شعار قسم مدونات

حبًا في الأقصى

blogs - زيارة الأقصى
مع أخبار القدس التي تقفزُ إلى العين متسارعةً، يأخذ النفسَ حزنٌ عميقٌ إلى ماضيها وأنا أستذكر من بيتي في غزّة ما بقيَّ في الذاكرة من زيارتي الوحيدة إلى المسجد الأقصى والمدينة المقدسة قبل سبعة عشر عامًا، برفقة أمي حين كنتُ طفلًا، زيارةٌ قصيرةٌ في ثلاثة أيام لا تروي بالتأكيد عطشك من معالم المدينة ولا هواءها، من وجوه الناس ولا حلاوة اللهجة ودفء المكان، زيارةٌ تود تكرارها كل يوم لو كان باليد حيلة، لكنه حرمانُ المُحتلِ لمليوني فلسطينيٍ في غزة ممنوعين من السفر والتنقل بين غزة والضفة والقدس.

هذه الأجيال الكاملة التي تتوالد ليل نهار في غزّة، وليس بمقدورها أن تزور الأقصى وتصلي بين جنباته ولو لمرة، ناقمةٌ جدًا على المُحتل، على مُحتلٍ ما فتئ يعتزُ في المحافل بصونه حقوق الإنسان مُكذبًّا يده الطويلة التي امتدتْ ولا تزال على حرائر القدس وتُقيّد حركة أهل المدينة أنفسهم من الذهاب للصلاة في المسجد قبل أهل غزّة والضفة.

وتلمس القلبَ تلك القصصُ التي يرويها مَن يحالفهُ الحظّ من كبار السن في غزة بالوصول إلى الأقصى، هؤلاء الذين يحصلون على تصاريحٍ خاصةٍ في استثناءات العمر أو المرض التي قليلًا ما يسمحُ بها الاحتلال، فيأتون برائحة القدس معهم حاملين بعضًا من حلا وكعك البلدة القديمة هناك ومعمولات أهل القدس اليدوية، جالسًا تستمتع إلى حكاويهم لما رأته عيونهم ولمسته قلوبهم.

نستشعرُ العزَّ كثيرًا ونحنُ نرى ثلةً من الثابتين والثابتات سخرّهم الله لحماية بيته الأقصى رغم قهر الإبعاد والملاحقة والإصابة، ولا يمنعنا عن المساندة من غزة سوى حواجز وإسمنت المُحتل.

كأنه لم يبق إلا أن تكون على فراش المرض أو تتجاوز الخمسين في غزّة كي تُحظى بتصريح المُحتلِ – وهذا ليس أكيدًا – لتسرقُ زيارةً إلى الأقصى من الوقت المسموح لك بالتنقل فيه هناك، وهذا بالنسبة للجيل الشاب في غزّة بعيد المنال أيضًا في ظل المنع الإسرائيلي.

وأنت تتصفح من غزّة فيس بوك بات يستوقفك الـ "Check in" حين يكون من ساحات المسجد الأقصى، ومقاطع سناب حين تكون من أزقة البلدة القديمة، وصور أنستغرام من أمام مسجد قبة الصخرة، ولحظات البث المباشر لأحداثٍ هناك، وكل هذه الأشياء تُثير الحنين في النفس لصلاةٍ في الحرم القدسي أو زيارةٍ واحدةٍ لمعالم المدينة.

نستشعرُ العزَّ كثيرًا ونحنُ نرى تلةً من الثابتين والثابتات سخرّهم الله لحماية بيته الأقصى رغم قهر الإبعاد والملاحقة والإصابة، ولا يمنعنا عن المساندة من غزة سوى حواجز وإسمنت المُحتل، لكننا حاضرون بالدعاء والتضرع إلى الله ليحميَّ الأقصى من كيد الاحتلال في كل وقتٍ وحين.

لنحكي لأطفالنا عن الأقصى وأبوابه، عن مرابطيه وحُراسه، عن حرائره وشهدائه، عن القبة والمرواني والجامع القبلي، عن مسجد البراق والمغاربة وجامع النساء والمصلى، لنعُلمهم أن القدس قضيّة وليس حدثًا عابرًا تتلوه نشرات الأخبار أو يُمرره الشريط، أن فلسطين متى ما سكنتْ النفس ظل قلبك مشدودًا للقدس وأخبارها، أن المُحتل يفرحُ حين يراكَ مُغيبًّا بدعوى السلام واحترام الشعوب، أن حُب فلسطين ومعرفتك بتاريخها يجعلك بحد ذاته مُتميزًا، وعن فيروز حين غنت "لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبةٌ لأصلي".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.