شعار قسم مدونات

هل يكون أردوغان أكثر حصافة من السلطان؟

blogs - Erdogan
قبل نحو مائة وأربعين سنة، أي في عام 1876م، تولى السلطان عبد الحميد مقاليد السلطنة بوصفه خليفة للمسلمين، يحظى بولائهم قادة وشعوبا من بلاد شنقيط غربا إلى إندونيسيا والصين شرقا، ويوصف السلطان عبد الحميد بالدهاء وحسن التدبير، واتخاذ السياسات الكفيلة بمركزية السلطة حتى نظر إليه زعماء الساسة الأتراك ومن يخالطهم من زعماء العرب أنه يمارس الدكتاتورية بجميع معانيها وتسلطاتها، حيث ألغى مجلس النواب، فكان بذلك مطلق اليد في جميع السياسات الداخلية والخارجية، ثم عمل على مماطلة قادة الساسة الساعين إلى نهج بناء الدولة الحديثة على نمط الدول الغربية في الأنظمة والتصنيع وغير ذلك من الأنماط السلوكية.

وبدلا من اتخاذ نهج التقارب والوفاق مع الغرب؛ اعتبرهم أعداءه الذين يسعى لرفع مستوى الكراهية لهم في عموم بلاد المسلمين عربا وعجما، يريد بذلك إذكاء الروح الإسلامية الجهادية والاستقلالية عن العدو الغربي، فوجه بذلك كتاباته السرية والعلنية لعموم أصحاب الرأي والزعامات، فازدادت بذلك مكانته عند المسلمين الذين أخذوا يتوافدون على القسطنطينية، كالحجيج المتنافس على أداء مناسكهم، واعتبر ذلك بالحظوة الكبيرة التي حصلت لكثير منهم كجمال الدين الأفغاني، وأمثاله من النبهاء السياسيين والطامعين في التصدي للحياة العامة في أقطارهم وكذا من عندهم ميول دينية تبعثهم على اللحاق بركب المقاومين للأعداء الغربيين الذين لخص جمال الدين الأفغاني حال عداوتهم بقوله:

(العالم النصراني، على اختلاف أممه وشعوبه عرقا وجنسية، هو عدو مقاوم ومناهض للشرق على العموم وللإسلام على الخصوص، فجميع الدول النصرانية متحدة معا على دك الممالك الإسلامية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا…).

وبهذه الجهود نمت روح الوحدة الإسلامية، فيما يسمى بالجامعة الإسلامية، أي مقابل الجهود العدائية الغربية المتحدة ضد المسلمين.. ولكن كانت الروح الغربية قد تمكنت من نفوس كثير من زعماء الأتراك فعارضوا مجاهرة وخفية توجه السلطان إلى العرب والمسلمين، فتقدموا في ذلك خطوات فعالة يساعدهم الغرب خفية وعلنا، حتى جاءت فرصتهم، فقامت ثورة تركيا الفتاة سنة 1908م، وتنافس بعض زعماء العرب على التساقط في أحضان الدول الغربية التي كانت تغازلهم بالمساعدة على التخلص من حكم الأتراك وإقامة دولة عربية من عمان إلى المحيط، فكتبت الكتب والمقالات عن يقظة العرب، وظهرت في باريس جمعيات وطنية عربية ما بين عام 1895- عام 1905م، وصدرت من باريس صحف ناطقة بالعربية تنادي بالتحرر وبعث روح القومية العربية، وكان الأتراك أسرع في السعي للتخلص من العرب وآثارهم وتبعاتهم…

ما زالت الأمور تتوالى على شخصية أردوغان وتوجهاته الحزبية والدستورية وإنجازاته الوطنية، فتداعت الدول الغربية على مناوءة الاستفتاء، وكانت ريحها عاتية في مفهوم الدبلوماسية والتدخلات السياسية لدولة عضو في الناتو.

وتبع ذلك مؤتمرات غربية سرية، نتجت عنها مؤامرات وهجوم عنيف لتقاسم استعمار البلاد الإسلامية واستعمارها، مصدقة بذلك ما خلص إليه أصحاب البصيرة كجمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده، ومن يرادفهم في الزعامة وجودة الرأي والبصيرة في التاريخ الديني والسياسي، ولكن تسارعت الأمور وتبين للحاذق أن الأمور المدبرة لا يتم تداركها من أذيالها، فذهبت حصافة السلطان ومساعيه في الجامعة العربية بدون تحقيق نتيجة للعالم الإسلامي بسبب دخوله في الحرب العالمية التي كانت تركيا في رأي كثيرين من المسلمين في حل من غمارها، ولكن كما يقول ابن خلدون: ( ولو شاء الله ما فعلوه)..

وفي أيامنا هذه نجد الرئيس رجب طيب أردوغان يسجل نجاحات وطنية وإقليمية وربما إسلامية، فيتفطن له الغربيون قادة وكتابا، وساسة وصليبيين، فتضيق صدورهم بذلك، لأنه من أصول إسلامية ولو كان يدعي العلمانية، ولأنه لم يستمر فيما رسموه سابقا في أوراقهم ومخيلاتهم عن تركيا وعلاقاتها بالغرب والشرق، وتبدأ التصريحات والتلميحات ثم التشنجات، حتى دخلت تركيا في أزمات من الإرهابيين والانفصاليين، ثم خطط لتنفيذ انقلاب دموي لو نجح لكانت تركيا في خبر كان، كما حصل في مثيلاتها عبر التاريخ الانقلابي، واتخذت الإجراءات الأمنية التركية ذريعة للبحث في حقوق الإنسان التركي، والتشنيع عليها.

وما زالت الأمور تتوالى على شخصية أردوغان وتوجهاته الحزبية والدستورية وإنجازاته الوطنية، فتداعت الدول الغربية على مناوءة الاستفتاء، وكانت ريحها عاتية في مفهوم الدبلوماسية والتدخلات السياسية لدولة عضو في الناتو، وقد تلت ذلك اجتماعات مع الفاتيكان كما تنبه لحساسيتها أردوغان، ثم تبعها اجتماعات لا تقل خطورة عنها في المكان نفسه، الذي خطط فيه على السلطان عبد الحميد، فهل يكون أدروغان أكثر حصافة من السلطان؟

وخصوصا أن التشابه في الأوضاع في ذلك الوقت وهذا الوقت تكاد تكون متطابقة، هجمة غربية تحرق الأخضر واليابس وانقلابات عربية هنا وهناك، وعرب مشردون غربا وشرقا، وزعماء مطاردون وآخرون طامعون، وعملاء يدعون الحرية يتحسسون، وربما يتجسسون ويتلحسون، وأموال تهدر في سبيل إلحاق أقسى الأضرار بالمسلمين، فالله وحده الواقي، ولن يقي إلا بالأسباب التي من أولها الصدق مع الله ومعرفة العدو تمام المعرفة، وتحديد العلاقة معه تحديدا يجعل الأمور في ميدان مكشوف يمكن معه التدارك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.