم الشيخ زايد لتصبح أبو ظبي ثم بقية الإمارات بالشكل الذي نعرفه اليوم.

أثار إعجابي بالنهوض السريع والمميز لهذه الدولة الصغيرة وكيف أخذت مكانا مميزا في العالم لعل ما سبق هو ما جعل عددا من أصدقائي ينظرون نظرة تقديس للسياسة الإماراتية ويدافعون عن حكمتها، وبعد نظرتها ورؤياها المستقبلية، لكن منذ انطلاق الربيع العربي كان للإمارات توجه آخر للأسف، ففي البداية أظهرت حيادية تجاه الربيع العربي عامة وسورية خاصة، ثم اتجهت بانحياز واضح للسفاح بشار الأسد وللثورات المضادة، ووقفت ضد من يدعم الثورة السورية على أراضيها مع علمها أن نظام الأسد هو جزء المنظومة الإيرانية والتي تحتل الجزر الإماراتية وتستهدف الإمارات نفسها.

لرهان على الأنظمة القهرية مهما كانت جبارة لن يفيد لسببين، فأولا هذه الأنظمة لا تحترم ولا تحمي من يتعامل معها كما فعلت الولايات المتحدة مع الشاه، وكما فعلت إسرائيل مع جماعة أنطوان لحد بجنوب لنبان. ثانيا تزول الأنظمة الطاغية والمستعمرة وتبقى الشعوب.

ثم ظهرت مشاركة الإمارات مع دحلان في ترتيب أول تدخل سيئ في الشؤون التركية وتعاونها مع الكيان الموازي، مما أحرجها واضطرها للاعتذار من تركيا لاحقا، ولا أجزم بتأييد الإمارات للانقلاب الفاشل الذي حصل في 2016، رغم أن التحريض على الرئيس أردوغان كان ظاهرا في تسريبات السفير الإماراتي الأخيرة، ثم تدخلت الإمارات في ترتيب الانقلاب الدموي ضد الرئيس مرسي، ودعمت وتبنت السيسي في انقلابه الدموي الشهير، ومع تحفظنا على سياسة الإخوان المسلمين الحزبية ضيقة الأفق إلا أنه لا يمكن لعاقل تأييد رجل الرز السفاح.

ثم ظهر التأييد والدعم الإماراتي للجنرال حفتر ضد ثوار ليبيا، وهو نفس توجه الخط المصري الإسرائيلي الأمريكي، مما يعني أن الإمارات تسير بشكل شبه كامل مع التوجهات الإسرائيلية الأمريكية حيثما توجهت، قد يبرر الأمر أن للتيار الصهيوني العالمي قوة لا تقهر، وبالتالي يجب مسايرته في توجهاته الحقيقية حيثما سارت، قد يكون هذا صحيحاً براغماتياً، كما فعلت كثير من القوى مع المغول في أوج قوتهم ووقت اجتياحهم للعالم، ولعل هذا السبب نفسه هو ما جعل ابن العلقمي يقف مع التتار ليكون له حظوة عند المغول، فهم رابحون برأيه ومن الأفضل للانتهازيين الوقوف مع الأقوى.

وكما ظهر في رسائل السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبي، عدد من الأمور، ومنها وصفه الربيع العربي بأنه ساهم في تصعيد التطرف على حساب الاعتدال والتسامح في المنطقة، وأن الإمارات والأردن هما آخر الصامدين في المنطقة، والسؤال المنطقي، ما الذي يجبر الإمارات على تغيير خطها السابق بأن تتدخل في السياسة كتابع للسياسة الصهيونية القذرة، بدل أن تكون مركز حضاري وتجاري وخدمي مميز في المنطقة تعمل بحياد سياسي حقيقي كما كانت خلال السنوات السابقة، هل هو اجتهاد شخصي من بعض الأمراء بأن يكون هناك دور سياسي وقيادي للإمارات، أم هو توجيهات إسرائيلية بأننا نحتاجكم في خرق منظومة الأمة العربية والإسلامية فافعلوا كذا وكذا! هل هو وهم القوة بسبب النجاحات الاقتصادية للإمارات أم الرغبة في أخذ دور أكبر من ذلك بالرهان على علاقات مميزة مع إسرائيل والولايات المتحدة لبعض حكام الإمارات.

نتمنى أن تعود الإمارات للدور الناضج والثابت الذي كانت تسير به في عهد الشيخ زايد رحمه الله، وتعود للخط السياسي العربي والإسلامي وهو التيارالطبيعي للمنطقة.

أقول إن الرهان على الأنظمة القهرية مهما كانت جبارة لن يفيد لسببين، فأولا هذه الأنظمة لا تحترم ولا تحمي من يتعامل معها كما فعلت الولايات المتحدة مع الشاه، وكما فعلت إسرائيل مع جماعة أنطوان لحد بجنوب لنبان. ثانيا تزول الأنظمة الطاغية والمستعمرة وتبقى الشعوب وهي من يجب بناء العلاقات المستقبلية معها ولنا في كل المستعمرين الذين مروا على أرضنا لعبرة.

وفي النهاية.. نتمنى أن تعود الإمارات للدور الناضج والثابت الذي كانت تسير به في عهد الشيخ زايد رحمه الله، وتعود للخط السياسي العربي والإسلامي وهو التيارالطبيعي للمنطقة وإن كانت قيادة الإمارات الحالية تراه خطا مكلفا سياسيا ومعاديا للتوجهات الأمريكية والإسرائيلية، فلا أقل من الحياد السياسي خاصة مع هشاشة وضع الإمارات جغرافيا وبشريا بسبب مجاورة الوحش الإيراني والذي له سابقة احتلال ثلاث جزر إماراتية فهل تفعل الإمارات أم أنها أكبر من تراجع وتُراجع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.