شعار قسم مدونات

كابوس العودة

blogs السفر

الكثير من الطلاب الشباب العرب يهاجرون سنويا من بلدانهم الأصلية إلى البلدان الغربية كفرنسا وأمريكا وكندا وألمانيا وتركيا.. وغيرها من الدول التي توفر للطلبة الأجانب إمكانية متابعة دراستهم في جامعاتها ومدارسها العليا، وأغلب هؤلاء الشباب حاقدون على الأوضاع في بلدانهم، خاصة المستوى الرديء الذي وصل إليه التعليم العربي، وهذا هو أحد الأسباب الأساسية التي دفعتهم لحزم حقائبهم والتفكير في الهجرة لإكمال دراستهم بعيدا عن بلاد تتبخر فيها الأحلام وتنطفئ منذ الوهلة الأولى.

الغربة إحدى التجارب الصعبة التي يعيشها الطالب، خاصة الذين لا يملكون أحدا من الأقارب في بلد المهجر كي يقدم لهم الدعم المادي والمعنوي، لذلك فإنهم سرعان ما يشتاقون مجددا لوطنهم ويترقبون على أحر من الجمر أيام العطل الدراسية للعودة إلى الوطن، ومن هؤلاء الشباب أيضا فئة كبيرة يحذوها أمل مشرق في عقد صلح مع بلدها الأم والرجوع إليه بعد إتمام الدراسة للعمل هناك ورغبة كذلك في خدمة الوطن والمساهمة ولو بمقدار قليل في ازدهاره ونموه لعله يستفيق من سبات وبراثن الركود التي ظل قابعا فيها لسنوات ولا يزال.

كل هذه الأحلام البراقة، وهذه الآمال التي تنضب حبا وشوقا للوطن وغيرة عليه سرعان ما تصطدم بواقع مرير أشد المرارة، واقع أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه بئيس ومرعب. ولإلقاء نظرة على ما أنا بصدد الحيث عنه، يكفي أن يشعل الطالب في بلد المهجر حاسوبه ثم يذهب إلى أحد المواقع التي تبث أخبار بلاده. إن جل الأخبار التي سيسمعها لا تبشر بخير إطلاقا ولا تساعد لا من قريب ولا من بعيد على تحقيق أي حلم من أحلام هذا الطالب في العودة إلى وطنه.
 

في ظل هذه الأزمات المقلقة، تظل العودة إلى أرض الوطن مخاطرة حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وحلما ربما ينبغي تأجيله حتى إشعار آخر، خاصة وأن الأوضاع في بلاد المهجر عكسها تماما في البلد الأصلي

إن البلاد العربية تعيش أوضاعا مزرية على جميع الأصعدة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. هذه الأوضاع تنفر كل من يفكر في توجيه قارب حياته إلى مسقط رأسه وكل متحمس لإكمال ما بقي من سنوات حياته في بيته الذي ترعرع فيه.

العودة أصبحت كابوسا يراود كل مغترب وقرارا قد يلعن الساعة والدقيقة التي فكر فيها فيه إذا اتخذه، كيف ذلك وأنت مقبل، لو قررت العودة، على جحيم من المعاناة بسبب تردي الأوضاع في المستشفيات والمدارس والإدارات العمومية… وقد سمعنا مؤخرا عن الأستاذ الذي يقايض النقط مقابل ممارسة الجنس، أليس هذا أسوأ ما يمكن الوصول إليه؟ إضافة إلى هذا، لا يخفى على أي عاقل مدى تدهور حالة القطاع الصحي والدليل غياب الأطر والأطباء وحتى الممرضين وأيضا ارتفاع عدد الوفيات بسبب الإهمال الطبي.. إلى جانب هذا يشكو المواطن العربي من غياب الأمن وظهور عصابات السرقة والقتل في بعض المناطق لدرجة أنني عندما تحدثت مؤخرا مع إحدى العائلات التي تزور بلدها في العطلة الصيفية، أخبرتني الأم أن أبنائها لا يرغبون مجددا في قضاء العطلة في بلدهم بل ترعبهم هذه الفكرة بسبب ما شاهدوه ظواهر السرقة باستعمال الأسلحة البيضاء والترويع والقتل المنتشرة.

في ظل هذه الأزمات المقلقة، تظل العودة إلى أرض الوطن مخاطرة حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وحلما ربما ينبغي تأجيله حتى إشعار آخر، خاصة وأن الأوضاع في بلاد المهجر عكسها تماما في البلد الأصلي، إذ أن المواطن الأجنبي يتمتع فيها بحقوقه كاملة، أخص بالذكر هنا الحق في التمدرس في ظروف ملائمة، والحق في العناية الطبية اللازمة والتي تكون مجانية في بعض الدول الأوروبية، وكذا الحق في الأمن والسكن. كما توفر أيضا فرصة إنجاز مشروع خاص بعد إتمام الدراسة، الشيء الذي لا نجده في الدول العربية.

إن الشاب العربي، وأنا أولهم، لا يزال يحلم بذلك اليوم الذي يتوفر فيه بلده على جامعات ومدارس ومستشفيات ومكتبات ومرافق بمواصفات جيدة، ذلك اليوم الذي نفخر فيه ببلداننا العربية كما يفعلون هم اليوم في الغرب، ولما لا، نستقبل نحن كذلك طلبة أجانب، ذلك اليوم الذي سيقول فيه الطالب الأوروبي: سأذهب لإكمال دراستي في أحد البلدان العربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.