شعار قسم مدونات

الأكراد والزمن المتوقف

مدونات - الأكراد

عبر التاريخ كان هناك أشكالا متعددة للدول والكيانات الحاكمة، فقد نجد دولاً نسبت لمنطقة ما كالحضارة الصينية أو الهندية أو الرومانية أو البابلية وقد نجد دولا نسبت لأعراق معينة كالمغول والفرس وغيرهم، ولم تظهر الدول القومية بشكلها العنصري إلا في القرن التاسع عشر إثر بروز منظري الفكر القومي في ألمانيا وإيطاليا وغيرها من دول أوربا والذين لحق بهم مقلدين آخرين عرب وأتراك وكرد وغيرهم، إذ كانت هذه موضة القرن التاسع عشر وبداية العشرين.

نتج عن هذا الفكر القومي العنصري حربان عالميتان راح ضحيتهما في الأولى 19 مليون إنسان وفي الثانية 59 مليون إنسان مما جعل أوربا تتجاوز هذه الفكرة المدمرة، فأطلقت فكرة الدولة الحديثة والمواطنة والمساواة بين المواطنين ثم بدأت فكرة الاتحادات الأوربية والآسيوية والأمريكية الجنوبية وغيرها نتيجة لما شاهدوه من علو كعب الولايات المتحدة بولاياتها الـ51 وكذلك الاتحاد السوفييتي والصين والتي صارت تشكل قوة كونية تكاد أن تلتهم العالم. 

اتهم البعض صلاح الدين بالحمق لأنه لم ينشئ دولة كردية في زمنه! فأجبت: غريب هذا التفكير لو فعل صلاح الدين كما تقول لما كان هناك صلاح الدين أصلاً ولا تحرير للقدس ولا غيرها وهذا شيء في غير سياقه الزمني أو الفكري.

لكن مفكري دول العالم الثالث وكأنما توقف الزمن عندهم ولم يخرج فكرهم من ثلاجة العنصرية القومية فبقوا يعبدون صنم القوميات ويتقاتلون من أجله رغم ما سبب لهم من حروب ودمار وتخلف، ورغم أنه من أوجد الفكر القومي قد تركه وراء ظهره ليتمسك بالأفضل. ومازال القوميون العرب والأتراك والأكراد يتناطحون لإنشاء الدول القومية بنقاش عاطفي مشحون بحلم عاطفي مفقود وكأنهم لم يدركوا أن الزمن قد تغير وأن الدول الحديثة كأمريكا أصبحت قوة كونية Supper power باحتوائها لكل القوميات والأعراق والأديان لخدمة قوتها وتطور شعبها.

نيروز عام 1986، كان أول احتكاك رسمي لي بالقضية الكردية في المرحلة الثانوية عندما سافرت مع أخ عزيز من أكراد مدينة عفرين لمدة ثلاثة أيام لنحضر احتفالات نيروز وما يصاحبها من نشاطات، وبالفعل ذهبنا لعفرين ومنطقة النبي هوري واحتككنا بالأهل والأصدقاء فكان الكل يتبارى ليشرح لي عن القضية الكردية وتاريخها ومظلوميتها وأحلامها، ودارت بيننا حوارات شيقة أوجزها بهذه النقاط المختصرة:

1- الدولة الكردية معظم من ناقش كان يحلم بإقامة الدولة الكردية ويبرر ذلك بقولة لماذا يملك العرب والترك والفرس دول ونحن لا نملك دولة فكنت أجيبهم وماذا فعلت تلك الدول التركية والفارسية والدول العربية ال22 لنا ؟غير أنها سرقتنا وسحقتنا وجعلتنا متخلفين.

2- الشعب الكردي 40 مليون منتشرين في كردستان الكبرى التي مزقها الاستعمار الذي قسم المنطقة ولم يسمح لنا بدولة كردية. فقلت صحيح هذه مشكلة الاستعمار الخبيث الذي بث الفكر القومي ليفرق بيننا لنتصارع بعد أن كنا أمة واحدة تحكم العالم ولا تنسوا أننا مختلطون بشكل لا يقبل التقسيم فماذا تفعلون بأكراد دمشق وحماة وحلب؟ هل تهجرونهم لكردستان أم تضموا حلب ودمشق وحماة وغيرها لكردستان؟

3- الكرد المظلومين أفاض الإخوة في مظلومية الكرد فهم ممنوعون من لغتهم واحتفالاتهم وقصة الهويات الشهيرة. فقلت لهم معكم حق لكن لا تنسوا أننا ظلمنا بشكل أشد وأبشع فمن منكم لا يعرف مجازر حماة وحلب وجسر الشغور وتدمر ومثيلاتها في كل البلاد العربية إخوتي نحن كلنا شعوب مظلومة من الأنظمة الشمولية ونبحر عبر التاريخ في مركب واحد.

4- أخطاء صلاح الدين الأيوبي للأسف، اتهمه البعض بالحمق لأنه لم ينشئ دولة كردية في زمنه، فأجبت غريب هذا التفكير لو فعل صلاح الدين كما تقول لما كان هناك صلاح الدين أصلاً ولا تحرير للقدس ولا غيرها وهذا شيء في غير سياقه الزمني أو الفكري.

5- الكرم الروسي، كان واضحاً حينها انتشار كبير جدا للفكر اليساري بين الإخوة الأكراد وتحدث الإخوة عن الكرم الروسي الذي يحتضن الطلبة الكرد ويقدم بعثات ورعاية لهم وقسم كبير من هؤلاء أصبحوا دعاة للشيوعية وما يلوذ بها، فقلت للإخوة لم لا تمارس روسيا نفوذها لدى حلفائها وعملائها ليعطوكم حقوق اللغة والهويات وغيرها؟ّ!!

أثق أننا سنصل للقناعة التامة بضرورة التوحد في كيانات عملاقة لنستطيع العيش في عصر العمالقة الولايات المتحدة والصين وأوروبا الموحدة، لكن كم سندفع من ثمن وضحايا لنصل لهذه القناعة؟! فهذا ما لا أعلمه.

6- أمريكا والقومية سألت الإخوة ما رأيكم هل تقبل الولايات المتحدة أن تُقسم على أساس عرقي أو ديني؟ قالوا طبعا لا، فقلت لم لا نتعلم مما حصل في أوربا ونعود كلنا أمة واحدة فنحن كنا عبر القرون أمة واحدة وأنا شخصيا الكردي الصالح أقرب إليّ من العربي الفاسد.

7- السياسيين الكرد تطرقنا للصراعات بين السياسيين الكرد الطلباني والبارازاني في الثمانينات وأنن الأمر سيتطور للأسوأ، لو صارت هناك دول فلا تحلموا بدولة ملائكة، وبالفعل هذا ما أثبتته السنوات التالية من قتل وسجن الأحزاب الشوفينية الكردية لكل مخالفيها.

واليوم يجري شحن سياسي كبير لتفتيت المنطقة وتقسيمها دولا متناحرة من قبل دول كبرى لها تاريخ دموي واستئصالي رهيب والغاية بالتأكيد هي "فرق تسد ودعهم يتقاتلون"، فهل نتعظ وندرك أن المستعمر الغريب زائل لا محالة ولن يبقى في بلادنا إلا أبناء بلادنا طال الزمان أم قصر؟!

 وختاماً أنا أثق أننا سنصل للقناعة التامة بضرورة التوحد في كيانات عملاقة لنستطيع العيش في عصر العمالقة الولايات المتحدة والصين وأوروبا الموحدة، لكن كم سندفع من ثمن وضحايا لنصل لهذه القناعة؟! فهذا ما لا أعلمه. أتمنى أن يتدارك العقلاء الفكر البناء ويحرروا عقولهم من ثلاجة التاريخ ليتركوا الأهواء جانبا ونعمل على ما ينفع شعوبنا وبلادنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.