شعار قسم مدونات

أهل تونس أدرى بشيخهم

مدونات - عبد الفتاح مورو

يبدو أن الحملة على الشيخ عبد الفتاح مورو بعد ظهوره في برنامج فكاهي علا صداها في المشرق العربي كما لم يعلُ في بلده تونس.. فحينما ترى فقرات إعلامية تخصصها القنوات المشرقية الكبرى على ظهور مورو وترى تدوينات مشرقية عديدة تحط من قيمة مورو بعد هذا الظهور، وتقرأ بوستات إخوانية تكاد تكفره، وترى عزام التميمي يعتبر بأسلوب ساخر أن في ظهور مورو مع الكوميدي التونسي المشهور محليا جعفر القاسمي تجسيدا للفصل بين الدعوي والسياسي.. تفهم حينئذ الخلل الحاصل لدى الكثير من الإسلاميين في التمييز بين طبائع وثقافات المجتمعات..

الحكم على مورو بالضلال أو بالخرف هو ليس حكم على الرجل بقدر ما هو حكم سطحي على المجتمع التونسي ككل ينم عن جهل بطبيعة هذا المجتمع.. مورو الذي لطالما نال إعجاب المشارقة بمحاضراته ومواقفه التي تدعو إلى فهم طبائع المجتمعات قبل كل شيء قبل الدعوة وقبل إلقاء الأحكام، ومورو الذي أعجبهم حينما دعا إلى الانسجام والتأقلم داخل المجتمعات هو ذات الشخص الذي أحادوه عن المروءة حينما طبق القول الذي نال إعجابهم..

المجتمعات تحمل طبائع مختلفة والمبادئ والقيم التي يلتزم بها مجتمع في شرق الأرض ليست بالضرورة ذات المبادئ التي يلتزم بها مجتمع في غربها.. وذلك لا يعني أنه يوجد مجتمع على حق وآخر على باطل وما تراه أنت سلبا في أهل المغرب قد لا يراه أهل المغرب سلبا في أنفسهم.

منذ أتيت إلى تركيا أكثر سؤال تحقيقي وُجّه إلي من قبل المشارقة كان عن فصل الدعوي عن السياسي في تونس اعتبارا منهم أن الأمر كارثة، وكانت إجابتي دائما هي "أن هذا الموضوع لم يُطرح عندنا في تونس بقدر ما طرحتموه أنتم كإشكالية" حاولت التوضيح دائما "أن مفهوم الدعوة الكلاسيكي في بلدان المشرق لم يعد لديه حضور أبدا في الساحة الاجتماعية التونسية ليس لأنه أسلوب منبوذ أو لأننا نفتقد رواده بل لأن أساليب الدعوة تتطور مع الزمن وتتخذ أشكالا غير التي لازلتم تتخذونها، ونحن في تونس من بعد الثورة خلت الساحة للشأن العام، ولا يُطرح لدينا موضوع الدعوة طالما أننا نلنا الحرية ونخوض في شتى القضايا دون تقييد وكل لديه منبره يمارس فيه ما يشاء..".

هذا الكلام لم يفهمه العديد من الإسلاميين المشارقة للأسف فنظروا إلى أن السافرة التي كانت حذو مورو في البرنامج تدل على سقوط الرجل، ولكن لم يفهموا أن الرجل من صلب هذا المجتمع الذي تتعدد وتختلف فيه مظاهر الناس وأن هذا الرجل لا يتقوقع في الفكرة بعيدا عن مجتمعه كما فعل من لاقى جزاء ذلك في بلدان عربية أخرى رفضت مجتمعاتها من ينزوي عنها وكأنه غريب.. وأن هذا الرجل كان بين شعبه وأبناءه في آخر المطاف ولم يكن بين الأعداء..

إن المجتمعات تحمل طبائع مختلفة والمبادئ والقيم التي يلتزم بها مجتمع في شرق الأرض ليست بالضرورة ذات المبادئ التي يلتزم بها مجتمع في غربها.. وذلك لا يعني أنه يوجد مجتمع على حق وآخر على باطل وما تراه أنت سلبا في أهل المغرب قد لا يراه أهل المغرب سلبا في أنفسهم فقط لأنهم ليسوا في ذات الإطار دائما وإن كان إطار الاسلام والعروبة يجمعهم.

مورو وغيره من الدعاة من صلب هذا المجتمع بإيجابياته وسلبياته ومن يريد التأثير في الناس عليه أن يكون في صلبهم لا أن يأخذ منهم مسافة.. مورو دافع حتى على المومسات في المحاكم في قضايا مشهورة ومعروف حتى بقضيته مع شاربي الخمر والرجل يعرفه التونسيون بروحه المرحة وبالفكاهة الدائمة في طبعه، وهذا ليس ظهوره الأول بعيدا عن وقار العمامة فقد ظهر مورو إبان الثورة وهو يغني بالألمانية وظهر وهو يغني الصوفية والأناشيد الدينية وشارك في أكثر من برنامج هزلي وهذا ليس بجديد على المجتمع التونسي.. المجتمع الذي لم ينظر ذات النظرة إلى مورو يا إخواننا في المشرق..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.