شعار قسم مدونات

وطنية زائفة

blogs - ناس في الشارع
هناك دائما قاعدة معروفة في قانون الفيزياء النيوتني، وهي قاعدة الفعل ورد الفعل، أي أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، هذا القانون ينطبق بحذافيره على سلوكياتنا وتصرفاتنا تجاه كل الأشياء في حياتنا وفي كل من حولنا في، بدءا من أكبرها أهمية وأشدها تأثيرا، وانتهاء بتلك الأشياء التي نرى فيها العناصر التافهة وحتى الأتفه منها فيها، فنحن نعيش في دوامة ووسط حلقة تشكل فيها جميع أفعالنا وسلوكياتنا الوقود المحرك لها وتكون نتائجها بقدر أعمالنا في تلك الحلقة.

فلكي نستوعب لماذا كل أمور حياتك سيئة داخل البلد، ولماذا أوطاننا متخلفة وفاشلة في مختلف المناحي والأصعدة؟ فما علينا سوى البحث عن أدوارنا فيها، وعن سلوكياتنا وأفعالنا داخلها، بدءا من سلوكياتنا تجاه محيطنا القريب والأقرب، مرورا بسلوكياتنا تجاه الأشخاص والمجتمع، إلى سلوكياتنا تجاه كل الأشياء الأخرى فيه، فحينئذ سنفهم النتائج التي نجنيها من عليه، وسنفهم كذلك لماذا وضعنا هو كذلك فيه، وبالتالي سنفهم لماذا هو فاشل أيضا في مختلف المجالات والقطاعات؟

أكبر مشاكل وتحديات هذا الوطن، هم الأشخاص الذين يعيشون فيه، بمعنى آخر، نحن أكبر عالة على أوطاننا ولا أحد آخر غيرنا، فنحن دأبنا دائما على انتقاد هذا الوطن، ولا نتوانى عن توجيه سهام الاتهام إلى الآخرين فيه وتحميلهم كامل المسؤولية لما يقع لنا أو يحدث من حولنا، لكن لا نتحلى أبدا بذلك القدر الكافي من الشجاعة والمروءة لنحمل تلك المسؤولية لأنفسنا أولا قبل أي أحد آخر.

أهم سؤال كان من المفترض أن نوجهه لأنفسنا قبل الآخر لكن لا نفعل ذلك، هو ماذا قدمنا نحن لهذا الوطن؟ وهل يمكن لأحدنا أن يذكر مثلا خدمة أو إنجازا واحدا في حياته قدمه لهذا الوطن.

فلنكن واضحين وصريحين مع ذواتنا قبل أن نكون كذلك مع الآخرين، نحن للأسف كأفراد وكشعوب، لم ننشأ لا على ثقافة الواجب، ولا على ثقافة تحمل المسؤولية، ولم نتعلم كذلك حتى كيف نعمل من أجل الآخر قبل الآن، فحتى فهمنا “للحق” غالبا ما يكون مشوها ومنقوصا، أو أننا نراه فقط من المنظور الذي يخدم مصالحنا الشخصية والذاتية لا غير، دون أن نربطه كما هو مفترض بالواجب.

ففي العادة قليل منا من يكلف نفسه ولو بشكل عفوي، حتى مع قرارة أنفسنا، أو في لحظة تأمل ونقد ذاتي، عناء طرح تساؤل ولو من باب الاحتمال، هل يمكن أن نكون نحن من يتحمل مسؤولية ما وصل إليه وطننا وبلدنا أو مجتمعنا؟ المشكلة ليست في الجواب القطعي والحتمي بـ“لا” فقط، لكن المعضلة الأكبر التي لا يأبه ولا يبالي لها أحد، هو ألا أحد فكر أصلا إذا كان يجب أن يتساءل مثل هذا السؤال، لأن قليلون للغاية من يفكرون بهذه العقلية “خدمة البلد قبل الذات” وعقلية تقديم مصلحة البلد والوطن على أي مصلحة شخصية أخرى، بغض النظر عما سنجني وماذا سيعطينا نحن هذا الوطن.

فتربيتنا الأسرية والمدرسية، وتنشئتنا الاجتماعية وبنيتنا الثقافية أو كل هذه الأشياء رسخت فينا تلك النزعة الفردانية وعقلية “الأنا ومن ورائي الطوفان”، تلك العقلية التي نمطت أنفسنا مع تلك المعادلة الرياضية التي ننظر بها للأشياء دائما، من خلال مقاربة انتهازية ونفعية محضة، ومن زاوية نظر واحدة ووحيدة وهي كم سآخذ؟ وماذا سأستفيد من هذا البلد فقط؟ ولا نفكر أبدا في ماذا سنعطي أو سنقدم.

فعندما تجد المواطن فاشلا والأسرة فاشلة والمدرسة هي الأخرى كذلك، فبالطبع لن ننتظر من المجتمع أن يكون غير ذلك، ولن ننتظر من البلد أن تكون غير فاشلة.

فدعونا إذا من كل ما فعل بنا الآخر ولنبحث في ماذا فعلنا نحن بالآخرين أو ماذا فعلنا نحن من أجلهم، فبدل أن نوجه أصبع الاتهام إلى ذلك الآخر ونحمله المسؤولية عند أي فشل يلحقنا، أو يلحق محيطنا الخاص أو المجتمع و البلد، فيجب أولا أن نوجه التسعة أصابع الباقية إلى أنفسنا وذواتنا لنرى إن كنا كاملين، وأشخاصا يقومون بواجباتهم تجاه الوطن وتجاه الآخرين فيه، قبل أن البحث عن ذلك الكمال في ذاك الآخر.

فأهم سؤال كان من المفترض أن نوجهه لأنفسنا قبل الآخر لكن لا نفعل ذلك، هو ماذا قدمنا نحن لهذا الوطن؟ وهل يمكن لأحدنا أن يذكر مثلا خدمة أو إنجازا واحدا في حياته قدمه لهذا الوطن (بدون مقابل)، بالطبع ستبحث وتقلب كل ذكرياتك وماضيك رأسا على عقب، وستعود بأدراج ذاكرتك على كل المحطات وكل الأشياء التي قمت بها، وستستعين بـ”غربال” بفتحات واسعة في ذلك، علك تجد شيئا عن ذلك الإنجاز أو العمل الذي قد تكون قدمته في سبيل هذا الوطن، وليس لشخصك ولذاتك أو مصلحتك الشخصية، لكن اطمئن سنكف عنك عناء كل ذلك، من الآخر أنت لم تقدم أي شيء لهذا الوطن.

ما يحدث لنا وما يحدث لأوطاننا بشكل أو بآخر هو انعكاس لما نقوم به تجاه غيرنا، وتجاه أوطاننا كذلك، فذلك الآخر الذي لا نتوانى عن توجيه كل سهام النقد اللاذع في أي مناسبة أو دونها.

علينا إذا أن ننسى قليلا لوم ذلك الآخر كما على عادتنا في كل مرة، و دعونا أيضا من لوم أولئك السياسيين بالخصوص، الذين غالبا ما يكونون الحائط القصير، والشماعة التي دأب المواطن دائما على تعليق كل مشاكله فيها، بدءا من المشاكل الاقتصادية والمادية الخاصة، وانتهاء بفشله في واجباته الأسرية.

وأن علينا نتحلى ولو بقليل من الجرأة، ولنحمل أنفسنا ولو قدرا صغير من المسؤولية، ما دامت ليست لنا تلك الشجاعة التي تجعلنا نتحمل جزءها الأكبر على الأقل. ولنسائل ذواتنا ولو لمرة واحدة، عما هو ذاك الشيء الذي أعطيناه للوطن أو قدمناه من أجل الآخر فيه؟ أو عن قيمتنا المضافة عليه.

فوطننا الذي نحلم به ونرجوه ونعيشه في وجداننا ويرحل معنا في أحلامنا وطموحاتنا ليس هو وطن السياسي -المدنس- ذاك، وطننا هذا لا تختزله لا قطعة قماش اسمها "علم"، ولا معزوفة موسيقية اسمها "نشيد وطني" ولا حتى قطعة نقدية اسمها "عملة"، وطننا ببساطة هو شيء يعيش فينا قبل أن نعيش فيه، وذلك الوطن الذي نحسه في أعماق وجداننا لكن لا نستطيع تلمسه، هو أكبر من أن يختزل لأنه أكبر من أي قيمة مادية كي يلمس.

ما يحدث لنا وما يحدث لأوطاننا بشكل أو بآخر هو انعكاس لما نقوم به تجاه غيرنا، وتجاه أوطاننا كذلك، فذلك الآخر الذي لا نتوانى عن توجيه كل سهام النقد اللاذع في أي مناسبة أو دونها، هو نفسه ذلك “الـ نحن”، عند الآخر الذي يرى فينا تلك الصورة التي نراها نحن في غيرنا، "معلما"، " طبيبا"، "سباكا"، بناء"، " شرطيا".. مجرد أنك مواطن منتمي لتراب هذا البلد، فكل النتائج التي تحصل عليها، هي انعكاسات لأعمالك وسلوكياتك، ففعلك فيه سيكون حتما بمقدار رد الفعل عليك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.