وقد تزاد كان في حشو كما ::: كان أصح علم من تقدما.
على كل حال هذا السؤال يحتاج إلى دقة في النظر قبل اعتماده معيارا في التقويم. إنني لا أريد من هذه السطور أن أبخس المتقدمين حقهم، ولكن أريد مناقشة هذه المقولة وإعمال النظر فيها وبيان خطرها الجسيم على اﻷمة مما يجعلني أحيانا أشك في المروجين لها ومدى صدق إخلاصهم لحضارتهم وهويتهم.
يبدو أن القضية نسبية ولا مدخل للزمن فيها، وإن كان ضرورة أن يراعى البعد الزمني فاﻷولوية تعطى للمتأخرين ﻷنهم توفرت لديهم الوسائل المعرفية المتطورة التي لم تتوفر للأجيال المتقدمة. |
يسعدني كثيرا عندما أرى المتقدمين أنفسهم ينكرون هذه المقولة نفسها نظما ونثرا حتى قال شاعرهم :
لئن فخرت بآباء ذوي نسب ::: لقد صدقت ولكن بئس ما ولدو، ويمكنني أن أعد أن من بين مظاهر أزمة الخطاب الديني الإسلامي في العالم المعاصر الاعتزاز بالتاريخ عوض قراءة سنن التاريخ.
وإذا أمعنا النظر في كتب المتقدمين نجد أنهم لم يؤمنوا بهذه القضية، يقول المبرد في كتابه "الكامل": ليس لقدم العهد يفضل الفائل- الفائل هو فاسد الرأي وضعيفه – ولا لحدثانه يهتضم المصيب ولكن يعطى كل ما يستحق. ونرى نفس اﻷمر مع عثمان الجاحظ حيث شدد على الذين يبخسون حق المتأخرين فقال: إذا سمعت الرجل يقول: ما ترك الأول للآخر شيئا فاعلم أنه لا يريد أن يفلح.
من خلال ذلك يبدو أن القضية نسبية ولا مدخل للزمن فيها، وإن كان ضرورة أن يراعى البعد الزمني فاﻷولوية تعطى للمتأخرين ﻷنهم توفرت لديهم الوسائل المعرفية المتطورة التي لم تتوفر للأجيال المتقدمة وبالتالي فإن علمهم قد يكون أوسع وأشمل معرفيا وأضبط وأقوم منهجيا، هذا من حيث الواقع الوجودي أما من حيث اﻷثر السلبي على الأجيال الصاعدة التي يرجى منها أن تحمل هم الإسلام على عاتقها فإننا نقتل فيها اﻷمل وروح المبادرة.
عموما قضية أن علم المتقدمين أصح وهم أعلم هي أسطورة نغدي بها الجانب السيكولوجي في أبناء الأمة على حساب التربية العقلية وعقلنة المعرفة اﻹنسانية لمسايرة العالم المتقدم كما هو مطلوب من كل أمة تتشوف للتنافس الحضاري.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.