شعار قسم مدونات

قصة الأندلس

blogs - الأندلس
وأنت تطوي آخر صفحة من كتاب "قصة الأندلس من الفتح إلى السقوط" للدكتور راغب السرجاني، تحس برغبة في البكاء، وما يجدي البكاء؟! والأندلس تتراءى لك كعروس في الضفة الأخرى من المتوسط، تقف ذاهلا لا تكاد تستوعب أن تلك العروس كانت يوما أرضا صدح فيها الأذان وجرت في ديارها الفسيحة نسمات الإسلام ثمانية قرون كاملة.
 
أرض تحفظ عن ظهر قلب مجدا شيده رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع ولا دنيا فانية ولا مطامع ولا كراسٍ عن ذكر الله وإقام الصلاة وعن الجهاد في سبيل الله، رجال صدقوا الله فصدقهم وخلد في العالمين ذكرهم، رجال من أمثال موسى بن نصير وطارق بن زياد وعبد الرحمان الداخل والحاجب المنصور ويوسف بن تاشفين ويعقوب المنصور الموحدي ويعقوب المنصور المريني وغيرهم الكثير، رجال لا يبكون كالنساء ملكا أضاعوه، بل كانوا يبكون في المحاريب من خشية الله، فدانت لهم البلاد والعباد، وقادوا ألوية التوحيد شامخة فكان لهم النصر والظفر والعزة والفخر.

ولسنا فقط من يحتاج قيام أمة الإسلام من كبوتها، بل العالم بأسره في حاجة ملحة لعودتنا، فما عرفت الإنسانية أشرف وأنبل من المسلمين في سلمهم وحربهم، أقصد المسلمين الذين يحملون على عاتقهم إعلاء كلمة الله.

أي ألم ذاك الذي يعتصر قلبك وفؤادك وأنت ترى الملك أبو عبد الله الصغير آخر ملوك بني الأحمر في غرناطة يتلو زفراته على مشارف الحمراء، ودموع الذل تنساب على خديه، خرج صاغرا بعدما كان كل همه ملذاته ودنياه وكرسيه، وكذلك السنن لا تحابي ولا ترحم، فمن أخذ بالأسباب وتوكل وصل، ومن ترك الأسباب وتواكل سقط وزل، ولات حين مندم !!

ورغم كل ذلك فبوارق الأمل وأنوار اليقين بعودة ذلك المجد كامنة في ثنايا هذه القصة الجميلة والأليمة، فمتى ما اعتبر المسلمون بتاريخهم واستلهموا عظاته ودروسه وضعوا أنفسهم على الطريق، حتى لا تكون أندلس أخرى في فلسطين السليبة، وحتى تستطيع هذه الأمة النهوض مرة أخرى كما نهضت مرات ومرات بعد السقوط.

فالتاريخ يحدثنا أنه عندما كانت الأندلس تعالج السقوط، كانت خيل العثمانيين تجوس خلال ديار الروم في شرق أوروبا وتفتح القسطنطينية، فهذه الأمة منصورة بدينها وعقيدتها، مخذولة إذا فرطت في دينها وابتغت العزة في غيره.

فيا ليت قومي يعلمون هذه الحقيقة ويستفيدوا من دروس التاريخ، فماضينا يستحق التأمل، وتاريخنا يحمل من الأمجاد والخيبات والانتصارات والهزائم، ما يجعلنا نحث السير بثقة نحو استعادة المجد والرفعة، وننطلق مما عندنا من حضارة عريقة وتجارب ومساهمات في مختلف مجالات العلوم، فالعقل العربي والمسلم عموما، ليس قاصرا أبدا عن بلوغ ما بلغه الآخر، لكن آفة التقليد الأعمى والتماهي مع حضارة الغرب قلبا وقالبا أفقدنا شخصيتنا الحضارية الضاربة بجذورها في عمق الوجود الإنساني.

وإذا عرف سبب ما وصلنا إليه من انحدار وانحطاط بين أمم الأرض بطُل كل عجب، فقد صدح بها الخليفة المُلهَم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أربعمائة وألف سنة: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".

ولسنا فقط من يحتاج قيام أمة الإسلام من كبوتها، بل العالم بأسره في حاجة ملحة لعودتنا، فما عرفت الإنسانية أشرف وأنبل من المسلمين في سلمهم وحربهم، أقصد المسلمين الذين يحملون على عاتقهم إعلاء كلمة الله، ليس همهم القتل والذبح والانتقام والغنائم، المسلمون الذين وقف أحدهم يوما وهو ربعي بن عامر أمام رستم فيسأله رستم: ما جاء بكم؟
فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاءَ من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

وإذا عرف سبب ما وصلنا إليه من انحدار وانحطاط بين أمم الأرض بطُل كل عجب، فقد صدح بها الخليفة المُلهَم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أربعمائة وألف سنة: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"، وفي السياق ذاته يقول صاحب كتاب "قصة الأندلس" الدكتور راغب السرجاني حفظه الله : "الله يبتلي المؤمنين دائما بالقحط وبالأزمات الاقتصادية الحادة عندما يبتعدون عن طريقه، وعن نهجه القويم الذي رسمه لهم، ومن هنا فلو لوحظ تدهور الحال الاقتصادية لأحد البلدان أو المجتمعات، وبدأت الأموال تقل في أيدي الناس، وبدأوا يعملون لساعات وساعات ولا يحصل لهم ما يكفي لسد رمقهم، أو ما يكفي لعيشهم عيشة كريمة فاعلم أن هناك خللا في العلاقة بين العباد وربهم سبحانه وتعالى، وأن هناك ابتعادا عن منهجه وطريقه المستقيم، إذ لو كانوا يطيعونه لبارك لهم في أقواتهم وأرزاقهم".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.