شعار قسم مدونات

الانتخابات الإيرانية وتجاهل مطالب الأقليات

blogs - إيران
منذ تأسيس الدولة الإيرانية عام 1936 وحكامها دأبوا على تجاهل مطالب الشعوب والأقليات العرقية والدينية في البلاد، وقمع احتجاجاتهم متبنين في ذلك سياسية التهميش والتمييز العنصري يرتقي في الكثير من الحالات إلى الإبادة الجماعية مثلما يحدث في الأحواز أرضا وشعبا.
ومنذ نجاح الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ ومطالب تلك الشعوب والأقليات غائبة بشكل متعمد عن برامج الرؤساء الذين تعلوا منصب الرئاسة في إيران، ما يعكس سياسية الدولة الايرانية الممنهجة والمتأصلة منذ ثورة الخميني والتي تعتبر أساسها طمس الهوية العرقية للشعوب والأقليات بما فيهم العرب، الأكراد، البلوش والآذريين الأتراك، متبنين في ذلك فكرة الشعب الواحد والذي طرحها وحاول تنفيذها مؤسس الدولة الإيرانية الحديثة، رضا شاه بهلوي.

وفي ظل الانتخابات الرئاسية الحالية يبدو أن مطالب تلك الشعوب غائبة عن حملات المرشحين المتنافسين على منصب الرئيس، ما يعكس سياسة منهجية متأصلة منذ ثورة الخميني أساسها طمس ملامح التعدد العرقي في البلاد.

فهذه الانتخابات كسابقاتها، لا تخدم سوى مصلحة الدولة العميقة في إيران المتمثّلة بنظام ولاية الفقيه الذي يقودها المرشد الأعلى علي خامنئي، بعد أن دأب النظام منذ ثورته أواخر سبعينيات القرن الماضي على طمس هوية الشعوب والأقليات، بشكل ممنهج وبغطاء مذهبي وقومي.

بالرغم من امتلاك تلك الشعوب والأقليات الجنسية الإيرانية، إلا أنهم ما زالوا محرومين من التمتع بكامل حقوق المواطنة التي ينص عليها الدستور الإيراني، فهنالك تمييز واضح تمارسه الدولة الإيرانية بحق تلك الشعوب.

وتهيمن على فسيفساء الدولة الإيرانية، القومية الفارسية والتي تشكل نحو 30 % من نسبة سكان إيران، وهي أقلية تتفرد بصنع القرار السياسي بعيداً عن مشاركة الشعوب والأقليات العرقية الأخرى التي تشكل جزءاً أساسياً في تركيبة المجتمع الإيراني.

التركيبة السكانية في إيران:
ويعتبر سكان جغرافية إيران الحديثة خليط من الشعوب غير الفارسية، ويتمركز الآذريون الأتراك في الشمال والشمال الغربي من البلاد ويشكلون نحو 34 % من نسبة السكان في إيران، ويحد هذا الإقليم كل من أذربيجان (الشمالية) وأرمينيا وتركيا وبحر قزوين، ضمت إيران إقليم آذربيجان الجنوبية في بداية القرن الماضي وتم تقسيم الإقليم إلى 6 محافظات رئيسية: آذربيجان الغربية، آذربيجان الشرقية، أردبيل، همدان، قزوين وزنجان.

ويليهم الأكراد بنحو 9 %، ويقطنون في إقليم كردستان والذي يقع في غرب إيران، ويحد هذا الإقليم العراق من الشرق، ويصل عدد السكان الأكراد إلى 7 ميلون نسمة، فيما يسكن عدد أخر من الاكراد في محافظة خراسان الشمالية شرقي البلاد.

بينما إقليم عربستان او ما يعرف بـ الأحواز والذي يسكنه الغالبية العظمى من القبائل العربية، ضمته إيران بتواطؤ بريطاني عام 1925، ويشكل العرب قرابة 10 % من سكان إيران، ويمتد إقليم الأحواز من إقليم الأكراد مروراً بالجانب الثاني الشرقي للخليج العربي إلى إقليم بلوشستان عند باب السلام -أي مضيق هرمز-، ويصل عدد السكان العرب الأحوازيين إلى 12 مليون عربي، فيما ينتشر عدد كبير من العرب في محافظة كرمان وخراسان وفارس واصفهان وطهران. تم تقسيم إقليم الأحواز إلى أربعة محافظات رئيسية: خوزستان، ايلام، بوشهر، هرمزجان.

أما البلوش الذين يتمركزون في الجنوبي الشرقي يشكلون نحو 4 %، والذي يمتد إقليمهم من باب السلام من الخليج العربي مروراً بالجانب الثاني من بحر العرب وباكستان إلى أفغانستان، ويصل عدد سكان البلوش تقريباً إلى 3 ميلون نسمة. فيما يشكل إقليم تركمنستان (الجنوبية) والذي يقع في الشمال والشمال الشرقي من إيران، نحو 3 % من النسبة الاجمالية لسكان إيران. فيما تنتشر في جغرافية إيران أقليات أخرى كـ الأرمن، الجيلك، اللُر والبشتون، ويشكلون قرابة 5 % من سكان جغرافية إيران الحديثة.

نهج واحد استمرت عليه الدولة الإيرانية منذ تأسيسها وتأطيرها في إطار قمع الشعوب والأقليات، وتتعامل مع تحركاتهم ومطالبهم بقسوة عالية، لذا تعتبر الانتخابات الرئاسية في إيران مسرحية يكون أبطالها من أبناء الثورة ومن بين منتسبي الحرس الثوري.

وبالرغم من امتلاك تلك الشعوب والأقليات الجنسية الإيرانية، إلا أنهم ما زالوا محرومين من التمتع بكامل حقوق المواطنة التي ينص عليها الدستور الإيراني، فهنالك تمييز واضح تمارسه الدولة الإيرانية بحق تلك الشعوب، حيث تعتبرهم مواطنين من الدرجة الثالثة، ولا يسمح لهم في المجالات العلمية والنووية واعتلاء المناصب الرئيسية في البلاد. وينص الدستور الإيراني حسب المادة 35 من قانون الانتخابات الرئاسية، خمسة شروط يجب توافرها في المرشح، منها أن يكون من "الشخصيات الدينية والسياسية، ومن المؤمنين بنظام الجمهورية الإسلامية ومذهبها الرسمي وهو (الشيعة الإمامية أو الاثنا عشرية)، وبهذه المادة القانونية يحارب على أقل تقدير طائفة كبيرة من الشعوب في جغرافية إيران تقدر بنصف السكان وهم أهل السُّنّة في إستلام منصب كرئاسة الجمهورية.

حرمان الشعوب والأقليات:
وتعيش الشعوب والأقليات في إيران واقعاً مريراً مزرياً، إذ تعتمد الدولة الإيرانية في بقائها على سياسية التهميش والتمييز والإقصاء، سياسة تتراوح ما بين تغييب متعمد لمظاهر التنمية في الأقاليم التي يقطنها تلك الشعوب التي تعاني أصلاً فقراً مدقعاً، وصولاً إلى تقييد الحريات والحرمان من كافة الحقوق المدنية.

يضاف إلى ذلك مسلسل الاعدامات التي لم تتوقف منذ مجيء الخميني على رأس السلطة ينفذها النظام بأدواته القمعية بحق أبناء الشعوب غير الفارسية في الأقاليم التي يعتبرونها محتلة من إيران، سياسة لم تتغير مع التغيرات الحاصلة نتيجة الانتخابات الرئاسية.

نهج واحد استمرت عليه الدولة الإيرانية منذ تأسيسها وتأطيرها في إطار قمع الشعوب والأقليات، وتتعامل مع تحركاتهم ومطالبهم بقسوة عالية، لذا تعتبر الانتخابات الرئاسية في إيران مسرحية يكون أبطالها من أبناء الثورة ومن بين منتسبي الحرس الثوري، فالحكومات الإيرانية المتعاقبة لم تألوا جهدا لانتزاع الهوية القومية لهذه الأقليات في محاولة لصهرها ضمن البوتقة الفارسية المشبعة بالتعصب، فأيا كان الفائز فيها لن يخرج من عباءة المرشد للدولة الإيرانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.