شعار قسم مدونات

نطفة الحرية ليست نكبة

blogs - النكبة
بين أشجار الزيتون المثمرة ورائحة البرتقال "البلدي" تجلس بعكازتها القديمة المنتشية برائحة التراب وخصلة شعرها الحمراء ك لون الغروب، والمتدلية على مطرزات شرقية قديمة وألوانها التي تدل على بساطة عقول من ابتكروها، تجلس "ستي"، تلك المرأة التي قالوا أنها بألف رجل، تلك التي رسمت للقوة شكلا آخر غير الذي نعرفه.

كيف لا وهي التي حملت جرة مليئة بالماء من ينبوع يبعد عن بيتها 10 كم وأكثر، كيف لا وهي التي نامت من غير غطاء ومن غير دواء لجروحها النفسية العميقة التي لو وزعت على أهل الأرض لكفتهم، نعم بتلك القوة كانت جالسة تواسي نفسها بزوجها الذي فارق الحياة مبتعداً تاركاً خلفه جبالا من الألم والمعاناة على صدرها المنهك من حرث "بيارات" أصحاب الطبقة البرجوازية كالطير في السماء تغدو بطاناً وتروح خماصاً.

راحت بمخيلتها تتذكر حجم المشقة التي تحملتها ولوعة الشوق لكرم الزيتون الذي  كان ملكهم وسيبقى رغم ما حدث، وتحدث نفسها قائلة: "اااااخ كديش بعدنا" بلغتها الخاصة. 

وفي حبكة أحلامها أظهر أنا صاحب العشرين ربيعاً بفأسي الذي يقطر عرقاً، أناديها: "ستي بدناش نروح كبل ما تغيب الشمس؟ كومي يلا".

بعد مرارة السنين ودموع الأمهات وعجز الآباء عن ما يحصل من خيانة لأمة الإسلام والزيتون،  بعد ما تكسرت أغصان التين المتينة سقطت من ورودها على ثرى الوطن نطفة.

تنظر إلي وتحدق في عيوني وتدمع كطفلٍ وجد ضالته ثم أضاعها ثم ما لبثت عيني وأن دمعت وهي في حيرة من أمرها! هل تذكرته؟ أم يا ترى هل هي جائعة لمعانقة الحلم من جديد؟ سألتها بحرارة الحزن في قلبي وحرقته: "ستي خير شو صاير، شو مالك؟"، قالت "خلص يا ستي شكلها كربت هالروح تطلع ما ضل بالعمر كد الي راح".

أغلقت عيني ليكون صدى هذه الكلمات أقل ضرراً على قلبي وتذكرت أن كل ما مرت به "ستي" من ألم ومعاناة وشوق للماضي لم يكن بذلك البعيد زمنياً، كانت معاناة الهجرة والنكبة التي مررنا بها ووفاة "سيدي" واختفاء أبي مع الثوار واستشهاد عمي وأخي في مواجهة العدو الغاصب دفاعاً عن تراب الوطن، ها هو الزمن يمر وتمضي السنين في تقدير الحساب ولا تمضي في ذكرياتها سوا دمعة ويعود الكابوس من جديد لذكرياتها.

لم نرى ولم نشهد من مساعداتهم واتفاقياتهم المعلنة ولا إثبات واحد لصدقها إلا واحدا فقط، قرار واحد اتفقوا عليه وهو مسمانا الوحيد (لاجئ). سيقارب على مضي أحداث النكبة سبعون عاماً ، سبعون عاماً من الشتات والقهر ولا تزال تؤكد هذه الذكرى على أن القضية الفلسطينية وحقي ك لاجئ لابد أن يكون على قائمة المحاور السياسية في المنطقة، وأن يعود إلى تصدر الأهمية والأولوية رغم كل المحاولات البائسة بنسيانها.

تنظر إلي وتحدق في عيوني وتدمع كطفلٍ وجد ضالته ثم أضاعها ثم ما لبثت عيني وأن دمعت وهي في حيرة من أمرها! هل تذكرته؟ أم يا ترى هل هي جائعة لمعانقة الحلم من جديد.

بعد مرارة السنين ودموع الأمهات وعجز الآباء عن ما يحصل من خيانة لأمة الإسلام والزيتون، لأمة السلام والمحبة، بعد ما تكسرت أغصان التين المتينة سقطت من ورودها على ثرى الوطن نطفة،  انغرست في ثناياه تبلورت وتشكلت بفعل العاصفة الهمجية التي ضربت الأرض صمدت وكبرت، وما زالت هناك مدفونة بحب الأرض لها تعانق الحرية شوقاً.

تلتهف أملاً في تحرير نفسها لتخرج بحلتها وفكرها ونظارتها التي ولدت وبنيت على صمود الآباء ودماء الشهداء، انتظروها بكل ما أتاكم الظلم من قوة، فلن تكون أيامكم مشمسة بظلم قلوبكم ولن تعود بسمتكم الفاضحة إلى شفاهكم فهذه النطفة في قلبها تحمل آلاف القصص تحمل آلاف الدموع والحسرات تطوي في روحها دماء الأرض المعطرة بريح الجنة، هناك على تلال الحرب ولدت نطفة الحرية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.